

استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
ما التفاهة؟ أهي التفكير السطحي الأجوف والاهتمامات المتعلقة بالمظاهر وبالحياة الشخصية للأفراد؟ أم أن الامر أبعد وأعمق مما نتصوره؟
إنها اللا فكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة كما يصفها ميلان كونديرا، وهي مسألة جدّية بامتياز، حسب عالم الاجتماع الكندي آلان دونو، فالتغاضي عنها يعني فيما يعنيه تسليم البشرية إلى مصير كارثيّ، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للمجتمعات المعاصرة. الإشكالية ببساطة تتمثل في أن النظام السائد في العالم قد أدّى إلى سيطرة التافهين على مواقع أساسية من الخريطة الاجتماعية، يكفي أن تنظر حولك لترى هؤلاء وقد اخترقوا السياسة والإعلام والفن، وهو واقع يصفه دونو بالقول: “لقد تسيّدت شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية.” [2]
المجال السياسي لم ينج من اكتساح التفاهة، حيث تغرق النقاشات السياسية في قضايا ثانوية وغريبة أحيانا وتغييب الأفكار والرؤى والايديولوجيات والبرامج من جوهر هذه النقاشات، ويساق الرأي العام نحو مساقات أخرى بعيدة كل البعد الاهتمامات الحقيقية للناس.
بل الفيلسوف الكندي يسلط الضوء أيضا على حقيقة صادمة مفادها أن الفضاءات التي من المفترض أن تصنف في خانة مضادات الرداءة، وفي مقدمتها الجامعة، أمست لبنة أساسية في نظام التفاهة الذي نعيش في ظله. فبدلاً من أن تضطلع الجامعات بأدوارها التنويرية وتفرز لنا مثقفين نقديين يشتبكون فكرياً مع القضايا والأسئلة المجتمعية الملحّة، أصبحت الجامعات مشتلاً لما يسمى بالخبراء أو “أشباه الخبراء” الذين يحاولون إضفاء الشرعية على الأوليغارشية الاقتصادية المهيمنة والتعمية على تجاوزاتها. فالخبير، كما يؤكد على ذلك إدوارد سعيد، يدفع له لكي يفكر بطريقة معينة. لذلك، فلا غرو أن نجده يشكك في ظاهرة التغير المناخي الناجمة أساساً عن الصناعات الرأسمالية الملوثة، أو حين ينكر المضار الصحية الناجمة عن التدخين.
لكن لماذا تلقى التفاهة قبولا عند الناس؟
لأن المضمون التافه يعطي للمتلقي انطباعا أنه ملم ومسيطر، التفكير التافه يبسط له المفاهيم، فالأغلبية ترتجل التحليل السياسي، الفكري، بل وحتى الطبي أحيانًا، ولكن الأدهى، هو القناعة الدفينة لديها، أنها ملمُّة بالموضوع، ومتمكنة منه، وهذا ما يفسر جزئيا، حالة الجهل المركب المتفشية بمجتمعاتنا.
إن التصدي للرداءة ليس بالأمر الهين، التحول يبدأ بالوقوف مع الذات بصدق، ومحاسبتها وإرغامها على تحمل مسؤوليتها و التفكير بمنهج منطقي، يبحث عن الأسباب والمسببات، لنفهم كيف وصلنا إلى هنا، وكيف نستطيع الخروج مما نحن عليه.
[1] العنوان هو استعارة من عنوان كتاب” الاستعارات التي نحيا بها « ل: جورج لايكوف و مارك جونسن
[2] “نظام التفاهة” لـ آلان دونو: عالم من الأبواب المغلقة. شوقي بن حسن. العربي الجديد 7 يوليوز 2020
المقال القادم
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.