مستشارو الملك بين الاستقطاب الملكي والاشراف الوزاري

  محمد شقير

بعيد  حصول المملكة على استقلالها  ، لجأ القصر إلى استقطاب عدة فعاليات سياسية وتقنوقراطية واقتصادية لتسيير دواليب الدولة سواء على الصعيد الحكومي أو الإداري أو الاقتصادي أو دواليب الديوان الملكي الذي استقدم إليه أطرا مختلفة تشمل المستشارين المحيطين بالملك. وقد استخدم في هذا الاستقطاب الملكي مجموعة من الآليات السياسية  تمثلت بالأساس في احتكار سلطة التعيين  والاشتغال بالمحيط الملكي للاشراف على عمل حكومة جلالة الملك بوصفه  دستوريا الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية الذي يرأس المجلس الوزارية  الذي يعتبر المصدر الأساسي للقرارات السياسية بالمملكة.

  • 1- آليات الاستقطاب الملكي

    إن رهان القوة بين السلطة والمعارضة الذي احتدم منذ ستينيات القرن الماضي، وتعطيل الحياة النيابية بالإعلان عن حالة الاستثناء، قد جعل أحزاب المعارضة آنذاك ترفض المشاركة في أية تشكيلات حكومية أو تسلم أية حقائب وزارية. وهو ما دفع بالملك الحسن الثاني إلى البحث عن بديل عن ذلك من خلال استقطاب أطر حزبية كانت ذات ميول معارضة لتقليدها مهام استشارية ووزارية كالسيدين عبد الهادي بوطالب وأحمد بنسودة اللذان سيتحولان مستقبلا إلى مستشارين للملك الحسن الثاني  . وقد لجأ الملك في هذا الاستقطاب إلى آليتين : احتكار سلطة التعيين ، والتكليف بمهمة بالديوان الملكي

–  الاحتكار الملكي لسلطة التعيين

     يعتبر الملك مصدر كل التعيينات التي تتم في مختلف دواليب الحكم بالمغرب: فعلى الصعيد السياسي ينفرد بتعيين الوزير الأول ، وباقي أعضاء الحكومة باقتراح من الأخير؛ و على الصعيد الإداري، فالملك له حق التعيين في المناصب السامية المدنية والعسكرية. وعلى الصعيد القضائي، فالملك يعين القضاة، وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا، كما يتمتع الملك بصلاحية تعيين بعض أعضاء المجالس والهيئات العليا، كالمجلس الدستوري …فمن خلال هذه السلطة نجح الملك في استقطاب أعضاء النخب الحزبية وتطويعها وتدجينها لخدمة تصورات المؤسسة الملكية في تسيير دفة الحكم. ولعل أحسن مثال على ذلك، نجاح الملك الراحل الحسن الثاني في إطار ترتيب سلس لخلافته، استقطاب أطر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي شكل لوقت طويل المعارضة السياسية الرئيسية للحكم. فقد تم تعيين العديد من أطر هذا الحزب لشغل مناصب حكومية ووزارية وإدارية. وبمقتضى هذه الصلاحيات ، قام الملك الحسن الثاني بتعيين بعض مستشاريه حيث كتب عبد الهادي بوطالب بهذا الصدد ما يلي : ” عندما استدعيت من لدن جلالة الملك لأكون أحد مستشاريه الأربعة أحمد رضا اكديرة ، وإدريس السلاوي ، وأحمد بن سودة ، وعبد الهادي بوطالب ، لم أكن أعرف طبيعة المهمة الجديدة فقال لنا الملك ستكونون مستشارين لي بالديوان الملكي ….والمستشارون هم خلصائي وجلساءي المقربون إلي ، فلا أختارهم إلا من بين الذين يعرفونني ويعرفون توجهاتي وممن لا يضايقني أن أستقبلهم ولو في غرفة نومي وحتى من دون أن أكون قد غادرت الفراش….وبعد أن انتهى من كلامه سأله كديرة : نحن ياجلالة الملك مستشارون لكم أم مستشارون في الديوان الملكي ؟فكان جواب الملك : الامر عندي سيان. فعلق كديرة قائلا : لا ياجلالة  الملك إذا كنا مستشارين في الديوان الملكي ، فإننا لا نعرف العمل الذي سنقوم به ، لأن بالديوان الملكي موظفين سامين يقومون بمهامه ، بل يوجد به حتى من هم في رتبة وزراء . فحسم الملك وقطع حديث اكديرة : قائلا : أقصد مستشار الملك”   

-التكليف بمهمة بالديوان الملكي

بالإضافة إلى التعيين الملكي المباشر لبعض المستشارين ، فقد يتم تكليف البعض الآخر بمهمة بالديوان الملكي ، قبل أن يتم تعيينهم مستشارين للملك. فنظرا لكون الديوان الملكي هو المطبخ للعديد من القرارات السياسية والتوجهات الكبرى في المملكة ، فعادة ما يضم الديوان الملكي عدة شخصيات وفعاليات يكلفون بمهام معينة أو بملفات خاصة يستأنس بها الملك في اتخاذ قراراته . وبالتالي فالتكليف بمهمة بالديوان الملكي لا يرقى إلى وضعية مستشار للملك الذي يعد أعلى مرتبة إداريا وسياسيا من وضعية المكلف بمهمة.

