- Likes
- Followers
- Subscribers
- Followers
- Subscribers
- Followers
- Followers
- Members
- Followers
- Members
- Subscribers
- Posts
- Comments
- Members
- Subscribe
الأشعري: هناك حالة اختناق اجتماعي وسياسي والسكوت عنها سيؤدي بنا إلى الندم على تجاهلها (فيديو)
حاورته: سعيدة الكامل
فكك المثقف والسياسي ووزير الثقافة والإعلام سابقا، محمد الأشعري، التحولات التي حصلت في حقول السياسة والثقافة والإعلام، ويقف على ما اعتمل في هذه الحقول وما حدث لها وبها ولأطرها والنخب التي تنتج دون انجرار نحو تمجيد الماضي بالنوستالجيا ولا احتقار للحاضر برفضه، فالتحولات كما حملت أمورا سيئة تحمل كذلك أمورا إيجابية في نظره وواقع الحال يفرض أن لا شي ء سيعود إلى ماضيه لأنها طبيعة الأشياء هكذا، وكل ما ينبغي هو مسايرة التطورات الحاصلة دون الانسلاخ عن القيم التي ينبغي تكريسها من خلال الحقول الثلاثة وهي الديمقراطية والحريات والمساواة.
وفي حقل السياسة يرى الأشعري أن “الجمود هو عدو التقدم” وأنه “كلما أتحنا للمؤسسات فرصة عمل حقيقية وضمنا لها مصداقية تجاه الشعب كلما حققنا تقدما في مجال الديمقراطية وحتى في مجال بناء الحداثة، السياسة هي بالإساس صناعة الأمل، وهو ما يجب على كل سياسي أن يستحضره وإذا لم تكن كذلك فهي من الممكن أن تؤدي إلى عوقب وخيمة جدا”.
كما يغوص الروائي ووزير الثقافة والإعلام سابقا، في هذا الحوار، في التحولات التي طرأت على الأطر السياسية وعلاقتها بعالم الفكر والثقافة وأسباب انحسار المسارات التي كانت تنتج أطرا ذات خلفية فكرية وهي ذات الإشكالات التي يفككها في عالم الإعلام والتجاذبات التي يعرفها ارتباطا بواقع الحريات وعالمي المال والسياسة.
الجمع بين المال والسياسة ليس أقل خطورة من الجمع بين السياسة والدين
وأكد الأشعري في حوار مصور مطول مع “لكم” أن “الاعتراض على زواج المال والسياسة هو اعتراض وجيه ولا يمكن إطلاقا أن يقبل في ديمقراطية حقيقية أن يكون المستفيد من مشاريع مالية ومقاولاتية كبرى هو في نفس الوقت المؤتمن على تدبير المحيط الذي يأخذ منه هذه المنافع. هناك قاعدة ذهبية في هذا المجال، إذا كان المسؤول يريد خدمة المصلحة العليا للبلاد، وخدمة المرفق العام، وخدمة الشعب، هنا عليه أن يختار العمل العمومي سواء كإطار للدولة أو كإطار سياسي، رغم أن هذا العمل ربما لن يذر عليه أموالا طائلة، بل سيعيش في الكفاف والعفاف بهذا المدخول، ولكن إذا أرداد أن يتوسع في الاستثمار وفي جني الأرباح عليه أن يختار العمل المقاولاتي أو العمل الاقتصادي دون أن يخلط الأوراق ودون أن يخلط الأمور. الخلط الذي يقع في هذا الأمر فيه أمور قد تقع تحت طائلة القانون الجنائي،فأن يسخر المسؤول السياسي التشريعات لخدمة مصالحه الخاصة، هذا يقع تحت طائلة القانون الجنائي. لا يمكن أن يجمع الشخص بين هذه الأشياء وبين مشاريعه الخاصة، لأن هذا الخلط يخلق التباسات كثيرة ولا أدل على ذلك من مثل واحد بسيط، أن يكون الوزير مستثمرا في المحروقات وفي نفس الوقت مسؤولا سياسيا يدبر أمر المحروقات في البلد، هذا يخلق التباس، أنا لا أتهم أحدا بشيء ولكن هذا يخلق التباس حقيقي، والشعب المغربي يصعب عليه أن يميز بين ما يفعله الوزير في إطار المصلحة العامة وما يعمله في إطار جني الأرباح الخاصة لنفسه، ولذلك فهذا موضوع ليس أقل خطورة من الجمع بين السياسة والدين، ويجب أن يوضع له حد”.
