المدير برهون حسن 00212661078323
قال عبد العزيز أفتاتي، البرلماني السابق وأحد قيادات حزب العدالة والتّنمية، إن “هناك إصرارا من قبل الدّولة العميقة على الدفع في اتجاه الاستسلام للاستعباد والفساد، التّيئيس من حتمية الإصلاح الذي لا مفرّ منه، والدّفع بأيّ تمويه جديد للإبقاء على الوضع على ما هو عليه”.
وأوضح أفتاتي، في حوار مع موقع “لكم”، أن “هؤلاء يهيئون بأيديهم شروط انفجار اجتماعي ـ لا قدر الله ـ وذلك بما كسب خيارهم الرّامي إلى طحن سلطة الشّعب وإرادته و التّمكين للكارطيلات.
وفي ما يلي نص الحوار:
أثار التّعديل الحكومي الأخير في حكومة أخنّوش جدلا كبيرا وقراءات متعدّدة. كيف تقرأ ما حصل؟
على طريقة من معنا و من ضدّنا، و بعد الفشل المدوّي لتدبير الثلاث سنوات التي تلت انقلاب 8 شتنبر2021، تحاول الدولة العميقة التّيئيس من حتمية الإصلاح الذي لا مفرّ منه، و الدّفع بأيّ تمويه جديد للإبقاء على الوضع على ما هو عليه والتّسليم للاستبداد والفساد والاستسلام.
وفي هذا السّياق يأتي “تعديل= لا حدث” كبروباغاندا ليس إلاّ، ممّا يحتم وحدة الصّفّ الديمقراطي والنّضال الديمقراطي الجسور والمتجذّر.
ولذلك فتفسير الإجماع على الرّفض الكاسح والاستهجان الكبير، لما تمّ الإقدام عليه باسم الكمبرادور ونسبته له (وحسبته عليه) من “تعديل” يساوي في العمق معاكسة الإصلاح والاستمرار والسّير بدلا من ذلك في نفس مسار انقلاب 8 شتنبر2021 واستدامته وإسناده ، هو شعور المغاربة بمحاولة احتقار ذكائهم من قبل الدولة العميقة التي تقف خلف هذا الكمبرادور وتحميه و تحصّنه في “رأس” الحكومة ، وخاصّة في هذه المرحلة الحالكة والصّعبة التي نمرّ بها على المستوى السّياسي و الديمقراطي و الاجتماعي.
والحال أنّ مسار ما بعد 8 شتنبر2021 والأوضاع السّياسية والاجتماعية المترتّبة عنه، تتطلّب أكبر من تعديل، حيث الحلّ الطّبيعي للخروج من المعضلة السّياسية التي نتخبّط فيها، وكذا ما نجم عنها من خيبات سياسية وتنموية، هو العودة لمسار الانتقال الديمقراطي و طيّ صفحة 8 شتنبر الانقلابية التي اعتمدت على المال المتأتي من مختلف المصادر الممنوعة و المشبوهة و الرّيعية، وبهندسة من فوق من قبل الدّولة العميقة وتصريف ذلك من خلال الإدارة المعلومة، وذلك في سياق خيار للدّولة يخصّ تصوّرها للمرحلة المقبلة .
ويبدو، من فرط عمى البصيرة، أنهم يهيئون بأيديهم شروط انفجار اجتماعي لا قدر الله وذلك بما كسب خيارهم الرّامي إلى طحن سلطة الشّعب وإرادته و التّمكين للكارطيلات..
يرى مراقبون أن حكومة أخنّوش في طبعتها لثّانية كرّست تضارب المصالح وتعيين أشخاص ينتسبون ويشتغلون لحساب هولدينغ “أكوا”. ما الذي وقع في نظرك؟
الكلّ يعلم أنّ الكمبرادور مجرّد أداة للدولة العميقة، ولا قبل له بـ”منجز” تشكيل أو “تعديل” حكوميين. بصراحة ووضوح وبدون لفّ و لا دوران هذا خيار و إرادة الدّولة العميقة التي استثمرت فيه ككمبرادور، وفي إمكاناته المادّية المتحصّل عليها من ريع المحروقات لتزييف انتخابات 8 شتنبر. وهي التي رتّبت كذلك للاستثمار فيه ككارطيل ريعي، قصد توطيد نوع من تحالف الماكرو رأسمال الخاصّ والكبير في المغرب، لتقاسم وافتراس السّوق والأعمال ثمّ للتّرتيب كذلك للتّحالف مع الرّأسمال الكبير الخاصّ الأجنبي العابر للقارّات لذات الأهداف الهيمنية.
