- Likes
- Followers
- Subscribers
- Followers
- Subscribers
- Followers
- Followers
- Members
- Followers
- Members
- Subscribers
- Posts
- Comments
- Members
- Subscribe
الارتفاع الكبير في السومة الكرائية يزيد متاعب الطلبة
صحافي متدرب
صعوبات عديدة تواجه الطلبة المقبلين على الدراسة الجامعية؛ منها المرتبطة بالاستعداد للتأقلم مع النمط الجامعي وخصوصياته المختلفة عن نمط التعليم الثانوي، وبذل مجهود دراسي مضاعف للحصول على معدلات جيدة تؤهل لتجاوز عتبات الانتقاء التي تحددها بعض الكليات والمدارس والمعاهد، إضافة إلى الاستعداد لمباريات القبول بالمدارس ذات الاستقطاب المحدود. وبعد استيفاء كل هذه الشروط التي تعتمد أساسا على مدى المجهود المبذول من طرف الطلبة، تبقى أمامهم عقبة الحصول على السكن الذي قد تضيع بسببه أحيانا كل هذه المجهودات.
رحلة البحث عن السكن
يطرح السكن مشكلا حقيقيا أمام الطلبة، سواء الحاصلين على الباكالوريا حديثا أو الذين بدؤوا مشوارهم الجامعي قبل سنوات، وذلك بسبب السكن الجامعي الذي لا يستقبل إلا عددا محدودا، وبالتالي يبقى الخيار الوحيد هو الكراء، لكنه غير متاح لفئة عريضة من الطلبة بسبب سومته المرتفعة، خاصة بالمدن الكبرى كالرباط التي تحتضن عددا مهما من الجامعات والكليات والمدارس العليا.
يشتكي الطلبة من سومة الكراء المرهقة لجيوبهم وجيوب أسرهم، خاصة بالعاصمة الرباط التي تستقبل سنويا آلاف الطلبة لإتمام دراستهم الجامعية.
وقد أصبح ملحوظا الارتفاع الكبير الذي يشهده ثمن الكراء السكني بهذه المدينة؛ إذ “تعدّى الحدود والقانون” كما صرحت سيدة مزدادة وقاطنة بالرباط، قبل أن تضيف: “هناك غياب التوازن إذا قارنّا هذه الأثمنة الخيالية بالمدخول الشهري للمواطنين”. وهناك غياب التوازن أيضا إذا قارناها بجودة السكن، حسب تصريحات بعض الطلبة.
صلاح الدين، طالب من مدينة الصويرة، لم يتمكن من الحصول على السكن الجامعي فاضطر لكراء “ستوديو” بمدينة الرباط بغرض إتمام دراسته العليا بأحد المدارس ذات الاستقطاب المحدود. يؤكد صلاح الدين أن “الكراء هنا مرتفع جدا، وكلما اقتربت من المدارس والجامعات ارتفع الثمن أكثر، وبالتالي ستحتاج إلى البحث عن سكن خارج الرباط بالمدن المجاورة لأداء ثمن أقل، لكن هذا يطرح مشكلا بالنسبة لي كطالب؛ مشكل التنقل ومشكل الوقت الذي سيضيع مني بسبب هذا التنقل. وبالتالي تكون مضطرا للسكن قرب الجامعة أو المعهد الذي تدرس به”.
واستدرك قائلا: “حتى لو قررت السكن خارج الرباط والاستعانة بخدمات وسائل النقل المشترك المريحة نسبيا، ستجد الأثمنة مرتفعة ببعض الأحياء والمنازل بحجة أن لها امتياز القرب من محطة الطرامواي”.
في ظل الصعوبات التي يطرحها السكن خارج الرباط، قرر هذا الطالب البحث عن الكراء في أقرب حي سكني للمعهد الذي يدرس فيه، فوقع الاختيار على حي القامرة بحكم أنه الأقرب والأرخص مقارنة بأحياء أخرى. ومع ذلك تبقى “الأثمنة مرتفعة جدا بهذا الحي مقارنة بجودة السكن؛ مثلا يمكن استئجار غرفة صغيرة جدا وبدون تهوية وبدون أبسط شروط السكن الصحي بحوالي 900 درهم”، حسب تعبيره، مما دفعه إلى تغيير السكن حوالي ثلاث مرات إلى أن استقر “بالاستوديو” الذي يكتريه حاليا، وهو عبارة عن “غرفة ومطبخ صغير وحمام بـ1700 درهم دون احتساب فاتورة الماء والكهرباء، وهو ثمن مرتفع جدا مقارنة بمدن أخرى ومقارنة بالجودة”.
