جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

نداء القلب والضمير

بقلم محفوظ آيت بنصالح   صحافي مهني، مدير مكتب جريدة المساء بأكادير باحث في الترجمة الإعلامية سلك الدكتوراه

إلى الزملاء في الجسم الإعلامي بجهة بني ملال خنفرة

أنتم أحق بالشرف..

أيها الإخوة الأفاضل والزملاء الأكارم

تحية محبة إلى أبناء جهة بني ملال خنيفرة التي لها في قلبي مكانة لا تحيط بها العبارة، فهي الجهة التي ولدت فيها وتعلمت فيها النضال واكتشفت في أحضانها سحر الحرف، لذلك فعشقها يسكن حنايا القلب مهما بعادتنا المسافات وهي الحضن الذي أشتاق إليه كلما أحسست بغبن هذا الزمان.

أيها الزملاء الأفاضل بكل الصفات التي تحبون صحفيون مهنيون ومراسلون صحفيون، لقد تابعت باهتمام بالغ اللقاء الذي نظم مؤخرا حول موضوع ” دورة المراسل الصحافي في التنمية” ولا أخفيكم أنني أمعنت الإنصات جيدا إلى جميع التدخلات وأشكر من قام بعملية التوثيق.

حيث انقدحت في ذهني العديد من الخلاصات التي أقدر أن هناك فائدة في تقاسمها معكم، فهي مجرد رأي في اعتقادي صواب لكنه يحتمل الخطأ ومساهمة في هذا النقاش الذي تبشرون أنه سينطلق من بني ملال ليعم أرجاء باقي الجهات.

تدقيق المفاهيم

لقد أشارت جملة من مداخلاتكم إلى الغموض واللبس الذي أضحى يكتنف مفهوم: “المراسل الصحافي” ، وهو الأمر الذي لا أعتقد أن الأدبيات الإعلامية  العالمية قد تجاهلته ولم تحسم فيه القول،  فكل المدارس أجمعت على أن هناك صحافي واحد ومهام متعددة بحيث أن الصحافي الذي يمارس مهامه داخل غرفة التحرير أطلقت عليه هذه الأدبيات مفهوم:

 ” المحرر الصحافي” .

 أما الصحافي الذي يشتغل من خارج هيئة التحرير فإنه يحمل اسم: ” المراسل الصحافي” وقد يتحول المحرر إلى مراسل والمراسل إلى محرر بحسب حاجة المؤسسة ورغبة المعني بالأمر بعدد كبير من الصحفيين يشعرون بالضجر من غرف التحرير فيفضلون الخروج إلى الميدان وهناك من أنهكم الميدان ويريدون استراحة محارب داخل غرف التحرير.

لكن الموقعين لا ينقصان من قيمة وأهمية أي منهما لدى المؤسسة فهما في مرتبة متساوية إن لم يكن الصحافي الذي يشتغل في الميدان مستفيدا من بعض الامتيازات التي يخولها له تواجده في الميدان كالتأمين على المخاطر والتعويضات عن المهام وغيرها.

لذلك معاشر الزملاء فإنه لا فرق بين المراسل الصحافي والمحرر الصحافي إلا في المهام فكليهما صحفيان مهنيان يتمتعان بكل شروط العمل المنصوص عليها في قوانين الشغل والاتفاقيات الجماعية.

جيل الرواد وابتلاع المهانة

أما ما تقصدونه بالمراسل الصحافي فهو ذالك الشخص الذي ابتلي في مرحلة من مراحل حياته ب“لعنة الكتابة” وأصبح  “مدمنا على الحرف” وظل يراسل عدد من الجرائد الورقية الحزبية منها والتي تدعي الاستقلالية، واستمر على هذا الحال عقودا من الزمن. وبالكاد تلتفت إليه المؤسسة التي يراسلها، لا ببطاقة، ولا باعتماد، ولا بأي شيء يثبت صلته بهذا المنبر الإعلامي، باستثناء بعض الزملاء الذين كانوا يراسلون جرائد أحزابهم وكان الرابط الحزبي يشفع لهم في الاستمرار في مراسلة هذه المنابر بدافع النضال، ولا أحد يستطيع اليوم أن ينكر الدور الذي قام به هؤلاء الزملاء الذين نقر الشيب رؤوس كثير منهم في تطوير صحافة القرب وخلق النواة الأولى للإعلام المحلي.

