جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

عبد الله ساعف، أستاذ العلوم السياسية ووزير التعليم في عهد حكومة التناوب

 

قال عبد الله ساعف، أستاذ العلوم السياسية ووزير التعليم في عهد حكومة التناوب، إن الوعي السياسي في المجتمع المغربي لا بقبل أن يستغل الفاعل السياسي منصبه العمومي لخدمة مصلحته الخاصة، مشيرا إلى أن المغرب لا توجد فيه “أوليغارشيات”، ليست لديه تجارب سابقة معها.

 

واستشهد الساعف في حوار مصور مع موقع “لكم”، بالفيلسوف أرسطو الذي يرى أن المؤهل للقيام بالسياسة هو صاحب المال، داعيا إلى عدم الإسراع في ألقاء التهم على الأشخاص الأغنياء الذين يتولون مسؤوليات عمومية، في إشارة إلى عزيز أخنوش، الذي يجمع بين كونه رجل أعمال ورئيس حكومة في نفس الوفت.

من جهة أخرى قال الساعف إن طريقة تدبير المغرب لأزمة كورونا قوى الدولة، نافيا أن يكون قد سجل تجاوزات في مجال خرق حقوق الإنسان خلال تلك الفترة. ونبه الساعف إللى إنه لاينبغي أن يختل التوازن بين هاجس الضبط لدى الدولة وبين النزعات التحررية للأفراد والجماعات والمجتمع المدني.

 

وبخصوص تقييمه لدستور 2011، الذي كان ساعف أحد المشاركين في كتابته، قال أستاذ العلوم السياسية “الدستور وثيقة مرجعية محددة وفي نفس الوقت يتضمن الخريطة المؤسساتية العامة، التي تظل مرتبطة بالطريقة التي ستنفذ بها، وكيف سينفذها كافة الفاعلون في الخريطة السياسية المغربية، هي وثيقة لها أثر، وأثرها مرتبط بدرجة التزام الفاعلين بروح هذه الوثيقة”، موضحا أنه فيما يتعلق ب”التشكيلة الحكومية لم يكن هناك تجاوز للدستور، حيث يتم اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأول، وهناك احترام للمواعيد الانتخابية عكس ما يجري في بلدان إفريقية وغيرها”.

 

ليس هناك رضى تام لكن ليس هناك أسباب لنرفض ما تحقق 

 

وفيما يتعلق بالعديد من المؤسسات وليدة دستور 2011، يوضح ساعف أن “هناك تفاوتا في عمل العديد منها”، وخاصة مؤسسات الحكامة، والمؤسسات المستقلة، مضيفا أن ” منها من تعتبر في شبه الغائبة رغم أنها موجودة، ومنها ما لم ترى بعد النور، وأتحدث هنا عن المؤسسة المخصصة لقضايا المساواة والمرأة، وعن المؤسسة المخصصة لقضايا الشباب والجمعيات التي لا أثر لها لحد الآن، ومجموعة من المؤسسات الأخرى التي بدأت تشتغل لكن الوقت الذي مضى غير كافي لكي نقيم أثرها على الخريطة العامة، وما أضافته وما عجزت عن القيام به لنظامنا السياسي”، موجزا بالقول أنه “دون القول أن هناك رضى تام عما هو موجود الآن، فليست هناك أسباب لنرفض ما جاء به الدستور، الذي يبقى أثرة إيجابيا على العموم”.

وأكد ساعف أنه خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين “تم احترام مبدأ الولاية التشريعية وطريقة التعيين، وقد أعطى هذا عمقا للتجربة المغربية، خاصة بعد الوثيقة الدستورية الجديدة/القديمة(2011)”.

 

 

