محمد كريم بوخصاص
نحن أمام مقر البرلمان، وذكرى أيام من قبل ماتزال عالقة في الوجدان.
كانت البداية في مسجد حسان، الطريق بين السيارة الملكية ومدخل المسجد طويلة، وعندما ترجل الملك محمد السادس، بدأت الأقصاف الحقيقية اتجاه أولئك الذين ملأوا الدنيا إشاعات حول صحة الجالس على العرش. وداخل المسجد حيث يمحو عبق عود الصندل روائح الأراجيف والأكاذيب، كانت المملكة تعيش أجواء ابتهاج.
انهارت كتابات المنجمين، وأمنيات الخصوم التي حولوها إلى واقع. ولم يختلف الأمر في هذه الجمعة الثانية من شهر أكتوبر.
فعلى وَقعِ هتافاتٍ وأهازيج وطنية، ووسط أهم شارع يخترق العاصمة الرباط (شارع محمد الخامس) الذي تحول إلى «فُسَيفساء» جميلة كأنها مرسومة بريشة فنان، توقف الموكب الملكي على بعد نحو عشرين مترا من المدخل الرئيسي لمبنى البرلمان، وترجل الملك محمد السادس في ثوانٍ معدودات من السيارة مرفوقا بولي العهد الذي سَيَحكمُ مملكته بعد عمرٍ مديدٍ، وهو يرتدي زيا تقليديا عبارة عن جلباب أصفرَ ناصعِ اللون، ثم سار في رشاقة وحيوية تفاعل معها جمهور المستقبلين ووصل صداها بكل تأكيد للجيران والخصوم.
مشى الملك إلى حيث يُرَفرف العلم الوطني لتحيته والاستماع إلى عزف النشيد الوطني الذي دَوَّى في المكان، قبل أن يستعرض تشكيلة من الحرس الملكي أدت له التحية، ويستدير تاركا إياهم وراءه ليدخل قبة البرلمان التي وقف ببابها رئيسا غرفتيها ووالي العاصمة، ثم يمضي بخطوات سريعة فوق البساط الأحمر للوصول إلى قاعة الجلسات العامة في مجلس النواب لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
ليست هذه المرة الأولى التي يفتتح فيها الملك البرلمان، لكنها المرة الأولى التي يفتتحه حضوريا منذ عامين، بعد الاضطرار لقص شريطه «عن بعد» في دورتي أكتوبر 2020 و2021 جراء الإجراءات الاحترازية لكورونا، كما أنها المرة الأولى التي أصبح فيها وَقعُ ظهور الملك كالرصاصة التي تخترق جسد خصوم المملكة الشريفة الذين لم يعد لديهم من سلاح لإحباط تقدمها سوى نشر الشائعات حول صحة ملكها.
رسالتان بالبريد المضمون!
منذ تولي الملك محمد السادس العرش سنة 1999، كان القصر حريصا على إعلان كل صغيرة وكبيرة تتعلق بصحته وعائلته، سواء عند إصابته بمرض أو خضوعه لفترة نقاهة أو غيرهما، كما حصل في منتصف يونيو الماضي بنشر الديوان الملكي بيانا حول إصابة الملك بفيروس كوفيد-19، ويوم الجمعة المنصرم بإذاعة خبر عن سبب غياب الأمير مولاي رشيد عن مرافقة أخيه الملك في افتتاح البرلمان، والذي لم يكن سوى إصابته بكورونا، لكن في ظل الحرب التي تشنها الجارة الشرقية على المملكة والأزمة المستفحلة مع فرنسا باتت «صِحَّةُ الملك» موضوع دعاية إعلامية مضللة من هذين البلدين.
وفي الوقت الذي تسببت كورونا على مدار عامين ونصف العام في إلغاء جل الأنشطة الملكية الحضورية وتخفيف البروتوكول عن بعضها، أنهى الملك في ليلة المولد النبوي الشريف رسميا «زَمَنَ كورونا» بعد إحيائها طبقا للتقاليد المرعية، قبل أن يُكَرِّسَ ذلك في افتتاح البرلمان، الذي ينص الفصل 65 من الدستور على أن تُعقد جلساته في دورتين في السنة، يرأس الملك افتتاح الأولى، التي تبدأ يوم الجمعة الثاني من شهر أكتوبر، على أن تنطلق الثانية يوم الجمعة الثاني من شهر أبريل.