 وللحقيقة وللتاريخ أسجل هنا أنني شخصيا وعندما بدأت أتلمس طريقي في الصحافة في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وجدت في هؤلاء الزملاء قدوة لي، وكنت أحرص على التدقيق في الطريقة التي يكتبون بها، ولا ينكر فضلهم إلا جاحد، وفي ظل ذالك فقد كان هؤلاء الرواد يشتغلون في مهن أخرى غالبيتها في التعليم لأن الصحافة في ذالك الزمان لم تكن لتضمن لهم قوت أبنائهم ، ولا كرامة عيش ولا تقاعدا مريحا.

لكن الذي وقع، وهذه هي الحقيقة المرة ، أن هؤلاء الزملاء وبحكم القوانين التي تنظم القطاع وكذا بحكم الهشاشة العظمى التي تعرفها عدد من المنابر الإعلامية، لم يستطيعوا أن يتفرغوا للعمل الصحافي وأن ينخرطوا فيه بشكل مهني، أي أن يصبحوا أجراء داخل هذه المنابر الإعلامية وفي مقابل ذالك كانت هذه الأخيرة تقبل بخدماتهم لأنها لم تكن مكلفة وكانت بالنسبة لها إضافة نوعية، في ظل اشتداد المنافسة على الخبر المحلي أو الخبر القادم من الهامش بعد أن أعلنت “صحافة المركز” إفلاسها.

لقد كان عدد من هؤلاء الزملاء كما أشار بعضكم يقنع فقط  بأن ينسب اسمه إلى المنبر الفلاني، حتى ولم لم يكن يتقاضى عن مساهمته في هذه الجريدة أي شيء، ولم يكن يتمتع بأي حقوق، وكان في غالب الأحيان ما يضطر إلى أن يقتطع من راتبه الشهري، وأن يستعمل سيارته الخاصة للتنقل وتكبد عناء السفر، من أجل انجاز عمل هنا أو تغطية هناك والتاريخ يسجل لهؤلاء ذالك.

ولكن الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء الزملاء أنهم تواطؤوا على استمرار هذه الوضعية الهشة وهذا الغموض في العلاقة بينهم وبين المنابر الإعلامية التي يشتغلون لحسابها ورضوا بأن يكونوا في مرتبة أدنى ممن يصفونهم اليوم بالصحفيين المهنيين.

معاشر الزملاء ألم يكن أولى أن تناضلوا منذ ذالك التاريخ على أن تتحولوا إلى صحفيين مهنيين بكل ما تعني الكلمة من معنى، وأنتم أهل السبق وغالبيتكم يفتخر أنه راسل العشرات من المنابر داخل وخارج المغرب وأمضى أزيد من ثلاثة عقود وهو يغازل الحرف صباح مساء.

لماذا أيها الزملاء تنازلتم عن كل هذا الرصيد الذي تتوفرون عليه؟ ففي صبيحة يوم المصادقة على مدونة الصحافة أصبحتم بموجب مقتضياتها بلا صفة وبلا هوية وأصبحتم متهمين بانتحال صفة وأنتم من أرسى قواعد العمل الصحافي الميداني؟  لماذا قبلتم باللامكانة؟ لماذا رضيتم بهذه المهانة ؟ لماذا رضيتم أن تسلم لكم بطائق النقابية الوطنية للصحافة صفة منتسب ؟ لماذا رضيتم بالانتساب وأنتم أهل الدار؟

اسمحوا لي أن أجيب عن بعض من هذه الأسئلة، لقد قبل بعضكم هذا الوضع لأنه كان متعففا وكان مناضلا حزبيا وفيا لمبادئه وكان يعتبر عمله الصحافي نضلا من أجل خطه السياسي وهؤلاء يعرفهم الجميع، وإلى جانبه أشخاص أخرون لم يكن لهم انتماء حزبي بل كانوا أوفياء للكلمة الحرة.

 وكان إلى جانبهم أشخاص آخرون تقلبوا في كل المنابر وجربوا جميع خطوط التحرير المتواجدة على الساحة، وكان همهم الوحيد ربط العلاقات وتوطيد الشبكات من أجل لحظات من ” البرستيج” في المجالس المخملية وفي حضرة رجال المال والسلطة والنفوذ والأعيان وكانوا يدفعون من أموالهم مقابل ذالك.

 أما الفئة الثالثة  فهي فئة من المرتزقة الذين ظنوا أن الصحافة هي تلك الإوزة التي تبيض ذهبا، وبأن امتلاك بطاقة تحمل خطا أحمر موازي لخط أخضر، سيشرعن لهم الدخول على المسؤولين ومحاصرتهم وابتزازهم، لقد ظنوا أن القلم سيف يمكن أن يشرملوا به أي مسؤول لم يدفع لهم،  وهؤلاء يرضون حتى بالقليل، وفي أحيان كثيرة يقبلون بوجبة غذاء وعشاء وبعض لوازمها.. ومن بينهم سماسرة تقضى حوائج الناس على أيديهم فطوبى لهم.