ويؤاخذ ساعف على مؤسسة رئاسة الحكومة أنها لم تأخذ مساحتها الدستورية قائلا: “رئاسة الحكومة، ورئيس الحكومة كانت له صلاحيات أوسع من الصلاحيات التي كانت لدى سابقيه في المرحلة ما قبل هذا دستور 2011، ورغم ذلك لم يستنفذ كل إمكانياته لا في الولاية التشريعية الأولى ولا الولاية التشريعية الثانية” موضحا أنه “في الولاية الأولي للسيد عبد الإله بنكيران، وهو له شخصية قوية وطبع الحياة السياسية، لكن رئاسة الحكومة لم تأخذ ملامحها التي كان يمكن أن تأخذها، أتفهم أنه كان حذرا ومقاربته كانت تحاول ألا تخلق اضطرابات في المنظومة العامة. أتفهم هذا الحرص لديه”. أما في المرحلة الثانية فيقول الساعف أن “بروز رئاسة الحكومة مع السيد سعد الدين العثماني كان أقل، ولم يملأ كل المساحات التي كان يمكن أن يملأها على أساس الدستور، وفي هذه المرحلة الثانية زادت البياضات وقل الحضور أكثر، أضف لذلك أن الأسلوب الشخصي للسيد سعد الدين العثماني لم يجعل مؤسسة رئاسة الحكومة تأخذ طابعا قويا. وفي مختلف المعارضات نجد هذا المأخذ على الولايتين التشريعيتين، وأجد بأن هذا المأخذ له ما يبرره خاصة في المرحلة الثانية”.

 

 

غياب ثقافة تقييم السياسات العمومية

 

وعن تقييم أداء الحكومتين السابقتين من الناحية التدبيرية يؤكد ساعف أنه “ليس لدينا ثقافة تقييم السياسيات العمومية، حتى نتمكن من تقييم أثر الولايتين السابقتين من هذه الزاوية”، وأنه في “أغلب الأحيان يغلب على منطلقاتنا الجانب السياسوي الضيق، حيث هناك نقص في الثقافة العامة لمساءلة الفاعلين، وبقينا في مستوى إيديولوجي ومستوى سياسوي ضيق، وهذا الحكم يختلف من سياسة عمومية إلى سياسة عمومية حسب القطاعات”.

 

وعن الولاية الحكومية الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش يقول ساعف إن الهاجس في المرحلة الدستورية الجديدة كان هو “الخروج من وضعية رئيس الحكومة كأنه غير موجود وأن يقوم بمهامه، ويتورط في الحياة السياسية بشكل كامل، كان الهاجس هو أن تكون حكومة حقيقية وبرلمان حقيقي مركزي، يكون هو مركز النقاش العمومي لكل القضايا الكبرى، مع الأسف هذين المسألتين غير موجودتين بشكل كامل. فرئاسة الحكومة حذرة وتحسب خطواتها، ولا تريد المغامرة والذهاب بعيدا في تأكيد مكانة ودورهذه المؤسسة، ولا شيء يمنع من ذلك.” متسائلا: ” الآن، هل هذا الوقت الذي مرّ حتى كاف لتتأكد شخصيتها بشكل أقوى؟ أنا ما زلت أنتظر وأراقب وأتابع، ولازلت لم أر هذه الشخصية تٌرسم بشكل مختلف عن المراحل السابقة من ناحية مكانتها ومركزيتها ونجاعة تدبيرها”.

 

وحول الخطاب المنتقد لتواصل الحكومة والذي يعتبرها تنزوي للصمت، وما إن كان ذلك يعبر عن أزمة تواصل فعلا أم هي سياسة أم طريقة خاصة للتدبير، يجيب ساعف: “أحيانا يغلب التواصل عن الإنجازات الحقيقية وحين تكون هذه الوضعية فنحن لا نتقدم، في بعض السياسات العمومية يكون التواصل الذي حولها أكبر مما ينجز، يكون الإنجاز صغيرا والكلام والصور أكبر بكثير ..”، مضيفا أن “قضية التواصل تطرح أسئلة خاصة، المرحلة لازالت في بدايتها، وعلى الأقل ينبغي مرور سنة كي يمكن الحكم على الفريق الحالي، فزمن علم السياسة ليس هو زمن الفاعل السياسي أو زمن المتتبع الصحفي أو حتى عموم الناس. ينبغي أن يأخذ العمل حجمه وتتوفر عناصر التقييم والحكم على ما يجري وما يقوم به الفريق الحالي”.

 

صاحب المال هو المؤهل للقيام بالسياسة

 