والنّاظر في مجريات الأمور مثلا في الطّاقات المتجدّدة وتحلية مياه البحر ومجال الغاز المكتشف كنماذج فقط، تتّضح له الصّورة من حيث الاستحواذ على مجالات حيوية بالاستناد بالطّبع على مركز السّلطة ونواتها الصّلبة.
وبالمناسبة مسرحية التّعديل التي أجريت باسم الكمبرادور، نسجت على منوال ما سبقت الإشارة إليه بخصوص خيارات الدّولة في السّلطة والأعمال وأدوار الرأسمال الكبير الرّيعي والاستثمار في الكمبرادور، وبصورة مصغّرة في المستوى الأدنى وبنفس التّسلسل جيء ببعض أدوات الكمبرادور وخلصائه وشركائه ومعاوني ومسندي مكوّنات الأسرة الصّغيرة في مجال الأعمال وزبانيته و “طبّاليه” و “شطّاحيه” حتّى في أحلك الظروف؛ ظروف لملمة المغاربة لأوجاع محاولة العبور المأساوي الجماعي للشّباب إلى سبتة المحتلة ومخلّفات آثار وخسائر فيضانات تلك المرحلة في الأرواح والممتلكات بالجنوب والشّرق.
و الكلّ لاحظ كيف أبقي في “الحكومة” من كان بطلا لفبركة مباراة على مقاس الأبناء و النّقباء والكبراء ومن ينتفض ضدّه كلّ مكوّنات أسرة العدل ويمعن في استدامة الفساد بالحيلولة دون قيام الجمعيات بواجبها في مناهضته ويدافع عن أوضاع مشبوهة في الأوطيلات الكبيرة تحت ستار وثائق ولوجها، كما تم الاحتفاظ بمن تغيّب عادة عن الوزارة ، ولربّما لانشغالها بتحصين كائن يسعى لحيازة “شريفية” لعقار فرعوني بحجم جغرافيا مدينة متوسّطة في المغرب بدون مبالغة، وتمّ التّمديد لمن يمتهن الدّجل ويكذب على المغاربة ويمنيهم بمعالجة التضخّم الذي تسبّبوا فيه بالطبع، والقضاء على الغلاء المستفحل والمستمر والشامل وباقتناء لحم بثمن لا يزيد عن 70 درهما، وهي المادة التي أضحت، إلى يوم التعديل وبعده، فوق طاقة عموم النّاس بحيث وصل ثمنها إلى ما يقارب ضعف أكاذيبه.
وهكذا ولأوّل مرّة في تاريخ المغرب يهوي “تعديل” حكومي مقرف، بالسّلطة التّنفيذية إلى قاع سحيق ومخيف ومرعب، بالحفاظ على كوارث وعلى رأسهم الكمبرادور ذاته الذي أدانه مجلس المنافسة (ضمن تغريم ولو مجهري ولكنه دالّ على الشّفط لـ 9 فاعلين في المحروقات) وتحشيد طيف جديد وغير مسبوق من الفاشلين وفاقدي الكفاءة والنّزاهة اللاّزمتين لتدبير الشّأن العام، وكذا الإتيان بعيّنة من شركائه في الرّيع، وبعض زبانية الفساد الإداري، وعدد من سابقي مستخدميه ومستخدمي الأسرة، حيث يخشى من تسوية ما مؤجّلة معهم (مالية ربّما) بالدّفع من المال العامّ طبعا .
ناهيك عن التوقيت أي بعد ثلاث سنوات فشل كاملة وبعد صدور مشروع قانون مالية السّنة الرابعة، بمعنى أنه لم يبق للملتحقين (المعدّلين) سوى قانون مالي واحد “لتجسيد” خلفية وأهداف ومزاعم التّعديل المفترى عليه.
كما يمكن ملاحظة رفع عدد أعضاء الحكومة لـ30عضوا في إطار التّرضيات داخل كّل مكون من المكونات الثلاثة بواسطة المال العام بالطّبع، وانظروا كيف ألحقوا “كتّاب”الدّولة، كلّ كاتب دولة بوزير من فصيلته الحزبية قصد التّستر عليهم ضمن بطالة مقرّرة لهم سلفا، و وبذلك سيرفعون منسوب التّهرب عن العمل المتفشّي في هذه الحكومة.
وبالطّبع التّعديل المزعوم جاء خارج أيّ سياق مفهوم وطبيعي، كسياق تقديم أوهام حصيلة نصف الولاية مثلا في أبريل 2024، “الاستدراك” في سبورة مزاعم الالتزامات العشر للبرنامج الحكومي وأساطير الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية والحكامة الموعودة في برنامج حكومة 8 شتنبر 2021..
