المدير برهون حسن 00212661078323
إذا كانت كاميرات المراقبة في مخيلة البعض مرادفة للأمن، فإن انتشارها المكثف و المتزايد، المتتبع لتحركاتنا اليومية، ينذر بحياة ضيقة محاصرة، كانها تجربة مخيفة مستوحاة من رواية البريطاني جورج أورويل “1984”.
الكل يعلم الحجة التي يطرحها مروجوها بكثافة، و هي الأمن ثم الأمن: تقليل الجريمة، مكافحة الاعمال الإرهابية إلخ. في حين أن حتى الدراسات الدولية الأمنية، متباينة حول فعاليتها المطلقة، ومع ذلك، تناسل الكاميرات بدون تأطير، يثير أسئلة جدية حول مدى استخدامها المكثف، وحول التلاعب بها لإساءة استخدامها.
عندنا كما في أي مكان آخر، لا أحد يستطيع الآن الهروب من مراقبة الكاميرات المبثوثة في كل الزوايا. فلقد صارت ضرورية في الأماكن العامة، وحتى في الأماكن الخاصة بالنسبة لبعض الفئات، في اماكن العمل ، في المتاجر إلخ. وأحيانا بدون أي أساس قانوني تنظيمي يحد من تغولها، الذي سيتعارض بالطبع، مع الحقوق الأساسية مثل الحق في الخصوصية اولا واخيرا.
إذا كانت القوانين ملزمة في بعض البلدان المتقدمة، و تؤطر استخدامها بشكل صارم، فإن الإطار القانوني عندنا يظل غير مكتمل.فهو يذكرنا فقط بالالتزام، بإبلاغ الأشخاص الذين تم تصويرهم، دون إجابة ملموسة على الأسئلة المطروحة: ما هي إجراءات الترخيص؟ ما حدود الحفاظ على الخصوصية؟ ما هي عقوبات التجاوزات؟
في مواجهة هذا الفراغ القانوني، ستتكاثر الانتهاكات بدون حسيب. في شركات بعض الدول النامية مثلا، يفرط أرباب العمل في التدقيق غير المحدود الذي يمنحونه لأنفسهم لمراقبة المستخدمين عوض إيجاد حل لمشكلاتهم. في الفضاء العام، تنشر بلديات كثير من عواصم الدول غير النامية الكاميرات دون أي نقاش ديمقراطي محلي حقيقي يسمح للساكنة طرح اقتراحات إحترازية. وفي المتاجر والاسواق الكبرى، تجمع الكاميرات الكثير من البيانات الشخصية لأغراض تسويقية تجارية وليس لأغراض أمنية.
للحد من هذه التجاوزات، يلزم وجود إطار قانونيبين وواضح. ينبغي أن يضم التشريع المتوازن عدة مبادئ:
– تركيب الكاميرات لا يكون إلا لمصلحة مشروعة (أمن، منع).
– ينبغي على الأفراد الذين تم تصويرهم، الموافقة علانية، بعد الحصول على معلومات واضحة عن الغرض من تصوريهم، وحقهم في الرفض، و المطالبة بمسح البيانات التي تم جمعها.
– ينبغي أن تكون مدة صلاحية الصور محدودة وأن يتم الإشراف على عدم استخدامها في اغراض تمس كرامة الأشخاص المعنيين .
– وينبغي أن تراقب هيئة مستقلة استخدام الكاميرات لمنع إساءة الاستخدام.
بدون مثل هذه الضمانات، وأكثر، من غير المرجح أن تعزز الكاميرات أمن الناس، بل ستؤدي إلى إنشاء مجتمع مراقبة حيث يتم تعقب تفاصيل حياة الجميع و باستمرار، و التضييق عليهم انطلاقا منها.
راهنا، هناك دوما فرص للتفكير، ولرسم الحدود بين المراقبة الضرورية والمراقبة المسيئة .
ليس من الضروري، أن تتكاثر كاميرات المراقبة بلا حدود في شوارعنا وأماكننا الخاصة. الأمر متروك لنا للمطالبة بنقاش حقيقي في المجتمع وإطار قانوني صارم، لمنع المراقبة المعممة من أن تكون لها الأسبقية على حرياتنا الفردية.
“المراقبة هي الثمن الذي يجب دفعه مقابل الأمن“. هذه الجملة السهلة، التي تلخص ملامح الفكر السائد هي جملة تبسيطية. وحتى ان كانت كاميرات المراقبة يمكن أن توفر إحساسا فوريا بالأمن، فإن اكتساحها غير المنضبط، سيحمل بذور مجتمع قائم على عدم الثقة والشك.
ولكن كما أشار الفيلسوف ميشيل فوكو ، “حيثما توجد قوة ، توجد مقاومة“.ثم بسبب مواجهة “المراقبة الشاملة” التي نظر لها بعض مهندسي الانظمة الشمولية، هناك اصوات حكيمة تهمس في آذاننا وتصر لتذكيرنا، بأنه لا يوجد أمن بدون توازن بين الحرية الشخصية مع قليل من المراقبة الأمنية.
لكن بدون إطار قانوني واضح، سيؤدي التوسع غير المنضبط للكاميرات، حتما إلى إنشاء مؤسسات رقابية مخيفة.وكما يلاحظ احد علماء الاجتماع الغربيين أن “المراقبة الشاملة بالكاميرات هي جزء من منطق تأكيد القوة أكثر من كونها حل المشكلات“.
لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه، سيبقى حول الحدود التي يجب وضعها، من أجل تجنب الوقوع في هذا الواقع المرير المتنامي، حيث يتم فحص وتتبع جميع أفعالنا وإيماءاتنا. ومن هنا تأتي أهمية إجراء نقاش فكري ديمقراطي حقيقي، لتوفير إطار قانوني يساعد على الفهم ويحمي الخصوصية.
لأنه إذا كانت حماية الكاميرات قد أصبحت بالنسبة للبعض شرا ضروريا، فلا يجب أن تصبح القاعدة السائدة في جميع الأماكن الخاصة والعامة. للتوفيق بين الحاجة المشروعة للأمن واحترام الحريات الفردية، فإن الضمانات مطلوبة: موافقة صريحة، وفترة احتفاظ للصور محدودة، وهيئة رقابة مستقلة، إلخ.
كما أشار احد الخبراء ، “أولئك الذين يوافقون على التخلي عن حريتهم بدافع الخوف ينتهي بهم الأمر أيضا بفقدان الأمن الذي كانوا يبحثون عنه في المقابل“. لذا، حتى لو بدا لنا أن انتشار الكاميرات لا يرحم، فلنرفض تسليم حياتنا الخاصة بشكل أعمى لمراقبة من هب وذب. لأننا إذا قبلنا دون قيد أو شرط حلول هذا المجتمع الشمولي الرقمي ، فإن طبيعة إنسانيتنا هي التي تخاطر بالخروج مشوهة.