من يتجاهل القلق المعبر أو المسكوت عنه يتجاهل حقيقة، قد نندم على تجاهلها ..
ويضيف الأشعري منتقدا صمت الحكومة وغياب التواصل: “نحن نرى الآن وضعية في غاية القلق، كيف يعقل أن حكومة بكامل أعضائها لا تتكلم مع المغاربة إطلاقا، لا تحدثهم في الأوضاع الاقتصادية ولا في الأوضاع الاجتماعية ولا في أوضاع الجفاف، ولا في أزمة الماء، كل السياسات العمومية يقوم بها الوزراء في مكاتبهم وليس في علاقة حوار وتبادل رأي مع المواطنين، هذا العجز على مخاطبة الناس يجعل الكثير من الناس في بلادنا اليوم يشعرون بلقلق من الآتي”.
وعن تأثير “الصمت” على المناخ السياسي عموما، يقول الأشعري: ” أظن أن تأُثيره وخيم جدا، اليوم هناك اختناق ليس فقط في الأوضاع الاجتماعية بل أيضا في الوضع السياسي وهناك تساؤلات عن مآل ما نعيش فيه اليوم، إلى أين سيؤدي بنا، ما ستؤول إليه الأمور فيما بعد؟ والذي يتجاهل هذا القلق المعبر عنه أو المسكوت عنه، والموجود الآن في المغرب، أظن أنه يتجاهل حقيقة أساسية وربما سنندم فيما بعد على تجاهل هذه الحقائق”.
السياسة لا تموت، إذا لم يقم بها الفاعلون الحقيقيون فإن أوساط أخرى تقوم بها
وردا على الآراء التي تقول ب”موت السياسة” يقول:”لا أرى أن السياسة يمكن أن تموت، هناك نوع من الممارسة السياسية يمكن أن يضمحل، يمكن أن يتوارى إلى الخلف.السياسية دائما موجودة ودائما حية، إذا لم يكن الديمقراطيون والفاعلون الحقيقيون هم من يقوم بها، فإن أوساط أخرى تقوم بها.وهناك دائما سياسات تطبق، ليس هناك فراغ في المجال السياسي، ربما هناك نوع من النوستالجيا للسنوات التي كان فيها العمل السياسي يقوم على أكتاف المعارضة التي كانت لها أفكار وكانت لها مشاريع، وكانت لها مقاومة للأوضاع القائمة وللاستبداد السياسي على الخصوص، وهذا الوضع انتهى، يجب أن نسلم بذلك، نحن لا يمكن أن نعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، يجب التفكير في المستقبل، كيف يمكن أن نبني حياة سياسية قائمة على مقاومة الانحرافات السياسية ومقاومة الفساد، ومقاومة الجمود في العمل السياسي، وكيف نبني تجارب سياسية لها عمق فكري وثقافي ولها مشروع للمستقبل”.
لا يمكن اليوم أن نقبل أن الذين خططوا وعملوا على إقبار التجارب الحزبية هم أول من يمشي في جنازتها
وعن حال الأحزاب والخطاب السائد حول انحسار أدوراها وأدائها يقول الأشعري ” بداية يجب التأكيد على أن ما حصل للأحزاب السياسية في المغرب لم يكن فقط تحولا من داخل الأحزاب، صحيح هناك أحزاب كثيرة لم تقم بما يجب أن تقوم به لتتطور ولتصبح أقدر على مواجهة أسئلة الحاضر” مدليا بما وقع لحزب الاتحاد الاشتراكي: ” وأعطي مثال عن ذلك بحزب الاتحاد الاشتراكي، مر من تجربة قوية، هي تجربة التناوب السياسي، قبلها صنع إلى حد كبير تاريخ المقاومة من أجل تحقيق الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، عندما دخل تجربة سياسية مختلفة في أساليبها وفي أهدافها كان لا بد له أن يحضر نفسه لتفكير جدي في المستقبل، كيف سيستفيد من هذه التجربة؟ كيف سينظر إليها بعين نقدية وليس فقط كأمجاد جديدة، وكيف سينتقل بعدها إلى بناء حزب ما بعد التناوب؟..كان على الحزب أن يعقد مؤتمرا خاصا ليناقش فيه تجربة التناوب، بما لها وما عليها، لأن نحن كفاعلين في هذه التجربة نعتز بما عملت وبما حققت. ولكن نعرف كذلك أن هناك إخفاقات لهذه الحكومة، وهناك مناطق يجب أن يصلها النقد. ويجب أن لانتنازل في ذلك إذا أردنا أن نظل أوفياء للأفكار التي حملناها. لم نفعل ذلك. وبما أننا لم نفعل فقد وجدنا أنفسنا ما بعد هذه التجربة سجناء لتسيير الحياة الحزبية والممارسة السياسية للاتحاد الاشتراكي يوما بيوم، وأظن أن ما تكرر ما بعد 2002 وبعد حكومة إدريس جطو، هو نوع من الانقياد لفكرة المشاركة مهما كان الثمن وكيفما كان الأمر..المشاركة في حكومات يناقض بعضها بعضا بطريقة كاملة، هذا الانسياق وراء التواجد بهذه الطريقة كان قاتلا لتجربة الاتحاد، وهذه الملاحظة يمكن تعميمها على أحزاب الحركة الوطنية”.
