الأوروعربية للصحافة

لا يحب المغاربة أداء الضرائب

مواطنون يرون أن الخدمات التي تقدمها الدولة في الصحة والتعليم والطرق لا ترقى إلى مستوى الضرائب التي يؤدونها

لا يحب المغاربة أداء الضرائب. ومن يستطيع منهم للتملص سبيلا تجده يبدع حيلا وحلولا ويبرم صفقات من أجل أن يظل جيبه بعيدا عن أعين الجابي، إلا من رحم ربك من المستخدمين والأجراء الذين يتم اقتطاع ضرائبهم مباشرة من المنبع، و»مريضنا ما عندو باس». في هذه الورقة، آراء مختلفة لمواطنين من مجالات متعددة، يستعرضون وجهة نظرهم الخاصة حول الأداء الضريبي والعدالة الجبائية.

إنجاز: نورا الفواري

اعتبر الحسين الراجي، المحامي بهيأة مراكش ورئيس نقابة المحامين المغاربة، أن أداء الضريبة التزام دستوري لكل المغاربة لا يناقشه ولا يجادل فيه أحد، مضيفا أن المحامين مختلفون حول الطريقة التي يتم بها تدبير الأمور من طرف إدارة الضرائب، ومشيرا إلى أن الملف قديم وليس جديدا سبق أن تمت مناقشته عبر مؤتمرات سابقة تمت المطالبة خلالها بفتح الحوار مع الدولة مع وزارة المالية.

وقال الراجي، في اتصال مع “الصباح”: “هناك قانون نحترمه. وهناك دستور فوقه. وكلاهما لا ينصان فقط على استخلاص الضرائب، بل على الالتزامات التي توجد خلف مبدأ الضريبة، والذي يتعلق بجمع الأموال من أجل إعادة صرفها في خدمات أخرى يتم توفيرها للمواطنين مثل الطرق والتغطية الصحية والتقاعد”.

لا ضرائب على الفنان الأجنبي

من جهتهم، يشتكي بعض الفنانين من المبالغ المالية التي يؤدونها على أجورهم التي يتقاضونها، رغم أن أغلبية هذه الأجور تكون هزيلة، ورغم أن عددا منهم لا يشتغلون بشكل منتظم ويعانون العطالة لمدة شهور خلال السنة، دون الحديث عن الهشاشة التي يعانيها المجال الفني، في ظل غياب أبسط شروط الحفاظ على كرامة الفنان، الذي تضطره ظروف المرض والحاجة إلى تسول المال من أجل استشفائه وقضاء أبسط حاجياته.

من جهة أخرى، استغرب مغن مغربي، في حديثه مع “الصباح”، كيف أن الدولة لا تفرض ضرائب على الفنانين الأجانب الذين يشتغلون في المغرب، أو الذين يحيون حفلات في الأعراس أو المهرجانات الوطنية ويتقاضون أجورا مرتفعة لا تقتطع منها الدولة فلسا، خلافا لما هو معمول به في جميع بلدان العالم.

ضـرائب بدون خدمـات

من جهته، اعتبر ياسين، موظف بإحدى الشركات الخاصة، أن الضريبة على الدخل التي يؤديها الأجراء والمستخدمون، والتي يتم اقتطاعها مباشرة من المنبع، مبالغ فيها وغير عادلة، إذ لا تأخذ بعين الاعتبار التفاوت الصارخ في الأجور بين الموظفين، إذ لا يعقل اقتطاع النسبة نفسها من الدخل على موظف يتقاضى مثلا مليون سنتيم وآخر يتقاضى 7 ملايين سنتيم شهريا.

ويكاد كل المواطنين الذين تحدثت إليهم “الصباح”، باختلاف مشاربهم وتنوع مهنهم، يجمعون على عدم وجود عدالة ضريبية، داعين الدولة وإدارة الضرائب إلى فرض الجباية على الجميع بدون استثناء وأن تراعي ظروف الناس وأوضاعهم الاقتصادية. وقال أنس، إطار بإحدى المؤسسات العمومية، إنه “لا خير في أمة كثرت ضرائبها”، مضيفا أن المبالغ الهامة التي يؤديها المواطنون على شكل ضرائب للدولة، لا توازي في قيمتها الخدمات التي تقدمها لهم هذه الأخيرة، إذ يتم فرض ضريبة على السيارة، في حين أن الطرق والبنيات التحتية في أكبر المدن ليست على ما يرام، “كا تخلص ضريبة على الطوموبيل باش تسوق فالحفاري والمطبات”، يقول.