  • وفي هذا السياق ، فقد أسندت لبعض مستشاري الملك قبل تعيينهم بهذا المنصب مهام خاصة  ، حيث ” عيّن الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1997  زليخة نصري مكلفة بمهمة في الديوان الملكي قبل أن تصبح مستشارة الملك محمد السادس في العام 2000. وهكذا انتقلت من مكلفة بمهمة بالديوان الملكي في عام 1998، إلى مستشارة للملك محمد السادس عام 2000، كما عين الملك الحسن الثاني محمد معتصم  ، الذي شغل منصب وزير منتدب لدى الوزير الأول مكلفاً بالعلاقات مع البرلمان في الحكومتين اللتين شكلتا في 11 نوفمبر 1993 برئاسة محمد كريم العمراني و7 يونيو 1994 برئاسة عبد اللطيف الفيلالي مكلفاً بمهمة في الديوان الملكي في 25 فبراير 1995 ،قبل أن يعين  بعد مرور أربع سنوات على ذلك، مستشاراً للملك. كما سبق للطيب الفاسي الفهري ، الذي شغل عدة مناصب بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون ، أن عين  مكلفا بمهمة بالديوان الملكي، قبل أن يتم تعيينه مستشارا للملك.

  • ومن ثمة ، يلاحظ أن تكليف بعض المستشارين بمهمة بالديوان الملكي قبل تعيينهم مستشارين للملك، يكون الغرض منه رغبة ملكية في عدم التفريط في كفاءات أظهرت عن مؤهلاتها في شغل مناصب ومسؤوليات وزارية وحكومية . وفي نفس الوقت مرحلة لمتابعة ومراقبة تدرج هذه الشخصيات بالاستئناس في العمل بالمحيط الملكي قبل أن يتم تعيينهم  مستشارين للملك. وتعكس بعض ظهائر التعيين هذا المعطى. وهكذا أوضحت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة في بلاغ لها أن التعيين الملكي للطيب الفاسي المكلف بمهمة بالديوان الملكي يأتي نظرا لخبرة السيد الفاسي الفهري “وتجربته اللتين اكتسبهما في مختلف المناصب التي تقلدها، وتفانيه في القيام بالمهام التي أسندت إليه”. وهكذا نص البلاغ الذي أصدرته الوزارة بهذا الخصوص بما   يلي :

  • “تعلن وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده تفضل أعزه الله وعين السيد الطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، مستشارا لجلالته بالديوان الملكي، وذلك نظرا لخبرته وتجربته اللتين اكتسبهما في مختلف المناصب التي تقلدها، وتفانيه في القيام بالمهام التي أسندت إليه.”

2– الإشراف على الأعمال الوزارية

     لجأ الملك الحسن الثاني ، لتدبير شؤون المملكة  ومتابعة أعمال الأجهزة  والملفات الوزارية ، إلى تحديد اختصاصات مستشاريه  والمهام التي أنيطت بهم في الإشراف و مواكبة عمل وزراء حكومات جلالة الملك من  خلال الاطلاع على الملفات الوزارية وإبداء ملاحظات بشأنها . وبهذا الصدد كتب المستشار عبد الهادي بوطالب مايلي: ” عندما عيننا جلالته مستشارين، عقد جلسة عمل معنا لتحديد اختصاص كل واحد منا، وقال: “مهمتكم أن تتابعوا الوزراء وتكونوا واسطة بيني وبينهم في ما يبعثونه إلى الديوان الملكي، وتقدموه إلي مع ملاحظاتكم عليه، وتقترحون علي أفكاركم بشأنه لأتخذ القرار على ضوء ذلك” وأردف قائلا: “وليس معنى هذا أنكم ستكونون حجابا فاصلا بيني وبين الوزراء، وأرجوكم أن تجتمعوا فيما بينكم وتستعرضوا الوزارات التي مر كل واحد منكم بها، فيتخصص كل منكم في الوزارات التي كان على رأسها”، وهكذا كان اكديرة يشرف على وزارتي الخارجية والداخلية، وإدريس السلاوي على وزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة،إذ سبق أن ، شغل إدريس السلاوي ،     قبل تعيينه مستشارا ملكيا ، منصب كاتب الدولة في الداخلية، ووزير التجارة والصناعة الحديثة والمناجم، ووزير الحرف والتجارة البحرية، ووزير الشؤون الاجتماعية والمالية والزراعة.

  • وأحمد بن سودة على وزارتي الشبيبة والرياضة، والأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد الهادي بوطالب على وزارات العدل والإعلام و التعليم وشؤون البرلمان… بقي أن أقول أن أول مستشار حُصرت مهمته في قطاع واحد كان هو أندريه أزولاي الذي سماه جلالته مستشارا مكلفا بالشوؤن الاقتصادية”.. ولعل هذا ما جعل الباحث “جون واتربوري”، يعتبر أن الديوان الملكي اتخذ في عهد الحسن الثاني مسلك حكومة الظل، يراقب بدقة نشاطات الحكومة وفي داخله تتقرر الخيارات الكبرى. فقد شكل الديوان الملكي في نظام الحكم بالمغرب «الممر الأساسي الذي تمر من خلاله الكثير من القضايا وتصاغ فيه العديد من القرارات السياسية.