سؤال الجمع بين سلطة المال والسياسة، وموقع رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، كفاعل اقتصادي وموقفه كفاعل سياسي من مستوى رئاسة الحكومة، قاربه ساعف قائلا: “أرسطو يرى أن المؤهل للقيام بالسياسة هو صاحب المال، لأنه يكون مترفعا عن الموارد العمومية..”، مضيفا “وقد وقفت على حالات مثل كريم العمراني وإدريس جطو، والآن سنرى تجربة السيد أخنوش التي لازالت في بدايتها”، متسائلا حول مدى “ترفع رجال دولة مغرب اليوم عن الخلط بين المصالح الشخصية والتدبير؟ أما مبدئيا، أن نحكم على شخص غني ومقاول متعدد الأبعاد، بأنه لا ينبغي أن يحكم فلازال ليس لدينا ما نحكم به على تمظهر سلطته المالية. وليس لدينا تجارب مع هذا النوع من الأوليغارشيات التي تشتغل بشكل مطلق وترى مصالحها الشخصية هي ذات الأولوية، وأنا أعتبر هذه المسألة غير ممكنة في الفضاءات المغربية، فالوعي السياسي الموجود في المجتمع المغربي، بلغ مستوى لا يمكن أن يقبل يوما هذه الحالات من الخلط أو استغلال الموقع العمومي للمصلحة الخاصة، ولهذا لا ينبغي إلقاء التهم مسبقا، فهو تحت المراقبة والمتابعة” يقول ساعف خاتما جوابه.

 

مفهومي “الليبرالية” و”الدولة الاجتماعية” وطريقة تسويقهما في السياق الحالي، وما إن كانت هذه المفاهيم تتلائم مع دلالتهما في حقل العلوم السياسية، سؤال يجيب عنه ساعف بقوله: “..هناك حزب ليبرالي لا يخبئ هويته، وهو التجمع الوطني للأحرار، ويظهر بهذه الصفة، أي كقوة ليبرالية”،

مضيفا أن “بروز الليبرالية في السياق المغربي له معنى خاص، علاقة بالولايتين التشريعيتين السابقتين، والمكانة التي أخذتها المرجعية الدينية في السياسة. الليبرالية تريد طمأنة الآخرين. المستثمرين والحلفاء، وكل هذا العالم الذي كان له موقف من المرجعية الدينية، وتريد القول أننا نحن جزء لا يتجزأ من عالم اليوم، ونسعى للتحديث ونسعى لكي نكون فضاء عاديا في الخريطة العالمية الحالية، فهذه هي الرسالة الضمنية التي حملتها ليبراليتنا” مردفا: “سنتابع ما سيحدث في مواضيع حقوق الإنسان، والحقوق العامة والفردية، فهي التي ستحدد الصورة، لكن لازالنا لم نرى خروقات”.

 

تدبير أزمة كورونا عزز بروز دولة قوية

 

في حين يرى ساعف أن “هذه الليبرالية ليست هي التي أنتجت الدولة الاجتماعية” مؤكدا أن”مسار الدولة الاجتماعية يأتي من مسار آخر، فقد كان هناك حديث عن الإصلاح حتى قبل كورونا، حيث أن نظام الحماية الاجتماعية كان مشتتا.. وكان الحديث عن إصلاحه وتوحيده، وحينما أتت كورونا عززت بروز دولة اجتماعية قوية أكثر قوة من الماضي، وهي فعلا أقوى من الماضي، لكن، هل هي قوية بما يكفي في أوضاع المغرب تجاه الهشاشة وتجاه البؤس والإقصاء وتجاه الضعف الموجود في المجتمع المغربي”، يقول ساعف متسائلا ومردفا أنه “كما هو الشأن بالنسبة للدستور، فالأداء والتطبيق سيعطي مضمونا لهذه الإصلاحات، وهي إصلاحات مهمة، لكن كيف ستطبق؟ ومن سيستفيد؟ وهل ستقلل من هشاشة المجتمع المغربي؟ وهل ستحاصر دوائر البؤس والإقصاء والتهميش؟ هذه أسئلة مفتوح للمستقبل لأنه للتو تم فتح كتاب الإصلاح الاجتماعي”.

 

وأكد ساعف أن “الدولة عادت بشكل قوي، وهيبتها لم يسبق أن تم مسها بشكل له دلالة، رغم بعض التموجات، لكن الدولة كانت دائما قائمة بذاتها ومحترمة” موضحا أنه “ازادت قوة الدولة والقدرة على ضبط المجتمع، لكن لا ينبغي أن يكون الضبط أكبر من النزعات التحررية للأفراد والجماعات والمجتمع المدني، ينبغي ألا يتكسر هذا التوزان، التوازن مقبول أن يظل وفق المقاييس الدولية للديمقراطية، فالخطر هو التجاوز..”.