ولكن بالرغم من هذه الأخطاء الداخلية يقول الأشعري:” فأنا متيقن من أن العمل السياسي العام توجه إلى إضعاف الأحزاب، ولا يمكن اليوم أن نقبل أن الذين خططوا وعملوا لإقبار التجارب الحزبية هم أول من يمشي في جنازتها، هذا غير أخلاقي، كان هناك اختيار يجب أن يتحمل مسؤولية هذا الاختيار من وضعه”.
المشروع الوحيد المكتمل لليسار هو مشروع الماضي ..
وعن واقع اليسار يقول أن المشروع الوحيد المتكامل الذي حصل لحد الآن هو مشروع الماضي، ولم يبتكر اليسار “مشروعا للمستقبل يتوحد حوله ويصبح مرجعية أساسية لنضالات اليوم والغذ”و تعليقا على ثقافة الولاية الثالثة والرابعة لدى أحزاب اليسار وآخرها في حزب التقدم الاشتراكية قال الأشعري: ‘لا أريد أن أركز على حزب دون آخر، لكن على العموم فالجمود السياسي هو الذي يصنع هذا، الجمود السياسي العام الذي نعيشه يجر كل شيء إلى أساليبه وإلى مناهجه، هذا هو الواقع. أحيانا كثيرة نجد أنفسنا أمام سؤال يطرح حتى داخل هذه الأحزاب حول من يمكن أن يقود الحزب غير الذي على رأسه”، مضيفا أن “حتى اليساريون استبطنوا هذا العجز الذي صنع صنعا، وأصبحوا يبررون به عدم تجديد النخب، يقولون ليست هناك نخب؟ لماذا ليست هناك نخب؟ ولماذا لم تعملوا على تجديد هذه النخب؟ لماذا لم يتم منح الأجيال الجديدة فرص لتحمل المسؤولية؟ هذا مشكل، يقف عائقا أمام أي تحول، وفي نفس الآن، وهذا هو المؤلم في هذه الحكاية فإن هذا التساؤل يضع اليد على مشكلة حقيقية، فعلا ضعف الأحزاب أدى إلى انحسار الالتزام السياسي، وأدى إلى عزوف الأطر عن المشاركة في العمل السياسي من خلال الأحزاب، حيث لا يغريها العمل من داخل الأحزاب”.