بسبب صعوبة الحصول على سكن مناسب من حيث الثمن والجودة، يضطر صلاح الدين ومجموعة من الطلبة الذين يعرفهم إلى أداء ثمن الكراء طيلة مدة العطلة الصيفية دون الاستفادة من السكن؛ فـ”مشكل الكراء هذا يبقى مصدر تخوف في بداية كل عام دراسي: هل سأجد سكنا مناسبا من حيث الجودة والثمن؟ تفاديا لهذا المشكل وجدت نفسي مضطرا لعدم إخلاء السكن حتى خلال العطلة الصيفية التي أعود فيها إلى مدينتي تخوفا من العودة وعدم إيجاد سكن مناسب يحترم أبسط شروط السكن الصحي”، يقول الطالب ذاته قبل أن يضيف: “هذا هو الصيف الثاني الذي لم أخل فيه السكن منذ اكتريت هذا الاستوديو”.
اختيار حي السكن بمدينة الرباط تتدخل فيه مجموعة من المحددات يتقاطع فيها الثمن بالجودة وبالأمن أيضا. وقد يتنازل البعض عن الجودة وقرب المسافة لدفع ثمن أقل، لكن يصبح الأمر أكثر صعوبة عندما يتعلق بالأمن. فبعض الأحياء الشعبية التي يمكن أن يتوفر فيها السكن بثمن أقل مقارنة فقط ببعض الأحياء الأخرى داخل المدينة نفسها، لا يتوفر فيها الشعور بالأمن.
“بأي نفسية تريدنا أن ندرس ونحن نستفيق يوميا تقريبا على أخبار جرائم وعراك تحدث أمام باب المنزل الذي نكتري بيتا فيه؟ ناهيك عن الصراخ والكلام الساقط والعربدة التي تُذهب عنا النوم”؛ تحكي دعاء، طالبة من مدينة وزان تكتري بيتا بحي القامرة.
وتضيف أنها فكرت مرارا في استبدال السكن والبحث عن آخر “بحي نقي” (تقصد حيا أكثر أمنا) لكن سومة الكراء المرتفعة بهذه الأحياء تمنعها، وبالكاد “صابرين على ثمن الكراء هنا”، حسب تعبيرها، معتبرة أن سومة الكراء بالرباط وحتى بالأحياء الشعبية مرتفعة جدا.
يرهق السكن بالعاصمة الرباط الطلبة وأسرهم التي تعيلهم، وفي بعض الحالات قد يصل إلى تدمير حلم في بداية تحققه؛ إذ يجد بعض الطلبة أنفسهم مضطرين إلى التخلي عن مقاعدهم التي ضمنوها بإحدى الكليات والمدارس ذات الاستقطاب المحدود بعد جهد ومثابرة ونجاح في استيفاء جميع الشروط، لأنهم لم ينجحوا في الحصول على السكن الجامعي لسبب من الأسباب، ولم ينجحوا أيضا في توفير كلفة السكن بالرباط بسبب أوضاعهم الاجتماعية الصعبة مقابل غلاء سومة الكراء.
تقول الطالبة دعاء في هذا السياق بأسف: “أعرف مجموعة من الطلبة الذين اضطروا للتخلي عن إتمام دراستهم بمعاهد ومدارس عليا بعدما قُبلوا بها وكانت بمثابة حلم بالنسبة إليهم، بسبب هذا المشكل فقط”. وتضيف: “ليس من المعقول أن يبذل الطالب مجهودا من أجل قبوله بإحدى المدارس ليجد نفسه مضطرا للتخلي عن هذه الفرصة بسبب مشكل كهذا”.
“ثمن خيالي”
يستقبل الوسطاء العقاريون بالرباط عددا كبيرا من الموظفين والطلبة الذين يبحثون عن السكن، ويتزايد عدد هؤلاء الطلبة مع بداية كل موسم دراسي، غير أنهم يتفاجؤون عند سماع ثمن الكراء المطلوب، وهو أمر مبرر؛ إذ يتفق أحد الوسطاء العقاريين، في حديثه لهسبريس، على أن “سومة الكراء مرتفعة بالرباط بحكم أنها مدينة إدارية، وخاصة في الأحياء القريبة نسبيا من الجامعات، وبالتالي يصبح الطلبة أو الأسر التي لها أبناء في سن التمدرس مجبرين على الكراء بأحياء مثل حي أكدال وحي الرياض وحي المحيط وديور الجامع، وهي أحياء ثمن الكراء فيها مرتفع؛ إذ تصل فيها شقة مثلا من غرفتين وصالون إلى 8000 أو 9000 درهم”، مؤكدا أن “الناس ذوي الدخل المتوسط لا يمكنهم تحمل هذه الأثمنة”.