 

إفراط في خطاب “أزموي” حول التعليم

 

وبعين وزير التعليم السابق (في عهد حكومة التناوب)، يعلق ساعف على حالة التعليم حاليا بالقول: إنه “منذ الاستقلال كان هناك خطاب حول التعليم يتغذى من فكرة الأزمة، خطاب أزموي”، مضيفا: “في الأدبيات الموجودة، دائما نتحدث عن أزمة نظام التعليم، هناك نوع من الإفراط في هذا الخطاب، قطاع التعليم في المغرب أنتج نخبا لازالت هي الهيكل الرئيسي لمجتمعنا، خلق نخبا ناجحة في الخارج، وقد رأينا النخب التي لمعت في الخارج خلال فترة كورونا”.

وتعليقا على هجرة هذه الكفاءات يرى أن: “هذه الدياسبورات العالمة من الجيد أن تحتك بما هو أكثر تقدما في مجتمعات أخرى، ليس سهلا أن يكون لك علماء يشتغلون في الولايات المتحدة الأمريكية”، مضيفا “لقد سجل جاك شيراك أن أغلب الباحثين في المختبرات الجامعية الفرنسية، هم مغاربة وجزائريون وتونسيون، فما لا يستطيع مجتمعنا التعليمي أن يقدمه لهؤلاء الخريجين يجدونه في المنافسة الدولية”. ولا يرى ساعف أن الأمر فيه إفراغ للمجتمع المغربي من كفاءاته قائلا “المغربي في أغلب الأحيان لا يقطع صلته مع المغرب، يعاودون الرجوع، والحالات التي رأينا مقنعة، حيث يبقى الرباط مع الوطن الأم”.

وعن النخب قال ساعف “هناك خلط للفئات التي تشكل نخبا، هناك فئات قديمة، فيها عموم ناس نموذجيين، وورثة الحركة الوطنية، هؤلاء لم يظلوا بنفس الثقل والكثافة التي كان لهم بها الحضور في الأحزاب والجمعيات”، أضف لذلك، يقول ساعف “النخب الجديدة، فالمقاولون الجدد وهؤلاء الليبراليون، هذا نوع من النخب.. ناهيك عن مجال آخر مرتبط بالثقافة الرقمية في مختلف المجالات، وقد رأينا أدوارهم في الحركات الاجتماعية، وفي المقاطعة، هذه تشكل نخبا جديدة تظهر إلى جانب الموجات المتتالية للإسلاميين، فقد كانت سلسلة من الجمعيات وورثتهم الذين دخلوا الحياة السياسية وبشكل تدريجي ملئوا الحياة السياسية والاجتماعية وشكلوا قوى حاضرة.. إن كل هذا خليط يبدو غير متجانس وفيه خطابات متعددة، وبخلاف المرحلة السابقة، فلم يتوحد بعد الحقل السياسي المغربي، إنه مشتت وفيه فاعلون من طبيعة متنوعة”.

 

التناقض مع الجزائر لا ينبغي أن ينسينا أهدافنا الإستراتيجية

 

وعن علاقة المغرب بالجوار المغاربي و الأوروبي يقول ساعف ” هناك سياق صعب، نلحظ تناقضات في المغرب الكبير من طينة تختلف عما يوجد في مناطق أخرى..وهذا الابتعاد عن كل إمكانية للتجميع عكس أحلام من أنجزوا اتفاق مراكش حيث كان الخطاب حينئذ أنه وقت التجمعات الكبرى ..”، مضيفا “ظهر أنها كانت خطابات طوباوية ولم تنجح فيها المنطقة، بل بالعكس تعمقت التناقضات وأكيد أنه ستظل لمدة طويلة”،

ويختم  الساعف حواره  بالقول أن “المغرب نجح في تبادل الضربات بشكل واضح، وقضية القدرة التفاوضية ليست غريبة عن ثقافتنا، فمن اتفاق الخزيرات والمغرب يحاول استغلال التناقضات بين القوى العظمى، كي يخرج بأقل الخسائر الممكنة. الآن ينبغي ليس فقط تجنب الخسائر بل تحقيق مكتسبات،

وتمنى الساعف  أن تستمر  هذه المكتسبات رغم أنه ينبغي لنجاحاتنا أن لا تنسينا أن تنسيقا واقعيا في مستوى محدد هو الذي يمكن أن يكون حاسما مع عوالم أخرى، والتناقض مع جارتنا الجزائر لا ينبغي أن ينسينا أن يظل الهدف الاستراتيجي البعيد هو خلق منطقة، والاشتغال في انتظار ذلك بما هو ممكن الآن ، ويظهر لي أن هذا هو التوجه”.