المدير برهون حسن 00212661078323
عصام المضور
يبدو أنه مقدر علينا ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية واستقبال حكومة جديدة أن نبقى بدون القانون التنظيمي للإضراب الموعود به منذ دستور 1962، ولو أنَّه تعاقبت عدة مشاريع قوانين تنظيمية بتعاقب الحكومات اخرها المشروع رقم 97/15 والذي رفض كسابقيه من قبل النقابات العمالية نظرا لانفراد الحكومة بصياغته مرجحة مصلحة أرباب العمل القوية اقتصاديا في مواجهة العمال الطرف الضعيف.
فإذا كان الاضراب ثمرة مجهود الطبقة العاملة في القطاع الخاص، التي كانت ولازلت تعاني استغلال الطبقة الرأسمالية متأثرة بالأفكار الإشتراكية تحث شعار “يا عمال العالم اتحدوا” فإن هذا الحق امتد ليشمل حتى موظفو القطاع العام في مواجهة الإدارة المشغلة التي قد تتعسف في حق موظفيها. لكن إضراب الموظفين العمومين أشد وطأة لما يترتب عليه من اثار تضر بالمجتمع ككل خاصة إذا استحضرنا أهمية المرفق العام وضرورة سيره بانتظام واطراد.
إن المتتبع للشأن الاجتماعي سيقف مذهولا أمام كم القيود الواردة على ممارسة حق الإضراب، كما أن صيغ مشاريع القوانين التنظيمية التي جاءت بها الحكومات المتعاقبة بالمغرب، لم تزد هذا الحق إلا تضييقا. فبالرجوع للممارسة العملية وفي غياب أي تنظيم تشريعي لحق الإضراب نجد عدة قيود واردة على الأخير خاصة في القطاع العام، من بينها تقليص أنواعه، إذ تلجأ المحاكم دائما إلى نزع الشرعية عن الإضرابات التضامنية والسياسية، وهذا ما تم تكريسه في مشروع القانون التنظيمي للإضراب الأخير، الذي جاء بمواد صريحة تمنع هذه الأنواع من الإضرابات في الوقت الذي كنا نتمنى من هذا الأخير أن يوسع من دائرة الاضرابات، خاصة وأن هذه الأخيرة لا تتجاوز في المغرب المطالبة بالحد الأدنى من الحقوق (تقليص ساعات العمل، العطل السنوية، الزيادة في الأجر مقابل ارتفاع الأسعار…). كما يتم تقييد حق الإضراب عند تعارضه مع مبدأ استمرارية المرفق العام، خاصة إذا علمنا أن هذا الأخير يجب أن يستمر في أداء خدماته مهما كانت الصعوبات (الفصل 154 من الدستور)، وبالتالي لا يمكن تصور توقف بعض المرافق لما لها من أهمية في المجتمع – التوقف الذي طال المدرسة العمومية طول السنة- وكنا نأمل -ونزال كذلك- في منح القاضي الإداري السلطة التقديرية في خلق الموازنة بين ممارسة حق الإضراب ومبدأ استمرارية المرفق العام سيرا على منوال مجلس الدولة الفرنسي الذي تبنى هذا الموقف منذ قضية “دوهين”. إضافة إلى ذلك نجد مجموعة من الفئات مستثنية من ممارسة الحق في الإضراب نظرا للطابع الحيوي للقطاعات التي يشغلوها (رجال السلطة، موضفوا الجمارك…) وهذا ما كرسه مشروع القانون التنظيمي للإضراب رقم 97/15 في المادة 33 منه، التي وسعت من دائرة الفئات الممنوعة من هذه الممارسة في الوقت الذي كنا نراهن عليه لتضييق لائحة المنع وحصرها في حاملي السلاح مع منح القاضي الإداري السلطة التقديرية للنظر في مدى مشروعية إضراب باقي الموظفين.
لا أحد ينكر من المتتبعين للشأن الاجتماعي ما يمكن أن ينتج عن ممارسة الإضراب من آثار، خاصة إذا استحضرنا الاضرابات العنيفة التي عرفها المغرب 1936، 1981… وما خلفته من خسائر مادية وبشرية. لكن ما يثار غالبا هو مسألة العلاقة بين المضرب والإدارة بعد شن الإضراب، فإذا كان سيف الإدارة مسلط على كل من تخول له نفسه الخوض في الإضراب، فإنه ورغم التشبع بحقوق الإنسان والحريات العامة لازالت هذه الأخيرة تتعسف في مواجهة المضربين بالطرد بل الاعتقال أحيانا تحث ذريعة المس بحرية العمل (الفصل 288 من القانون الجنائي) أو عرقلة سير المرفق العام. ولو أننا استبشرنا خيرا بمشروع القانون التنظيمي للإضراب الأخير عند تعريفه للإضراب باعتباره “توقف عن العمل” إلا أنَّه لم يكن واضحا بما يجعلنا نستشف أن العلاقة بين المضرب والإدارة تتوقف طول مدة الإضراب ولا تنتهي رغم أن المادة 32 من مدونة الشغل جعلت هذا الأخير من أسباب توقف عقد الشغل، لكنها لا تسعف موظفوا القطاع العام. كما تطرح مسألة الاقتطاع من الأجرة المناسب لفترة التوقف، فكما هو معلوم تلجأ الإدارة دائما إلى الاقتطاع، وهذا ظهر بشكل جلي مع اضرابات الأساتذة، في حين تعبّر النقابات العمالية وتنسيقيات هؤلاء الأساتذة عن رفضها لهذا الاقتطاع متذرعين بحقهم في ممارسة الإضراب وبالفصل 14 من الدستور، والجدير بالذكر أننا وإن كنا ندافع عن الطبقة العاملة والموظفين باعتبارهم الطرف الضعيف فإنَّنا نرفض موقفهم من الاقتطاع، إذ لو سلمنا به وبالتالي أداء أجور المضربين رغم توقفهم عن العمل سيتم إفراغ الإضراب من محتواه، خاصة وأن جوهر هذا الأخير هو تضحية المضربين بأجورهم نتيجة توقفهم عن العمل تكريسا للمبدأ الشهير “الأجر مقابل العمل” للضغط على الإدراة المشغلة وإلا سنكون أمام عطلة مؤدى عنها وليس إضرابا، وإن كان البعض يظن –عن خطأ- أن بعض الدول تعوض المضربين، فالأمر ليس كذلك، بل من النقابات المنضوين تحث لوائها هي من تعوضهم لكي يزدادوا صمودا أمام أرباب العمل أو الإدارة في إطار ما يسمى ب”توازي القوى” وهذا ما نجده في الدول التي توازن بين جشع الرأسمالية وحاجة الطبقة العاملة.
نتمنى ونحن على مدى أسابيع من استقبال حكومة جديدة، خاصة وأن هذه الاستحقاقات الانتخابية ستكون وبلا شك نقطة تحول وانتقال من الروتين الذي عاشه المشهد السياسي مدة من الزمن، إذ نأمل من خلالها العمل على النهوض بأوضاع الطبقة العاملة ومنح هذه الأخيرة حقوقها المهضومة خاصة الحق في الإضراب الذي ننتظر صدور قانون تنظيمي ينظمه منذ ما يزيد على نصف قرن من التنصيص عليه في الدستور المغربي لسنة 1962 وكذا الدساتير المتعاقبة والتي كان اخرها دستور 2011 ذو الحمولة الحقوقية، والذي جدد الوعد دون تنزيل يذكر لمقتضياته الخاصة بالإضراب، خاصة وأن الأخير ذو اثار اقتصاية واجتماعية وسياسية عكس ما يتصور.