“صفقات” ضريبية

صوفيا، صاحبة شركة خاصة، تعاني بسبب الضرائب “التي لا تنتهي”، وتضطر في كل مرة إلى أدائها، رغم أن مدخولها “على قد الحال”، وهو ما سيؤدي بها إلى الإفلاس، حسب ما أكدته ل”الصباح”، مضيفة أنها تؤدي الضريبة مثلها مثل أي شركة أخرى قد يكون مدخولها أكبر، دون الحديث عن الشركات التي تصرح بمداخيل أقل بكثير من تلك الموجودة في الواقع، وهو ما لا يشجع الشباب وأصحاب المقاولات على إنشاء شركات خاصة لا يمكنها أن تقف يوما على قدمها أو “تزيد للقدام”، بسبب القوانين التي تخنقها أكثر مما تفتح لها المجال للنجاح.

ودعت صوفيا الدولة إلى تطبيق القانون من أجل ردع المتملصين من أداء الضرائب، إذ لا يعقل أن ثلثي المقاولات المغربية تصرح بأنها تعاني عجزا ماليا من أجل أن تدفع أقل، وعدد منها لا يصرّح بالقيمة الحقيقية لمدخوله، ومنها من يتوصل إلى “صفقات ضريبية” يستفيد منها الطرفان، لتظل أقلية فقط من الشركات تفي بالتزاماتها.

محامون بدون تقاعد

وأضاف الراجي أن هيأة المحامين لا تمانع في أداء الضريبة، لكن بالمقابل، تعتقد أن على الدولة أن تراعي التزاماتها، وعلى رأسها ملف التقاعد الذي لم يبرح مكانه إلى اليوم، إذ لا يستفيد المحامون من نظام التقاعد والشيء نفسه بالنسبة إلى التغطية الصحية التي لا تكلف الدولة نفسها عناء التدخل فيها، موضحا أن الإدارة لديها مجموعة مقترحات تريد أن تفرضها على المحامين في إطار ما أسمته “الصلح الجبائي”، وتطلب منهم أداء مبالغ معينة مقابل تسوية الملف، دون أن تفكر في الشق المقابل الذي يتعلق بحقوق هذه الفئة. فهمها الوحيد هو الاستخلاص.

وبخصوص بعض مكاتب المحامين التي تقدم تصريحات لا تطابق الواقع، قال الراجي إن هناك قوانين يمكن تطبيقها في هذه الحالات، كما يمكن للدولة أن تلجأ إلى القضاء، مشيرا إلى أن الدولة طبقا للالتزامات الدولية التي وقعتها ملزمة بالحماية الاجتماعية للمحامين، مع العلم أن هؤلاء يقدمون خدمات لها بدون مقابل، مثل المساعدة القضائية.

وتحدث الراجي عن أن المحامين اضطروا إلى إنشاء تعاضدية عامة للمحامين لا يمكنها أن تكون ناجحة بما فيه الكفاية نظرا إلى العدد من المنخرطين، إذ لا يتجاوز عدد المحامين 14 ألفا على الصعيد الوطني. كما تحدث عن التغطية الصحية التي ظلت مشروع مرسوم وزاري لم ينفذ أبدا.

وأكد الراجي أن المحامين منخرطون في الالتزامات الدستورية لأداء الضرائب، لكنهم يدعون الدولة إلى الوفاء بالتزاماتها أيضا تجاه المهنة.

الجمعيات والمقاولات… “بحال بحال”

من جانبه، استغرب سامي المودني، رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، كيف تفرض الدولة أداء الضريبة على الجمعيات رغم أنها تحمل صفة المنفعة العامة، وكيف تتعامل معها مثل شركات هدفها الربح، وتطبق عليها النظام الضريبي نفسه. وقال، في اتصال مع “الصباح”، إن الجمعيات لا تستفيد من بعض الامتيازات ولا بعض الإعفاءات التي تستفيد منها المقاولات والشركات، رغم أن هذه الأخيرة تقدم خدمات ربحية.

وضرب المودني مثالا بالمدارس الخاصة التي تؤدي 17 في المائة فقط من الضريبة، مقابل 30 في المائة تؤديها الجمعية، رغم أن إمكانيات هذه الأخيرة تكون محدودة، إضافة إلى أن الدعم الذي تحصل عليه من الخارج، يخضع بدوره إلى اقتطاعات ضريبية لصالح الدولة، مشيرا أيضا إلى أن المشتغلين في الجمعية من أطر ومكونين وغيرهم، يخضعون للاقتطاع من الأجر، رغم أنهم يتقاضون مبالغ رمزية، ويمكن اعتبار ما يقومون به عملا تطوعيا بامتياز.

حماية الموثق من الإفلاس

إذا كان من الضروري القيام بحملات مراقبة وتدقيق في مداخيل الموثقين من قبل إدارة الضرائب فهذا إجراء طبيعي ومعتاد، بل أكثر من هذا فهو قانوني. غير أنه وجبت الإشارة إلى أن مهنة الموثق وعمله اليومي ومجهوداته الذهنية والعلمية والثقافية والعناية الفائقة التي يحرص على توفرها ضمانا للأمن التعاقدي وسلامة العملية من بدايتها إلى نهايتها تختلف عن باقي المهن الأخرى وتعقد مهمة المراقبين الجبائيين. وقد يتضرر الموثق في غالب الأحيان من نتيجة المراقبة المحددة في مبالغ مرتفعة يصعب عليه أداؤها. هذه هي مواصفات وخصوصيات المهن الحرة. مثلا إذا تم إعطاء حل ناجع لقضية شائكة عرضت على الموثق من طرف زبون، أو قام الموثق بعدة إجراءات وبحوث وتحريات وتنقلات ووصل إلى حل المشكل أو أنجز العملية بعد مجهود ملموس، فإنها لا تقدر بثمن.