لكن الزخم الذي مَيَّزَ افتتاح البرلمان وإلقاء خطاب توجيهي لم يكن مرتبطا بتطبيق الملك لمقتضى دستوري، بل بِنَسفه «جبلا» من الشائعات التي روجها «أعداء» المملكة على مدار أسابيع، وإعادة توجيه عقارب ساعة المملكة إلى «ما بعد كورونا»، وهو ما التقطه نواب برلمانيون تحدثت إليهم «الأيام» في ذات اليوم، كعبد الرحيم شهيد رئيس الفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي الذي اعتبر في تصريح لـ»الأيام»: أن «الحضور الشخصي لجلالة الملك حمل إشارة رمزية على طي صفحة كوفيد، ونسف آراء الخصوم الذين عاينوا حجم الاحترام والحب الذي يتمتع به جلالته من شعبه»، وتابع موضحا: «إن ظهور جلالته في البرلمان يمنح المواطنين والفاعلين السياسيين ثقة وشحنة للعمل، والتطلع للمستقبل بأسئلة الحاضر والمستقبل التي لخصها في تحدي الماء والنهوض بالاستثمار».
لم يكن شهيد وحده الذي استوعب المغزى، فالمستشار البرلماني عن «نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب» خالد السطي صار على نفس المنوال، بتأكيده لـ»الأيام» موضوع الرسالتين اللذين التقطهما من حضور الملك للبرلمان، وهما: «إنهاء الاحترازات الخاصة بكورونا، وتعافي جلالة الملك وتمتعه بصحة وعافية ولله الحمد».
الألم المضاعَفُ !
مع قراءة فحوى الرسالتين اللتين وجههما الملك ضمنيا في ثاني نشاط ملكي رسمي بدون احترازات منذ عامين ونصف، كان «أعداء» المملكة يُحصُون خسائرهم التي أماط اللثام عنها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بالصحراء، لذلك كان الألم بالنسبة إليهم مضاعفا، وأدرك الجميع ـ بما في ذلك الداخل ـ أسباب ازدياد سعارهم تجاه المغرب الذي أصبح ينظر للعالم بنظارة الصحراء.
ولخص التقرير الأممي الذي كانت المملكة مزهوة به إبان ترتيب النشاط الملكي بالبرلمان، حجم الخسارة في معترك الجزائر، والتي تجلت في السقوط في معركة الاعترافات كما وكيفا، وتكريس المغرب وضعا ميدانيا جديدا منذ تحريره معبر الكركرات في نونبر 2020، بعدما أصبح الشطر الجنوبي من المنطقة العازلة للصحراء تحت السيطرة الكاملة للجيش المغربي، وظهور زيف ادعاءات «البوليساريو» في ما يخص اشتعال الحرب في الصحراء ـ بعد إعلان تحللها من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 ـ حيث أعلن الأمين العام للأمم المتحدة انخفاض وتيرة العمليات العسكرية بشكل كبير منذ يناير 2022، عكس ما ادعته «البوليساريو» في 660 بلاغا عسكريا يتحدث عن أقصاف لمواقع الجنود المغاربة أصدرته منذ نونبر 2020 إلى غاية أول أمس الثلاثاء (18 أكتوبر 2022).
وبعد تأكد زيفها، ظهر أن الأقصاف الحقيقية هي تلك التي نقلتها القناة الرسمية للمملكة بالصوت والصورة يوم الجمعة الماضي، والتي انطلقت في وقت مبكر من ذلك اليوم مع التحضيرات التي سبقت حلول ساعة الصفر (حوالي الخامسة مساء) موعد وصول الملك إلى مقر ممثلي الأمة.
دقة في الحُكم !
كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا، حين كانت الحركة دؤوبة على طول شارع محمد الخامس بالرباط انطلاقا من «باب السفراء» ووصولا إلى «باب الأحد»، مع توافد رجال ونساء من مختلف الأعمار أفرادا وجماعات، وانتشار أعداد كبيرة من رجال الأمن من مختلف الرتب في مواقع محددة، وانغماس أفراد من القوات المساعدة في ترتيب السياجات الحديدية الموضوعة على الرصيف المقابل لمقر البرلمان والتأكد من تماسكها، وتركيز أعوان على بسط الزرابي بدقة متناهية وسط الشارع المؤدي إلى الباب الرسمي للقبة التشريعية للمملكة.