لذالك وبناءا عليه أيها الزملاء الأفاضل ..

إنكم عندما كنتم تدافعون عن ما أسميتموه ” المراسل الصحافي” لم تنتبهوا إلى أنكم كنتم تدافعون عن وضعية هشة بكل تجلياتها عن وضعية تنتقدونها صباح مساء وهي وضعية تتجرعون مرارتها منذ سنوات والأدهى من هذا كله أنكم تريدون تغير القوانين من أجل تقنين هذه الهشاشة وترسيخها وتكريسها إلى ما لا نهاية.

ومن أجل فهم هذا الطرح أطلب منكم أن تتصوروا معي أن أحدا من أبنائكم حصل للتو على شهادة عليا في الصحافة والإعلام هل ترضون له أن يكون مراسلا صحفيا بالمفهوم الذي تتحدثون عنه يتوسل مؤسسته ويقف في أعتاب بعض المؤسسات لعلها تجود عليه بخروف العيد؟ أم صحافي مهني يتقاضى أجرا محترما وفي وضعية قانونية مع المؤسسة التي يشتغل لفائدتها وله جميع الضمانات الاجتماعية؟.

أكيد أن حبكم لأبنائكم وتقديركم للأجيال القادمة من الإعلاميين يحتم عليكم أن تقبلوا الوضعية الثانية وليست الأولى. لذلك لا تتورطوا في الدفاع عن الهشاشة ولا تكونوا أنانيين في الدفاع عن تكريس هذا العبث، وترفعوا عن الدناءة التي يدعوا إليها البعض.

وهذا لا يعني أن القوانين الجديدة تحقق المبتغى بل تلك حكاية أخرى تستحق أن تروى قد يأتي وقت سرد تفاصيلها المؤلمة، وأولى المؤشرات أنها أطاحت بسقف الحريات التي هي الأكسجين الذي يتنفسه كل مهوس بالإعلام.

أيها الزملاء الأفاضل .

إنني لا أرضى لكم غير المكانة الرفيعة والمقام المصون، والعزة والكرامة وأنتم تعلمون أنني ابن الجبل والجبال رمز الأنفة والشموخ.

لذلك لا تنجروا وراء بعض الادعاءات المغرضة والدعاوى البئيسة فمكانتكم في القانون الجديد محفوظة مصونة ولكن للأسف لم تلتفتوا إليها وهو الأمر الذي دفعني إلى كتابة هذه الرسالة التي أتمنى أن تكون خفيفة على قلوبكم.

أنا لا أرضى لكم صفة ” صحافي مهني ” بالمفهوم الذي تداولتموه ولكن أريد لكم صفة أخرى نص عليها القانون وهي صفة  “صحافي شرفي” ألم يقل كثير منكم أنه قضى أزيد من ثلاثين سنة في العمل الصحافي وأعتقد أن غالبيتكم أمضى  على الأقل عقدين من الزمن.

وحتى لا أطيل عليكم أحيلكم على الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من الفرع الأول من الباب الأول للقانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين والذي ينص على أن الصحافي الشرفي هو : ” كل صحافي مهني أحيل على التقاعد بعد ممارسة مهنة الصحافة لمدة لا تقل عن 21 سنة “

هذه هي الصفة التي تستحقونها أيها الزملاء الأفاضل وليس الفتات والمقامات الوضيعة، ارفعوا رؤوسكم معاشر الزملاء.

 وإن كان من تعديل فهذه هي المادة المطلوب تعديلها حتى تشملكم، فقد تم تغيير مادة في قانون النشر التي تتعلق بضرورة توفر مدير النشر على شهادة لا تقل عن الإجازة باشتراط 10 سنوات من التجربة كبديل عن ذالك،  وأنتم طالبوا بتعديل المادة حتى تشمل المراسلين الذي أثبتوا من خلال سجل أعمالهم أنهم مارسوا العمل الصحافي لمدة لا تقل عن عقدين ويتم تسليمهم بطاقة ” صحافي شرفي ” معززين مكرمين.

أيها الزملاء الأفاضل..

لقد كانت رسالتي هذه إليكم عن تقدير وعن حب وأعلم أنه قد يكون من بينكم من قد لا تعجبه هذه المبادرة أن ربما يفسرها بحسب هواه ولكن الخلاف لا يفسد للود قضية.

ودامت جهة بني ملال خنيفرة

جهة الصمود والإباء والمبادرات الخلاقة

وتحية إعلامية للجميع