حزب العدالة والتنمية عطل العمل بالدستور ومقارنة مآله بمآل حزب الاتحاد الاشتراكي مقارنة خاطئة
يحبذ الأشعري المقاربة التي تقارن بين مآل حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، ولا بتجربة اليسار، “هي تجربة أخرى مختلفة وفيها الكثير من الأشياء التي سيحين ربما الوقت لمناقشتها في ظروف أخرى، لكن الأخطاء التي ارتكبها حزب العدالة والتنمية هي أخطاء جاءت في ظرف مختلف تماما” يقول الأشعري محيلا إلى أن ” حكومة التناوب جاءت في إطار دستور 1996، وكان يضيق الخناق دستوريا على اختصاصات الوزير الأول آنذاك وعلى اختصاصات الحكومة، وفي هذا الإطار مارست حكومة التناوب، أما العدالة والتنمية فقد مارس في إطار دستور 2011 الذي أعطى اختصاصات واسعة لرئيس الحكومة وأعطاها مكانة خاصة في النظام السياسي المغربي، فقد عطل حزب العدالة والتنمية من خلال الحكومة هذا الدستور الذي كان سيساعد المغرب على أن يخطو خطوات كبيرة نحو الانتقال الديمقراطي وتعطيل الدستور كان في مجال الاختصاصات الحكومية وفي مجالات أخرى، جنى منه حزب العدالة والتنمية نتائج جد سلبية على مصداقيته وعلى علاقته بالناخبين. أضف لذلك فاليوم لم يعد المغربي يقبل على الإطلاق أن تقول في خطابك شيئا وأن تمارس في عملك شيئا مضادا تماما لخطابك، والعدالة والتنمية خذل منتخبيه في عدد من النقط الأساسية سواء التي لها ارتباط بالسياسات العمومية في المغرب أو التي لها ارتباط بالقضايا العربية، وقضية التطبيع في أول قائمة القضايا التي خذلتها حكومة العدالة والتنمية، وبالتي فقد أدى ثمن هذه السياسات والأخطاء”.
التباعد الحاصل بين منتجي الأفكار ومنتجي السياسة يؤدي إلى تفقير الثقافة والسياسة معا
ويقول الأشعري ارتباطا بسؤال المثقف والسياسة: “أظن أنه لم يحدث في أي ديمقراطية في العالم أن تعمل المؤسسات والبنيات السياسية على نوع من الفصل التراجيدي بين السياسة والثقافة. لم يحصل هذا في أي دولة. فالدول الديمقراطية دائما ما تجعل من الخلفية الفكرية والثقافية أساس كل عمل سياسي”، مضيفا أن “اليوم هناك اتجاهات لها بريق، وهي الاتجاهات التي تؤمن فقط بوسائل الاتصال الحديثة وتؤمن فقط بقوة المال، وسلطة المال، وتؤمن بالشعارات المرتبطة بهذا العالم، وتعتبر أن هذا هو ثقافة اليوم، هذا هو فكر اليوم، وحين تسأل عن أين المثقفون والمفكرون والأدباء الذين كانوا دائما في قلب العمل السياسي؟ يقولون لم يعد وقتهم، هذه هي ثقافة اليوم. وأظن أنه خطأ كبير في التقدير لأن التباعد الحاصل اليوم بين منتجي الأفكار ومنتجي العمل السياسي سيؤدي إلى تفقيرين: تفقير المجال الثقافي لأنه يتغذى من السياسات العمومية كذلك، والسياسة سيتم تفقيرها كذلك لأنها إذا لم تتغذ من الأفكار الجديدة والاجتهادات الجديدة فكريا وفنيا وأدبيا فستصير هي الأخرى عبارة عن تدبير أعمى ليست فيه روح، وغير مرتبط بانتظارات الناس وطموحاتهم”.
المسارات التي كانت تهيء الأطر الحزبية ذات تكوين فكري تعطلت ولازالت لم تظهر أخرى
ويرى الأشعري أن حالة النفور المتبادل بين المثقف والسياسي النفور “هو تقريبا نفور طبيعي، لأن السياسة هي نوع من تدبير الممكن لكن الثقافة هي تدبير المستحيل، الثقافة دائما لها حس نقدي قوي، ولا تقبل أن تأخذ الأمور بنوع من الاستخفاف والتساهل، والثقافة بهذا المعنى هي الضمير الحي في الأمة، فالمثقف حتى حين يكون من نفس العائلة السياسية، فحينما تخطئ ينبغي أن يكون قادرا على أن يجهر بالحقيقة وأن ينتقد عائلته السياسية”، مفسرا على أن الذي ” جعل التنافر يحتد هو أنه فيما قبل كانت هناك مسارات تجعل الناس يصلون للمسؤولية السياسية، كالعمل الثقافي أو جمعيات المجتمع المدني، والعمل الفكري من خلال الجامعة، كل هذا كان يوصل الناس فيما بعد إلى الاشتغال في السياسة لكنهم في نفس الوقت يحافظون على العمق الثقافي وتجربتهم. الآن نحن في ظروف مختلفة يمكن لأحدهم أن ينتمي لحزب بحديث ثنائي بينه وبين زعيم الحزب، أو بينه وبين مكتب التواصل الذي يتكلف بالبحث عن أطر للحزب. هذه المسارات التي تهيء الأطر الحزبية المستقبلية لم تعد تشتغل بنفس الطريقة السابقة ولازلنا لم نعثر على أسس جديدة لتهييء أطر سياسية للمستقبل”.