ووسط هذه الحركية المتناسقة الأشبه بخلية نحل التي كانت تسابق الزمن لإنهاء كل الترتيبات المرسومة إليها، كان مواطنون قد خلقوا أجواء فرح في ساحة «باب الأحد» بعدما أطلقوا حناجرهم لأداء أهازيج شعبية وأناشيد وطنية، في وقت جرى إخلاء الشارع الرئيسي والشوارع المؤدية إليه من كل السيارات المركونة.
لم يَعِش هذا الشارع الأهم في المملكة الشريفة والقبة البرلمانية مثل هذه الأجواء منذ أزيد من عامين، لذلك بدت أرصفته وجدران المباني المجاورة كما لو أنها «ضاحكة مستبشرة»، خاصة أنها حظيت بطلاء جديد وتزينت بالأعلام الوطنية.
أجواء الفرح لم تشمل الحجر فقط بل ارتسمت على مَحَيَّا البشر أيضا، سواء على وجوه المواطنين الذين قدموا من الرباط وسلا لتحية الملك أو البرلمانيين الذين توافدوا تباعا قبل حلول الساعة الرابعة إلا الربع سيرا على الأقدام بعد إغلاق مرآب السيارات الخاص بهم، وهو التوقيت الذي توصلوا بدعوة من رئيسي غرفتي البرلمان بعدم تجاوزه، مع ارتدائهم اللباس الوطني المحدد في الجلباب الأبيض بالنسبة للرجال والجلباب الأبيض وغطاء الرأس بالنسبة للنساء طبقا للنظام الداخلي للمجلسين.
في مثل هذه المناسبات التي يترأسها الملك، تصبح كل التفاصيل الصغيرة مهمة، والتي يشرف عليها البروتوكول الملكي وحده، وهو ما انطبق على الصحافيين أيضا الذين تكلفوا بتغطية الحدث، بدءا من تجمعهم في مبنى وكالة المغرب العربي للأنباء مرورا بنقلهم جماعة إلى مبنى البرلمان، وانتهاء بوصولهم إلى المكان المخصص لهم ببهو مجلس المستشارين.
وعلى امتداد هذه المحاور الثلاثة، لم يكن ممكنا تسلل أي صحافي لم يأخذ الاعتماد مسبقا، كما لم يكن مسموحا للبرلمانيين أن يتأخروا عن الموعد المحدد لولوجهم قُبَّتَهُم، لذلك كان كل شيء جاهزا لاستقبال الملك ساعة قبل موعد وصوله، بما في ذلك الشارع الرئيسي الذي امتلأ عن آخره بالمواطنين الذين قدموا لتحية عاهل البلاد، والذي خصصت مساحة منه على شكل «مربع» لوقوف مئات المواطنين الذين تلقوا دعوة خاصة.
الدقة المتناهية التي ظهرت في ترؤس الملك لافتتاح البرلمان شملت كل شيء، حتى الآيات الثلاث من سورة البقرة (261-263) التي تلاها القارئ أمام أمير المؤمنين، والجولة التي قام بها الملك في سيارته بدون بروتوكول في شوارع الرباط التي وثقتها هواتف المواطنين الرباطيين، والتي عكست صورة عن كيف يحكم الملك مملكة عريقة ويُدِيرُ دَفَّتَهَا في منطقة ملتهبة ويرسم مختلف توجهاتها.
الشأن الداخلي لم يَغِب عن عاهل البلاد حين أفرد خطابه أمام البرلمانيين كاملا لتوجيه الحكومة نحو العمل على تجاوز تحديين، وهما «ندرة المياه ومعيقات الاستثمار»، والتي اعتبرها عبد الله بووانو أحد قيدومي البرلمانيين عن العدالة والتنمية «إصلاحا للنواقص التي جاءت في البرنامج الحكومي»، قبل أن يمضي قائلا: «لم يعد الوقت يسمح بغض الطرف عن استنزاف الثروة المائية، والبداية يجب أن تكون بإيقاف بعض الزراعات التي تُسبب الإجهاد المائي كزراعة فاكهتي الأفوكا والدلاح، واعتماد سياسات لتخزين مياه الأمطار في المؤسسات العمومية»، ويتابع في ما يخص الاستثمار: «نمتلك كل مقومات التقدم من الأمن والاستقرار والموقع الجغرافي وعمل جلالة الملك وعمل المؤسسات الأخرى لكي نخلق المناخ المطلوب للأعمال».