بخلاف التعديل الحكومي الأخير برزت أسماء لا علاقة لها بالمشهد الحزبي وليس له تاريخ سياسي ولا تراكم ولا تجارب في تدبير الشأن السياسي والشأن العام، مما أفرز إحباطا لدى المغاربة وكرّس وضعا شاذّا واستثنائيا. هل بهذا المعنى لم يعد للأحزاب والمؤسسات دور ومعنى؟
الكمبرادور يجسّد بجلاء مسار يراد له تحقيق كرطلة الأحزاب (cartellisation) والتّحوّل من أحزاب المناضلين بالقناعة والمذهبية والتربية والقيم، والتكوين و الإعداد للتلاميذ والشّباب والمناضلين والمتعاطفين على مدار سنين، والتّضحية بالمال والرّاحة الشّخصية والأوقات الطّويلة، والكدّ في التّواصل المستمرّ والميداني والمنتظم مع المواطنين، والعمل الجماعي السّياسي الطوعي و الممأسس لإنتاج الخيارات والأطروحات والمسارات والرّموز لخدمة الشعب، إلى أحزاب الكارطيلات التي تقوم على أشخاص بإمكانات هامان وما شابه وتحشيد الزّبناء و المليشيات المأجورة لإفساد الانتخابات، وبالتالي طحن سلطة الشّعب وخدمة الاستبداد بالفساد.
والذي لا مستقبل له بالبتّ والمطلق هو الاستبداد والفساد وأحزاب الكارطيلات والجيوب التي فبركتها الدّولة العميقة (البؤس البامي) و(البؤس الرديف الازرق).
أما الأحزاب الحقيقية النّابعة من إرادة الشّعب وهي قليلة بالطّبع، فهي باقية ومستمرة في النّضال والكدح والتّأطير والتّعبئة والتّواصل والاجتهاد في كلّ الظّروف والأحوال، والعاقبة لها ولإرادة الشّعب. وأعتقد جازما بأنّ الشّعب المغربي سيغلق القوس الجاري والزّيف الحاصل بإرادته النّاجزة في حياة حرة وكريمة.
وبالمناسبة الأحزاب تعوّض بعضها البعض وتتداول فيما بينها ولا يمكن للدّولة بأيّ حال من الأحوال أن تحلّ محلّها. والأوضاع الاستبدادية أقواس استثنائية لا تملك مقومات الاستمرار، ومهما بدا أنّها طالت وعمرت فهي إلى زوال.
ذكرت بأن ما حصل استثناء، وأن المغاربة سيغلقون القوس الجاري والزّيف الحاصل. يرى متتبّعون أن هناك تخوفا من نشاز المغاربة وعزوفهم ، كما حصل في انتخابات اقتراع 8 شتنبر 2021، وسيستمر هذا العزوف بشكل أكبر في الحياة السياسية ومقاطعة للانتخابات المقبلة. هل هذا صحيح أم تجنّ؟
انتخابات 8 شتنبر2021 تمّت هندستها من قبل الدولة العميقة في سياق خيار للدّولة يروم “تقويتها” و ترتيب الأمور سلطويا، و هو ما يقتضي في نظر البعض إضعاف الأحزاب لأنهم يتصوّرون بأن مزاعم “تقوية الدّولة” يقوم بالضّرورة على إضعاف الأحزاب وإنهاك الحياة السياسية و تجويفها. وهذه الانتخابات حسمت في الشّكل بالمال كما سبقت الإشارة (الإيسكوبارات وريع المحروقات وما شابه).
ولا أتصوّر أن نصل إلى الانتخابات القادمة بشكل عادي وفي وقتها المنتظر في ظلّ الأخطاء الجسيمة للنّهج السّلطوي الجاري حاليا، وفي ظلّ الموت السّياسي السّريري لأداة التّحكم والفساد المسماة “حكومة الكمبرادور”، وكذا بالاستمرار في الارتهان للرّأسمال الكبير الرّيعي.
وأعتقد بأنه في غياب معارضة سيّاسية جسورة وموحّدة وحازمة وجذرية، فإن تعفّن الأمور لا قدّر الله قد يقود إلى أوضاع صعبة ومكلّفة، شبيهة بما جرى في مراحل سابقة من هزّات، و كلّنا يأمل و يرجو، بعد قيامة 20 فبراير، بأن لا تعود السّلطوية مجدّدا إلى تجريب المجرّب من محاولات يائسة وكارثية لقتل السّياسة والتّنكيل بسلطة الشّعب، لأن ذلك رهان خاسر لامحالة و إرادة الشّعب غالبة دائما.