جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

تطوان والزلزال الاجتماعي

يقال: كلما اشتدت المصائب، فقد الانسان قدرته على الحزن والألم، وتلاشت الأحاسيس التي تنجم عن الصدمة جراء حدث “صادم”، بالنسبة له، لهذا فعندما نرى أناسا أقوياء، يملكون من الجلد ما يكفي لتحمل صعاب الحياة، عادة ما نكتشف أنهم قد مروا بتجارب مريرة أكسبتهم مناعة قوية ضد الحياة ومتاعبها.

الأمر ذاته ينطبق على الشعوب أيضا، ولا ينفرد بالإنسان الواحد فقط، حيث أن الشعوب التي مرّت من أحداث قاسية، تنجب من رحمها جيلا صلبا لا يهاب الصعاب.. لست أدري إن كنا كمجتمع ندخل في هذه الدائرة، إلا أن ما بات يحدث أمامنا من كوارث تباعا، جعلنا نفقد الكثير من “دهشتنا الأولى”.. فإن عدنا بالذاكرة للوراء قليلا، وإن قارنا ردة فعلنا تجاه المصائب، مع ما نحن عليه اليوم، سنجد أننا قد قطعنا أشواطا كبيرة في الصلابة والقوة أو بالأحرى في الموت السريري للدهشة.

لا أزال أتذكر، منذ سنوات ليست بالعديدة، حينما اهتزت الأرض تحت أقدامنا، رجة خفيفة، كنت يومئذ في مدينة الفنيدق، لا أزال أذكر ردة فعل الشوارع والبيوت، لم يتحدث الرأي العام أنذاك سوى عن الهزة الخفيفة “جدا”، ثم تفاقمت المخاوف من أن تتكرر وتقتل الحياة… وظل الحديث علكة في أفواه العموم لأكثر من أسبوع كامل.

ثم اليوم، لم استغرب من التفاعل البارد الذي لاقته الهزة الأرضية التي ضربت تطوان والنواحي، إذ لم يحظ الخبر سوى بسويعات قليلة قبل أن يندثر أثره من أحاديث المواطنين… والمضحك إن لم أقل المبكي في الأمر، أن حتى أولئك الذين شعروا بها، ظنوها رجة هزت رؤوسهم لثقل ما تحمله من هموم..

ما أصاب تطوان، لم يكن أقوى من الزلزال الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه، لهذا لم تكترث..

ما أصاب تطوان، دليل واضح على أن الحياة التي تعيشها أقسى من أي زلزال آخر.. ولهذا لم تكترث..

ما أصاب تطوان، لم يكن سوى لمسة حنو من الأرض لها، وأما الزلزال الحقيقي، هو العدد المهول للأسر التي فقدت باب رزقها في خضم الجائحة، وعدد المشاريع التي أسدلت ستارها الأخير، وعدد الشباب الذي ألقى بنفسه في أحضان الموج بحثا عن الحياة بعد أن اختار أسوء السبل وهو يخطو تجاهها، ولعل أسوء ما يُمكن أن يعيشه الفرد هو أن يموت وهو على قيد الحياة…

الحمامة، اهتزت الأرض تحت قدميها، يوم انتحرت بعد أن حجبت عنها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، نور الشمس..

اهتزت الأرض تحت قدميها، يوم ابتل ريشها بدموع من قست الظروف عليهم ووجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها عرضة للتشرد والضياع.. والدليل أن من شعر بالهزة ظنّه انخفاضا في ضغط الدم أو دوارا عاديا، لشدة التكاليف التي تفوق طاقته والمسامر التي حفرت رأسه، أمام العجز التام والأبواب الموصدة..

ما أصاب تطوان، زلزال اجتماعي قاس جدا، خلف جروحا بليغة لم تندمل بعد، ولن تندمل في الاتي القريب، أضرارا بشرية جسيمة، وأرواح عديدة لفظت أنفاسها الأخيرة وهي في طريقها إلى الحياة..

هذا الزلزال، شُردت جراءه أسر كثيرة وانهمرت دموع كالسواقي، هذا الزلزال أقوى وأصعب وأفتك من أي زلزال يدخل في إطار الكوارث الطبيعية.