من الرباط إلى الجدار
الحضور الملكي القوي مرتبط بشكل جدلي في هذه الظروف مع ملف ساخن على طاولة خصوم المملكة منذ إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة في غشت 2021، وقبل ذلك إعلان «البوليساريو» تحللها من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 في نونبر 2020، وجد المغرب نفسه مضطرا لخوض «حربٍ» مع الجارة الشرقية، دبلوماسية وإعلامية وميدانية، لكن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء حدد بالأدلة المنتصر والخاسر في هذه الحرب التي فرضتها الجزائر.
أولى المعطيات التي كشفها التقرير والتي تُلخص حقيقة الوضع الميداني، هي نزعه الغطاء بالكامل عن حقيقة البيانات الدعائية التي تنشرها جبهة البوليساريو ويروجها الإعلام الجزائري منذ عامين، والتي تزعم اندلاع حرب شاملة في الصحراء وعودة المواجهات العسكرية على طول الجدار الرملي وتنفيذ 1001 عملية إطلاق نار ضد الجيش الملكي المغربي، حيث كشفت تقارير البعثة العسكرية للأمم المتحدة المنتشرة في الصحراء، أن وتيرة العمليات العسكرية تراجعت بشكل كبير منذ شهر يناير 2022، رغم تصريح الأمين العام لجبهة البوليساريو للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الرابوني في 16 يناير 2022، بوجود «حالة حرب مع وقوع إصابات يوميا في كلا الجانبين».
ثاني المعطيات الثمينة في التقرير هي تأمين المغرب بالكامل جنوب المنطقة العازلة للصحراء، حيث لم يعد ممكنا لعناصر البوليساريو الاقتراب منها منذ عملية الكركرات في نونبر 2020، حيث كشف التقرير أن استفزازات مسلحي البوليساريو تركزت في شمال المنطقة العازلة، بعد إعلان الجيش المغربي للبعثة الأممية وقوع 691 حادثا جرى فيها إطلاق النار من مسافة بعيدة على وحداته عند الجدار الرملي أو بالقرب منه، لكن مع تركز 64 في المائة من تلك الحوادث في منطقة المحبس شمال المنطقة المتنازع عليها.
وكانت القوات المسلحة الملكية قد تدخلت بحزم في نونبر 2020 بمنطقة الكركرات التي كان يتسلل إليها عناصر البوليساريو، ونتج عن ذلك فرار الانفصاليين من الموقع وتشييد جدار رملي طوله 20 كيلومترا في الكركرات جعل الجيش يعزز وجوده على مساحة تناهز 40 كيلومترا مربعا من الأراضي في المنطقة العازلة، علما أن قوات المينورسو تلقت تصريحا رسميا لقيادة المنطقة الجنوبية للقوات المسلحة الملكية ـ بحسب التقرير ـ يفيد بـ»تحييد» الجيش المغربي لعشرات الآليات المقاتلة واللوجستيكية التابعة للجبهة.
المعطى الآخر الأكثر أهمية في التقرير الذي اطلعت عليه «الأيام» هو تأكيد السياسة التي تنهجها مملكة محمد السادس بعدم التساهل مع أي استفزاز بالمنطقة العازلة واللجوء إلى القوة لضبط الإيقاع، بعد أن وثقت البعثة العسكرية للأمم المتحدة تنفيذ 18 عملية قصف بطائرات مسيرة تابعة للجيش المغربي شرق الجدار الرملي منذ 1 شتنبر 2021، بما في ذلك قصف في 26 يوليوز 2022 أدى إلى مقتل رئيس أركان المنطقة العسكرية الرابعة التابعة للجبهة الانفصالية، وتمكنها في 12 حالة بالتنسيق مع البوليساريو من زيارة مواقع الحوادث المبلغ عنها، بينما رُفض في ست حالات منحها الإذن بزيارة المواقع المشتبه فيها على أساس أنها تقع في مناطق العمليات العسكرية المقيدة.
