المدير برهون حسن 00212661078323
جدل الوجود في عالم أزمات..
مساحة تغيرات وتدفقات ووقائع بقدر معبر من القلق، يظهر معها ايقاع عالم في صورة أزمة بتجليات وتفاعلات وجدل انسان وثقافة وحضارة وسياسة. ذلك الذي يتم استغلال مشهده ومتاهاته من قبل هذا وذاك هنا وهناك، حتى لو كانت صورة أزمة هذا العالم بتصدعات وتشوهات مثيرة للسؤال، فضلا عما هو كائن من أوجه خلاف يصعب التنبؤ بنهاياته ونتائجه، في غياب ما ينبغي من اجراء وتدخل منسجم لوقف كل نزيف واستنزاف.
اشارات وغيرها، وردت في مستهل ورقة ندوة علمية موسومة ب“التفكير في الوجود ضمن عالم أزمات “، ارتأتها الجامعة الأرومتوسطية EUROMED بفاس لتقاسم ما يؤثث هذه الصورة من جدل فكري بحثي انساني من خلال عمل مشترك مع الايسيسكو ICESCO. . ولعل وضع وايقاع عالم اليوم كما يبدو– تضيف ورقة اللجنة المنظمة– لا يؤثر على ما هناك من مجتمعات وثقافات وبيئات حاملة محيطة فقط، بل ايضا على كيان انسان وانسانية انسان تبدو بغير ما ينبغي من وضوح رؤية. صورة وغيرها تدفع الباحث والمهتم والمتتبع، للسؤال حول درجة قدرة الانسان العالق في متاهات عالم أزمات ومنطق نزاعات، وحول درجة قدرة هذا الانسان على ما ينبغي من تبصر وتخطيط واستشراف لمستقبل، وحول ايضا طبيعة علاقة بزمن باتت إشكالا مطروحا بقدر معبر من القلق. فهل استسلم الانسان لكائن ما هناك من تجليات أزمات باعتبارها نتيجة حتمية غامضة، أم هناك محاولات لإعادة بناء وترتيب عالم وفق ما يقتضيه الأمر من عقلانيات.
سياق تستحضر فيه ورقة ندوة “التفكير في الوجود ضمن عالم أزمات“، سؤال المصالحة بين الانسان والعالم والزمن ومع هذه المصالحة رؤية وطرح “هارتموت روزا” الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني، وتأملاته حول ما هناك من مفارقات وسعي محموم نحو سيادة وعالم وعيش وسلام، وحول ما هناك من درجة قيم انسانية وانصات والتفات. فضلا عما هناك من خوف وهاجس انجراف نحو عدم مستقر واستقرار وفوضى تروم مصلحة ما وهيمنة ما. هكذا ترى انشغالات الانسان بعالمه، أنه حان الوقت للتفكير بشكل مختلف فيما هناك من علاقات تحكم هذا الانسان بهذا العالم، بعيدا عما هناك من أنماط سياسية واقتصادية ومالية وصناعية وتكنولوجية، تسببت في ما هناك من اضطراب وعدم استقرار. وعيا بكون ما تمر به البشرية من نزاعات هنا وهناك، يشكل سياقا وفرصة لتوحيد نفسها وإعادة القيم لصميم مستقبلها وروح تطلعات، تخص قيم عيش مشترك وحوار وتسامح وتعاون. مع سؤال النموذج الذي يمكن اعتماده في العلاقة مع الآخر من الأنسان والعالم والحضارة والتفكير والزمن، في أفق كل سلم وسلام رافع داعم، وكذا سؤال سبل استثمار ما هناك من زمن أزمات من اجل تعزيز انتقال الأنسان والبشرية وايقاع عالم صوب رؤى جديدة ومتجددة.
أسئلة وغيرها، شكلت مساحة نقاش وتطارحات أطرها أساتذة باحثون متخصصون ودارسون خبراء في المجال، كل من الأستاذ مصطفى بوسمينه من خلال مداخلة بعنوان“لغز الزمن“، وهو عالم كيميائي– فيزيائي مغربي ورئيس الجامعة الأرومتوسطية بفاس، ومستشار أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات بالمغرب ورئيس شبكة الأكاديميات الافريقية للعلوم، ساهم في تحرير ثلاثة صحف علمية دولية وصنف ضمن صفوة الباحثين عالمياً عام 2020 من قبل جامعة ستانفورد الأمريكية، ولعله من العلماء المغاربة الأكثر تأثيراً في مجال البحث العلمي على الصعيد الدولي. بمساهمات مهمة في فيزياء الأنظمة البوليمرية متعددة الأطوار.
أما المحلل النفسي جليل بناني في ندوة الجامعة الأرومتوسطية بفاس، فقد عرض من جانبه لموضوع موسوم ب“في مصادر الانزعاج المعاصر“، ولعل الأستاذ جليل بناني هو طبيب ومحلل نفسي مغربي. يعمل منذ عقود من الزمن من أجل نقل التحليل النفسي إلى المغرب مع مواصلة البحث في تاريخ هذا المجال، يعمل منذ سنوات على توجيه البحوث في علم النفس بجامعة نيس صوفيا أنتيبوليس، وهو عضو مشارك في مركز التحليل النفسي “الطب والمجتمع” بجامعة باريس ديديرو. فيما توجه الاقتصادي الباحث ادريس خروز بهذه المناسبة، الى طرح سؤال مفتوح في مداخلة له بعنوان “بين القلق والنشوة.. أي رؤية للوقت لأي مستقبل“، ورغم تخصصه في علم الاقتصاد فالأستاذ خروز عاشق للفكر والثقافة والفنون والانسانيات، وقد عمل مديرا للمكتبة الوطنية ورئيسا لرئاسة مؤسسة روح فاس وإدارة مهرجانها الشهير للموسيقى الروحية. أما الأستاذ محمد زين العابدين مدير قطب الاتصال والثقافة في الإيسيسكو، فقد ارتأى في مداخلته مناقشة جدل“الفن بلا تفكير سياسي“. وضمن برنامج ندوة فاس العلمية بالجامعة الأرومتوسطية هذه، تناول الأستاذ عز العرب لحكيم بناني جملة أسئلة ذات صلة من خلال مداخلة بعنوان “ظواهر الزمن الحميمة: كيف نريد تغيير العالم في الوقت الذي غيّرنا فيه العالم“. وهو باحث مغربي وأستاذ الفلسفة التحليلية وفلسفة الدين في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس. ولعل ندوة “التفكير في الوجود ضمن عالم أزمات” التي نظمتها الجامعة الأرومتوسطة بفاس الأربعاء 31 ماي 2023، بقدر ما كانت عليه ما طبعها من حضور علمي أكاديمي نوعي، بقدر ما طبع جلستها وتفاعلاتها من تأطير وتدبير رفيع المستوى، في شخص الأستاذ الباحث والأديب والسيميائي والناقد الدكتور عبد الرحمن طنكول الغني عن التعريف، فهو عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز بفاس ورئيس جامعة بن طفيل بالقنيطرة سابقا، وعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الارومتوسطية بفاس حاليا.