كما شدد المتحدث لهسبريس على أن ارتفاع سومة الكراء “يعود لأصحاب الشقق وليس الوسيط العقاري الذي يقتصر دوره فقط على ترتيب اللقاء بين الزبون وصاحب الشقة ومرافقته لزيارتها من أجل تحديد مدى ملاءمتها لحاجاته”.
هذا “الارتفاع المبالغ فيه” دفع كثيرين إلى التساؤل حول وجود قوانين يخضع لها تحديد سومة الكراء السكني، ووضع سقف معين لها. لكن يبدو أن مجال تدخل المشرع في هذا الشأن محدود جدا؛ فتقدير السومة الكرائية وتحديدها موكول إلى أطراف العلاقة التعاقدية، أي إن المشرع لا يتدخل فيها، حسب عمر الداودي، محام بهيئة الرباط.
وأوضح عمر الداودي، في تصريح لهسبريس، أن “المشرع لم يحدد سقفا معينا للسومة الكرائية، ولا يمكنه أن يشرع ذلك، لأن تشريعاته تشمل المغرب كله، وبالتالي لا يمكنه وضع تشريع خاص بمنطقة أو مدينة معينة، خاصة فيما يتعلق بالسومة الكرائية، لأنها تختلف من مدينة إلى أخرى وحتى بين أحياء المدينة الواحدة”. وتبقى المحددات الأساسية المتحكمة في ارتفاع أو انخفاض السومة الكرائية مرتبطة بمدى الرواج التجاري والمكانة الاقتصادية لكل مدينة، ومدى قربها من المركز.
العرض والطلب
وأكد المحامي بهيئة الرباط أن تقدير السومة الكرائية يخضع لقانون العرض والطلب كغيره من السلع والخدمات. وأضاف شارحا: “عندما تكون في أمس الحاجة إلى السكن من أجل الدراسة ونحن على أبواب شهر شتنبر الذي يتزامن مع بداية الموسم الدراسي، يمكن لصاحب الشقة أن يفرض الشروط كما يريد، لأنه حتى لو لم تتفق على السومة وتركت الشقة فسيجد من يكتريها بذلك الثمن الذي طلب لأن الطلب في الرباط أصبح يتجاوز العرض”.
وعن الحلول الممكنة للتخفيف من غلاء سومة الكراء، قال عمر الداودي إن “الأمر يجب أن يعالج في إطار سياسة عامة يساهم فيها جميع المتدخلين، ليس فقط وزارة الإسكان أو المجالس المنتخبة أو وزارة العدل أو البرلمان، بل يجب أن يتدخلوا جميعا”، وذلك للتخفيف من الطلب المتزايد على السكن بمدينة الرباط عبر مجموعة من الإجراءات كزيادة الدخل، والتخفيض من بعض الضرائب، وتشجيع السكن الاقتصادي، وتوفير وسائل نقل مريحة وسريعة وآمنة.
من جهة أخرى، شدد المحامي بهيئة الرباط على أن “المسألة مجتمعية إنسانية أكثر منها قانونية”، مؤكدا ضرورة استحضار البعد التضامني؛ “لأن التضامن المجتمعي غاب وأصبح هاجس الربح والربح السريع هو الغالب”.
في ظل غياب حلول ممكنة على المدى القريب على الأقل، وفي ظل محدودية القدرة الاستيعابية للأحياء الجامعية المتوفرة بالرباط، يبقى مشكل ارتفاع سومة الكراء السكني عقبة أمام الطلبة الذين يتوافدون من مختلف مدن المغرب راغبين في متابعة دراستهم الجامعية، ولسان حالهم يقول: “حصّلنا معدلات مشرفة، تجاوزنا عتبات الانتقاء، وتجاوزنا مباريات القبول بنجاح، وكلنا عزم واستعداد لبداية الحياة الجامعية، فما السبيل لتجاوز عتبة سومة الكراء بهذه المدينة؟”.