وبدأت فصول التحول الجديد في تعامل الملك محمد السادس مع الوضع في الصحراء في نونبر 2020، عندما أطلق عملية عسكرية «نوعية» أثمرت تحرير معبر الكركرات الذي أعاقت عناصر من «البوليساريو» تدفق الحركة التجارية في منطقته العازلة لمدة ثلاثة أسابيع، وذلك بوضع حزام أمني لتأمين تدفق الأفراد والسلع.
وكان من نتائج هذه العملية الأمنية التي حظيت بدعم أصدقاء المغرب، وبضوء أخضر أمريكي، إعلان «البوليساريو» تحللها من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، وانخراطها في مناوشات بين الفينة والأخرى شرق الجدار الرملي.
ولم يمض سوى أسبوعين على هذه العملية العسكرية للقوات المسلحة الملكية، حتى جاء القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، الذي أحدث زلزالا في المنطقة، والذي استمر زخمه حتى الثامن من يناير بإعلان مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر من العاصمة الجزائر أن «المفاوضات حول الصحراء يجب أن تكون في إطار الحكم الذاتي»، وأن «اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء هو قرار جدي وجريء وشجاع»، قبل أن تنطلق طائرة أسمى دبلوماسي أمريكي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط من العاصمة الجزائر إلى العيون، ثم إلى الداخلة حيث زار رفقة وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة الموقع المحتمل لتشييد قنصلية واشنطن بقلب الصحراء.
واستمر هذا الزخم بإعلان إسبانيا اعترافها بمغربية الصحراء في 14 مارس 2022، إثر الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بيريز إلى الملك محمد السادس، التي اعتبر فيها أن «إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في عام 2007، الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل النزاع»، قبل أن يجتمع الوزير الإسباني للشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون في 21 مارس، بناء على طلبه، مع المبعوث الشخصي للأمم المتحدة، بحسب التقرير، ليحيطه علما تاما بدعم الوزير لعملية تسيرها الأمم المتحدة بشأن الصحراء هدفها التوصل إلى حل مقبول للطرفين، تماشيا مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بينما كانت البوليساريو قد أعلنت في 10 مارس قرارها تعليق اتصالاتها مع الحكومة الإسبانية الحالية، وبعدها استدعت الجزائر سفيرها لدى إسبانيا للتشاور في 19 مارس دون أن يغير ذلك أي شيء.
حَسرَةٌ على البرلمان
لم تكن جلسة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة حدثا عاديا، ففضلا عن كونها الأولى التي انعقدت برئاسة الملك منذ عامين، فإن ترتيباتها حملت رسائل شتى للخارج، لكن لقاء البرلمانيين مباشرة بعد الخطاب الملكي ورصد طريقة حديثهم وتحركهم ومستوى نقاشهم يجعل المرء يُصَابُ بالحسرة على الواقع المترهل الذي أصبحت تعيشه المؤسسة التشريعية في هذه الولاية، والذي يجعلها الأضعف في تاريخ البرلمان المغربي منذ إحداثه مطلع ستينيات القرن الماضي.
ومباشرة بعد مغادرة الملك والانتهاء من تناول الحلوى التي دائما ما تسببت في فضائح للبرلمانيين، ظهرت الصورة الحقيقة لممثلي الأمة من خلال حالة التيه التي أصابت كثيرين ومعاناة أغلبهم من «فوبيا» التواصل مع الإعلام، حيث لم يتعد عدد البرلمانيين (النواب والمستشارين) الذين امتلكوا القدرة على التجاوب مع أسئلة الصحافيين عدد أصابع اليدين، فيما انشغل عدد من البرلمانيين بالإمساك بيد بناتهم وأزواجهم البرلمانيات كما لو أنهم في خرجة عائلية !!
بينما اختار البرلماني المثير للجدل التجمعي محمد السيمو وابنته البرلمانية زينب السيمو الخروج إلى شارع محمد الخامس وتنظيم حلقيات مع المواطنين المارين وإطلاق الكلام على عواهنه في كل شيء !!