الأوروعربية للصحافة

بليونش زمن الأمويين

بلغت الدولة الأموية في الأندلس أوجها وذروتها مع واسطة عقد بني أمية وموطد ملكها عبد الرحمن الناصر الذي ولي الإمارة “خمسين سنة وستة أشهر متصلة، وصار جميع أقطار الأندلس في طاعته”، وكان عصر عبد الرحمن الناصر بالرغم مما شغله من فتن وحروب مستمرة عصر عظمة ورخاء ومجد، بل كان في الواقع أعظم عصور الإسلام بالأندلس، ولاسيما من نواحيه المعنوية والحضارية، وغذا كانت الأندلس قد بلغت فيما بعد في عصر المنصور بن أبي عامر ذروة تفوقها السياسي والحربي، فإن الدولة الأموية بالأندلس بلغت في عهد الناصر ذروة القوة والبهاء، وكان هذا العهد حد الفصل بين مراحل تقدمها وازدهارها ومراحل انحلالها وسقوطها”. وقد اتجه نظر الناصر إلى عدوة المغرب التي كانت قاعدة لغزو الأندلس وخط دفاعها الأول، ليقطع الطريق أمام الدعوة الفاطمية التي اجتاحت شمال إفريقية وامتدت بسرعة إلى عدوة المغرب وإلى سبتة وأخذت تهدد شواطئ الأندلس. إضافة إلى كون سبتة ذات أهمية اقتصادية وتجارية كبرى في تلك المرحلة، خصوصا ما يتعلق بتجارة الرقيق وما يجلب من بلاد السودان، فأرسل الناصر في سنة 319هـ/931م أسطولا قويا إلى ثغر سبتة يتكون من مائة وعشرين سفينة ما بين حربية وناقلة، وسبعة آلاف رجل منهم خمسة آلاف من البحارة وألف من الحشم، فخرج هذا الأسطول من الجزيرة ىخر جمادى الأولى من هذه السنة واستولى على سبتة من يد ولاتها بني عصام. ودخلها قائد عبد الرحمن الناصر فرج بن غفير يوم الجمعة ليلة خلت من شعبان من سنة 319هـ/931م. فانقرض أمر بني عصام وصارت سبتة للناصر ومن بعده لبني امية خلفاء الأندلس.

ووليها من قبل الناصر قائده فرج بن غفير سنة 319هـ/931م. ثم وليها أحمد بن عبد الصمد الغرناطي، ثم وليها محمد بن حزب الله سنة 323هـ/934م، ثم عزل. ووليها محمد بن مسلمة في سنة 326هـ/937م، ثم عزل، ووليها ابن مسلمة أيضا إلى سنة 330هـ/941م، ووليها ابن مقاتل إلى أن أسر في شوال، 332هـ/943م؛ أسره عندهم بنو محمد الأدارسة إلى أن لحقهم قاضيها محمد ابن أبي العباس في رمضان سنة 333هـ/944م، فجنح بنو محمد إلى السلم على يد القاضي فأطلقوا ابن مقاتل، وبعثوا رهائنهم إلى أمير المؤمنين الناصر بقرطبة. ولم يزل ولاة الناصر يتداولونها إلى سنة 346هـ/956م. ثم كانت تحت نظر الحكم المستنصر وذكر المؤرخون أن الحكم لما تولى الخلافة وحكم على المغرب أمر بإتمام سور مدينة سبتة الذي بناه والده الناصر. وفي شهر صفر من عام 353هـ/964م، رفع الحكم المستنصر عن أهل سبتة جميع الوظائف المخزنية والمغارم السلطانية لمر اقتضى ذلك. ثم كانت تحت نظر المنصور ابن أبي عامر بعده. وقد بقيت جالية من أفراد بني أمية في سبتة بعد انقراض ملكهم منها، عرفوا فيما بعد بأولاد الماوي، وما زالوا إلى يوم الناس هذا يحملون هذا الاسم ويسكنون في غمارة ونواحيها.

وفي هذه المرحلة أمر الناصر بتحصين سبتة وإصلاح أسوارها، وأفاض العدل في اهلها ونظر في مصالح بلدهم وشكه بالرجال وتناوله بمعاقل من البنيان، فصارت سبتة مسورة بسور صخر محكم البناء، وقد أقيمت في سبتة تحصينات حول المدينة في عهد الخليفة الناصر واستكملت خلال عهد المنصور ابن أبي عامر، وصارت سبتة من أهم المراكز الحضرية والمسالك التجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وفي العهد العامري اقتصر المنصور على ضبط سبتة ومن مآثره في سبتة؛ السور الذي بناه في أعلى جبل الميناء عندما جاز إليها من الأندلس وأراد أن ينقل المدينة إلى أعلى هذا الجبل فمات عند فراغه من بنيان أسوارها، وعجز أهل سبتة عن الانتقال إلى هذه المدينة المسماة بالمينة، فمكثوا في مدينتهم وبقيت المينة خالية وأسوارها قائمة وقد نبت حطب الشعراء فيها، وهذه الأسوار التي تحيط بمدينة المينة تظهر من عدوة الأندلس لشدة بياضها.

الكتاب: سبتة وبليونش “دراسة في التاريخ والحضارة

للمؤلف: د. عدنان أجانة

منشورات تطاون أسمير/ الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية

(بريس تطوان)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.