لا يمكن لمثقف حقيقي أن يقبل أن يكون مثقف السلطة
وعن سؤال ما إن كان اليوم للسلطة مثقفون وما إن كان يمكن أن تشتغل دون عقل فكري يقول الأشعري: “لا أظن أنه يمكن لأي مثقف حقيقي أن يقبل أن يكون مثقف السلطة، يمكن أن يكون لها تقنيين ثقافيين، ولكن لا يمكن أن يكون مثقفين، كيفما كانت هذه السلطة”، مضيفا أن “الذي يمد الدولة بالأطر التي تتحمل المسؤوليات السياسية هي الأحزاب، إذا كانت الأحزاب لم تعد تستعمل المسارات المذكورة لتكوين أطر جديدة،فهذا يحدث فراغ. في فترة ما كان في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي شعراء وكتاب ومفكرون وعلماء اجتماع وفلاسفة وكانوا في نفس الوقت هم المنتجون الثقافيون الأكثر تأثيرا في البلاد، كان محمد عابد الجابري ومحمد جسوس وعبد اللطيف الجواهري وغيرهم..وفي نفس الوقت كانوا يتمتعون باستقلالية حتى عن الإطار السياسي الذي هم بداخله، كلنا يتذكر الأعمال التي قام به الجابري وجسوس لم تكن متناغمة تمام التناغم السياسي مع الإطار الذي ينتمون إليه، والأدباء والشعراء كانوا في أساليب عملهم، مصطفين أولا وقبل كل شيء مع القيم التي يدافعون عنها وأساسا قيم الحرية.”
ولا تخرج التجاذبات التي يعرفها حقل الإعلام عن سياق ما يعتمل داخل حقلي السياسة والثقافة، وعن التحولات التي حدثت في هذا القطاع ونخبه يقول الأشعري أنه ” مهما انتقدنا الجو الجديد الذي نعيشه، لا ينبغي أن ننسى أنه هنا وهو الموجود وسواء كان لنا منه موقف متعاطف أو حذر أو موقف نفور، أو موقف سلبي، فهو واقع حال، وهو ما سيكون لفترة طويلة. فإما أن نجد في داخله الحلول التي تجعله يقوم بالأعمال المطلوبة منه تجاه المجتمع، وهي الأعمال المتعلقة بالإخبار النزيه وبالتعليق الذكي، وبالمواقف المدافعة عن القيم والمبادئ، وإذا لم نستطع أن نقوم بهذا من داخله، فلن نقوم به. فالصحافة الحزبية انتهت، انتهت بالصيغة التي كانت موجودة عليها، وهي موجودة بصيغة أخرى، والتأثير اختلف. وللتذكير لما كانت الصحافة الحزبية في أوجها، كانت الأقلام اللامعة تقول: متى ستنتهي هذه الصحافة الحزبية؟ بسبب الشعور بأنها مكبلة لاستقلالية الصحافي ولقدرته على النبش في القضايا، لأنه سيتبع دائما الخط التحريري المنبثق من الحزب الذي تنتمي له تلك الصحافة، وعندما تجاوزنا هذه المرحلة، نتشكى من الوضع الحالي”.
إعادة إنتاج صحافة الماضي أو أحزاب الماضي أو نخبة الماضي.. نوستالجيا جوفاء
وعن حال منتجي الفعل الإعلامي يقول أنه: ” في كل المراحل كان هناك منتجون ملتزمون بالمواثيق المؤطرة للعمل الصحفي وكان هناك منتجون خارجون عن هذا الإطار. نحن في خضم تحلل تجربة قديمة وانبثاق تجربة جديدة لازالت لم تتضح معالمها، لكن ينبغي التعامل معها وداخلها، يجب التخلص من فكرة أنه يوماما سنعيد إنتاج صحافة الماضي أو أحزاب الماضي أو صحافيي الماضي أو نخبة الماضي، هذه نوستالجيا جوفاء.لكن هذا لا يعني التحرر من القيم التي بنينا بها هاته الأمور في الماضي”.