لا نمانع من نهج سياسة واضحة المعالم لصالح الوطن والمواطنين من أجل السير نحو امتثال ذاتي وتلقائي بخصوص المجال الضريبي.

لقد حان الوقت لكي نعمل في إطار الشفافية والجدية الضامنتين للطمأنينة وراحة البال. أداء واجبات الدولة من ضرائب ورسوم واجب وطني يجب أن يقوم به كل مواطن من تلقاء نفسه شريطة أن يطبق القانون على جميع الملزمين دون استثناء. ففي دول أخرى يُنعَت المتهرب من أداء الضرائب بالمواطن الناقص. اليوم بالنسبة للموثقين مع المرسوم المحدد لأتعاب الموثق أرى شخصيا أن العمل به مستقبلا سيسهل علينا نسبيا ضبط حساباتنا من جهة ومن جهة أخرى يساعد المراقبين في معرفة مداخيلنا وما هو واجب الأداء لخزينة الدولة. حقيقة كنا نعاني بسبب ضبابية كيفية تحديد الأتعاب وما يرافقها من إجراءات ومجهودات واستشارات قانونية و نصطدم مع موقف إدارة الضرائب من خلال المراقبة والتفتيش إذ يقع خلاف بين المراقِب والمراقَب قد يؤدي إلى عرض القضية على القضاء لفض النزاع.

في الأخير أود أن أقول إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تجتاح قطاع العقار لا زالت تلقي بظلالها القاتمة و تشد الخناق على الموثق الشاب بالخصوص الذي يعاني اليوم الأمرين في صمت قاتل وصبر كبير، في انتظار غد جديد ربما يعيد للموثق ابتسامته. أعتقد أنه من باب الإنصاف والمساندة والدعم أن تتدخل الدولة التي تخلت عن بعض اختصاصاتها لفائدة الموثق الذي يسهر جادا على أداء الضرائب من طرف الملزمين بها قبل أو بعد عمليات التفويت من جهة ويؤدي من جهة أخرى ضرائبه المهنية، أن تلتفت إليه الدولة لتحميه من الإفلاس والتذمر والضياع وذلك بمساعدتها له ماديا ومعنويا وتقنيا في هذه الظروف الصعبة.

في الأخير أقترح عقد أيام دراسية بين الهيأة الوطنية للموثقين وإدارة الضرائب لتبسيط المساطر وتوضيح الرؤى وإعداد خريطة مشتركة تسهل العمل على الهيأة والإدارة، الهدف منها ضمان الشفافية والعدالة والمساواة بين كل القطاعات.

* موثق بالبيضاء

الفقير يدفع أكثر

الرأي نفسه تشاركه فيه أسماء، التي اعتبرت أن المواطن يؤدي التزاماته إلى الدولة، مقابل توفير الصحة والتعليم وغيرها من الأمور الأساسية، لكنه يضطر، أمام الأوضاع المتردية للمستشفيات العمومية، إلى اللجوء إلى خدمات القطاع الخاص ودفع مبالغ مالية محترمة من أجل الاستشفاء أو التطبيب، كما يضطر، من أجل ضمان مستقبل أفضل لأبنائه، إلى أن يدفع أموالا طائلة في المدارس الخاصة، ما دامت المؤسسات التعليمية العمومية لا يمكنها أن تؤمن لهم تعليما جيدا وذا قيمة.

من جهتها، قالت مريم، كوافورة، في حديث إلى “الصباح”، إن الضرائب تفرض على الطبقات المتوسطة وعلى الفقراء، في حين يعفى منها الأغنياء والبرجوازيون. “لا أفهم مثلا لماذا يستفيد كبار الفلاحين من إعفاءات ضريبة، ومثلهم بعض المنعشين العقاريين الذين يستغلون هشاشة المواطنين وفقرهم، ويبيعونهم شققا اقتصادية واجتماعية لا تحترم إنسانيتهم مقابل مبالغ مالية مهمة، قيمتها أكبر من قيمة السكن؟”.

واعتبرت منى، موظفة، أنه لا يمكن الحديث عن عدالة وإنصاف جبائيين دون الأخذ بعين الاعتبار الجانب التضامني الذي من أجله فرضت هذه الضرائب، وهو ما لا نجده في ظل إفلاس صندوق التقاعد ونظام “راميد” و”تيسير” وغياب نظام للتعويض عن فقدان الشغل.