  • وبخلاف مرحلة الملك الحسن الثاني ، فيبدو أن مبدأ التخصص هو الذي طبع السنوات الأربع الأولى من عهد الملك محمد السادس ، إذ برز بعض مستشاري الملك الذين تخصصوا في مجالات بعينها. حيث أن  الاعتماد على نهج جديد في معالجة القضايا المجتمعية والتصدي للمعضلات القائمة الموروثة، والارتكاز على لجان وصناديق ملكية ومؤسسات تحمل طابعا استشاريا حدد تخصصات مختلف مستشاري الملك محمد السادس : فالمستشار الملكي مزيان بلفقيه انفرد بملفات التعليم والأمازيغية، و المستشارة زليخة نصري اضطلعت بالقضايا ذات الطابع الاجتماعي والخيري، و المستشار أندري أزولاي تكلف بتحسين وتلميع صورة المغرب في الخارج، في حين أن المستشار محمد القباج اهتم بالشؤون الاقتصادية ، و المستشار عباس الجيراري اعتنى بالشأن الديني، بينما تكلف المستشار محمد المعتصم بالشؤون القانونية والدستورية قبل أن يتم استقدام عبد اللطيف المنوني الذي كلف بهذه الملفات .

  • وقد بدا أن الخصاص في الكفاءات التقنوقراطية كان من بين العوامل التي دفعت بالملك محمد السادس، بعد سنتين من صعوده إلى الحكم، إلى تجاوز ما نعته الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي (بالمنهجية الديمقراطية)، ليختار رجل الأعمال السيد إدريس جطو لرئاسة حكومة أسندت إليها مهمة تنفيذ المشاريع الاقتصادية التي كانت تحظى لدى الملك بأولوية خاصة كالطرق السيارة، والسكن، والسياحة. ولعل هذه الأولوية هي التي كانت وراء (تحزيب) بعض الفعاليات التقنوقراطية، لتعيينها في بعض القطاعات الوزارية الحيوية كالنقل والتجهيز والسياحة وتحديث القطاعات الإدارية.ومن ثمة الاعتماد على المستشار مزيان بلفقيه لانتقاء الأطر الملائمة لتنفيذ السياسة الملكية في إنجاز البنى التحية للمملكة من وزراء وولاة وعمال. فقد عرف عن المستشار الملكي بلفقيه وقوفه وراء مختلف التعيينات في المناصب الوزارية، والمؤسسات الحكومية الكبرى، حيث هيمن خريجو مدارس القناطر والطرق على مختلف المناصب الهامة في البلاد.فقد كان ” عبد العزيز مزيان بلفقيه من أكثر المستشارين نفوذا داخل الديوان الملكي، ودفع بكثيرين إلى الصفوف الأمامية سواء في مواقع وزارية أو في مناصب قيادية داخل مؤسسات الدولة.وعلى الرغم من أن اسمه ظل يتردد كثيرا، وبقى حاضرا في مختلف الأنشطة الرسمية والحكومية، فإن الرجل عرف بصمته وابتعاده عن الأضواء، وفضل أن يلعب دور المهندس الذي يخطط ويرسم التوجهات من وراء الستار، ويختار الكوادر التي يعهد إليها إدارة مرافق الدولة. في عام 2003 كلف الملك محمد السادس بلفقيه، بإدارة فريق من الخبراء المحليين والدوليين للاعتكاف على إعداد تقرير شامل حول أوضاع التنمية في المغرب خلال نصف قرن منذ استقلال البلاد عام 1956، وهو التقرير الذي كان جاهزا عام 2005، وقدم تحت عنوان: «50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب». ورصد التقرير مختلف الإخفاقات التي عرفها المغرب في عدد من القطاعات الحيوية في البلا د. وهكذا أكد “أتركين”  أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات أن “قوة مزيان بلفقيه تتمثل أولا “في كونه يمثل نخبة التكنوقراط المنحدرين من المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، ويقدم دائما باعتباره صيادا لمجموعة كبيرة من النخبة التكنقراطيبة المغربية ، مما جعل الكثير من الكتابات تصفه بالعراب وبالأب الروحي للعديد من الوزراء ومدراء المؤسسات العمومية. فقد كان بلفقيه من الأشخاص المكلفين بالقائمة الوزيرية وهي عبارة عن لائحة تضم أسماء ثلاث أطر، تقدمها الأحزاب المغربية له، ثم يقوم بتنقيحها واختيارمن سيشغل المنصب الوزاري الشاغر بعد إجراء الانتخابات، وقام في العديد من المرات “بفرض” وزراء غير حزبيين على أحزاب معينة، كما حصل مع وزيرة الثقافة السابقة ثريا جبران، ووزير الشباب والرياضة منصف بلخياط، ووزير السياحة ياسر الزناكي.”