المدير برهون حسن 00212661078323
منذ عام 1970، شهد الاقتصاد المغربي تحولات هيكلية عميقة أثرت على توزيع التوظيف والإنتاج عبر مختلف القطاعات. إلا أن هذه التحولات جاءت بوتيرة بطيئة مقارنة بالدول ذات الدخل المرتفع، مما أدى إلى ترتيبات اقتصادية غير متوازنة.
وفي دراسة حديثة، قام الباحثان عمار إبروك وزكريا اللوارتي بتحليل ديناميكيات هذا التحول باستخدام جداول المدخلات والمخرجات، لتوضيح كيفية تطور الاقتصاد المغربي خلال العقود الأخيرة.
تشير الدراسة إلى أن المغرب يعاني من ظاهرة “التوجيه المبكر نحو قطاع الخدمات”، والتي تعني أن التحول من القطاعات الزراعية والصناعية نحو قطاع الخدمات حدث في وقت مبكر مقارنة بتطور القطاع الصناعي. هذه الظاهرة تُعرف بالـ”ترتيب المبكر”، وهي تؤدي إلى تحول سريع نحو الخدمات دون أن يواكبه نمو صناعي كافٍ، وهو ما يُعتبر تحديًا لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
أظهرت البيانات المستخلصة من قاعدة بيانات “Eora” لسلسلة التوريد العالمية أن حصة التوظيف في القطاع الزراعي انخفضت بشكل ملحوظ بين عامي 1991 و2019، بينما شهد قطاع الخدمات نمواً مطرداً. هذا النمو في قطاع الخدمات كان مدفوعاً بتحسن الظروف في هذا القطاع وزيادة استخدام رأس المال في الزراعة. وعلى الرغم من هذا النمو، لم يكن هناك توسع كافٍ في القطاع الصناعي الذي ظل مستقرًا من حيث التوظيف، نظرًا لطبيعته المكثفة في استخدام رأس المال.
أحد أبرز النتائج التي كشفت عنها الدراسة هو الارتفاع الكبير في الروابط الخلفية والأمامية لقطاع الخدمات بين عامي 1990 و2000، حيث ارتفعت الروابط الخلفية بنسبة 167% والأمامية بنسبة 68%. في المقابل، شهدت الروابط الخلفية للقطاع الزراعي انخفاضًا بنسبة 33% في نفس الفترة، بينما استمر تراجع الروابط الخلفية للقطاع الصناعي بنسبة 12% بين عامي 1990 و2000، وبنسبة إضافية بلغت 10% من 2000 إلى 2015. وتؤكد هذه الأرقام على التحول غير المتوازن نحو قطاع الخدمات دون تعزيز الصناعات التي تعتبر حجر الأساس للتحول الهيكلي في أي اقتصاد.
الأمر اللافت في هذه الدراسة هو أن النمو في قطاع الخدمات ترافق مع انخفاض في الروابط الخلفية لكل من القطاعين الزراعي والصناعي، حيث شهد القطاع الزراعي انخفاضًا بنسبة 51% في الروابط الخلفية المرتبطة بالتوظيف، بينما انخفضت الروابط الخلفية للقطاع الصناعي بنسبة 7%. هذه الاتجاهات تعزز الفكرة القائلة بأن المغرب يواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق تنمية اقتصادية متوازنة ومستدامة بسبب اعتماده المتزايد على قطاع الخدمات، دون تحقيق التحول المطلوب في القطاع الصناعي.
وتشير الدراسة إلى أن التحول الهيكلي في المغرب قد تم ببطء نسبي، حيث انتقل العمال تدريجياً من القطاع الأولي (الزراعة) إلى القطاع الثالث (الخدمات)، بينما ظل القطاع الثانوي (الصناعة) عاجزاً عن خلق فرص عمل كافية لتعزيز التحول الهيكلي. هذا الواقع يشير إلى تحديات واضحة أمام تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث يعتمد أي تحول هيكلي ناجح على نمو قوي للقطاع الصناعي بالتوازي مع نمو قطاع الخدمات.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة في سد الفجوة البحثية في مجال التحولات الهيكلية في المغرب، من خلال تسليط الضوء على ظاهرة التوجيه المبكر نحو الخدمات وتباطؤ وتيرة التحول الاقتصادي.