ويؤكد الأشعري أن “هناك بعض الممارسات التي تقلق، كالتعامل مع حرية الرأي وحرية التعبير من قبل السلطة، هذا شيء مقلق لأن فيه نكوص وتراجع عن الأوضاع التي حققناها قبل فترة طويلة، يجب أن نتوافق حول أن المس بحرية الصحافيين وسجن الصحافيين والممارسين الإعلاميين لا يمكن أن يتناسب مع بناء الديموقراطية. ومؤسف حقا أن صحافيون يحكمون بأحكام لا يصدقها عقل في هذه الفترة بعد أن كنا نعتقد أن هذه الأمور صارت وراء ظهرنا. هناك بالفعل استعمال للمال وشراء للأصوات وشراء للمنابر وهذا تم خصوصا في الانتخابات الأخيرة وكان واضحا وجليا،وهذه أشياء أن تكون مقبولة في ديمقراطية حقيقية. كل هذه الأمور ينبغي أن تعالج سياسيا باتخاذ قرارات سياسية حازمة تجاه عرقلة حرية التعبير وتجاه استعمال المال في شراء الأصوات، ويجب أن نحمي الصحافة والصحافيين بقوانين وتشريعات قوية. وفي نفس الوقت يجب على الجسم الصحفي أن يطور مقاومته الخاصة لهذه الأوضاع، مهما كانت التشريعات ومهما كانت السياسات في هذا المجال فإنها لن تصنع الضمائر الحية، الضمائر الحية يصنعها الصحافيون أنفسهم، وينبغي أن تتكتل هذه الضمائر الحية لمقاومة هذه الانحرافات الخطيرة، التي ليست خطيرة فقط على الصحافة ولكن خطيرة على مستقبل الديمقراطية في بلادنا”.
بالرغم من كل المثبطات هناك توسع في الإنتاج الفني والأدبي ومجال التعبير بالمغرب.
ويؤكد الأشعري أنه لا ينبغي الاعتقاد أن التحولات الحاصلة أتت فقط بالسلبي بل ينبغي أن تسجيل التحولات الإيجابيةالكبيرة التي حصلت كذلك في السنوات الأخيرة في مجالات الإنتاج الثقافي والإعلامي والحريات، يقول الأشعري مشيرا إلى أن ” مجال التعبير صار واسعا، والمتدخلون في التعبير عن مشاعرهم وعن انتقاداتهم وعن آرائهم أصبح مجالا واسعا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي،واليوم من الصعب أن نلجم الناس وأن نمنعهم من الكلام ومن المشاركة ومن المساهمة في النقد، هذا شيء أساسي، حتى شفويا أصبحت الأمور ممكنة بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح الناس البسطاء أيضا يستطيعون أن يتدخلوا وأن يساهموا في نقاشات عمومية، هذا تحول إيجابي إذا وجد إطارا يضبطه بالمعنى الإيجابي وليس بالمعنى الزجري، ويفتح أمامه مجالات جديدة فالبتأكيد سيكون له تأثير إيجابي لأن الشباب يستعمل بالذات هذه الوسائل ومن خلالها سيتغذى بالأفكار الجديدة”.
وهناك أمر إيجابي آخر يؤكد عليه الأشعري وهو “توسع دائرة الإنتاج الفني والأدبي في بلادنا بالرغم من كل هذه المثبطات، هناك اليوم إنتاج كبير في مجال الرواية وفي مجال الشعر، وهناك توسع كبير في المجال الفني كذلك، وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا التوسع لهتأثير قوي في البنية الذهنية وفي تصرفات الناس فيما بعد، ولذلك فالأمور تتحول، وهذا التحول يخضع أحيانا لعرقلة ويخضع أحيانا لنوع من الإلجام ولكن التحول ماضي ببعض التفاصيل الجيدة وبعض التفاصيل السيئة، لكنه ماضي ولن يرجع إلى الوراء، أتمنى من المسؤولين أن يدخلوا في أدمغتهم أن محاولة الإبقاء على الأمور جامدة أو إرجاعها للوراء مسألة مضادة لطبيعة الأشياء ومضادة للتاريخ”.