
من يتحكم في الدولة؟
من السهل جدا إلصاق كل صغيرة وكبيرة بالسيد فؤاد علي الهمة، بالنظر لموقعه داخل مربع الحكم، كمستشار ملكي نافذ، غير أنه من الصعب جدا، تصديق كل ما يقال عن الرجل من قبل خصومه في السياسة، وفي الصحافة والاعلام أيضا.
لاشك، أن الرجل يتمتع بمكانة كبيرة في مربع الحكم بالمغرب، ولكن الحديث بلغة الجزم، على أنه هو الذي يقف وراء بلاغ الديوان الملكي الاخير في مواجهة حزب العدالة والتنمية، وهو الذي يرعى اتفاق التطبيع مع إسرائيل ، وهو الذي يتحكم في كل مفاصل الدولة( أجهزة المخابرات بكل تفرعاتها، والأمن الوطني، والداخلية، والخارجية)، وهو الذي يتحكم في مراكز القرار “الأمني، والسياسي، والاقتصادي” فأعتقد ، أن هذا الأمر مبالغ فيه ، وإلا فما هو موقع الملك محمد السادس، في نظام الحكم، إذا كان مستشاره الملكي هو الكل في الكل؟
دستوريا، الملك محمد السادس هو رئيس الدولة، وهو ممثلها الأسمى، وهو أمير المؤمنين، وهو الذي تتمركز في يده كل السلط بموحب دستور المملكة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، استساغة القول بأنه لا يحكم، وبأن مستشاره السياسي، أو الأمني، فؤاد علي الهمة، هو الحاكم الفعلي، كما يعتقد البعض.
إذا كان المستشار الملكي، فؤاد علي الهمة، يتمتع بكل هذا النفوذ، وبكل هذه القوة، هل كان سينسحب من المشهد السياسي والحزبي بعد الحراك الذي شهده المغرب سنة 2011؟ هل كان سيكون بمقدور أمين عام حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وأطراف سياسية أخرى مهاجتمه سياسيا وإعلاميا؟
أنا لا أدافع عن الرجل من باب التملق، كما يمكن للبعض اعتقاد ذلك، ولا أنفي مكانته الكبيرة في الديوان الملكي كمستشار ملكي مهم، وتجمعه بملك البلاد علاقة متميزة مند عقود، ولكن، القول بدون تقديم أي دليل مادي ملموس، بأنه هو الآمر الناهي، وهو الحاكم الفعلي في الدولة، يظل من وجهة نظري المتواضعة، قول غير منطقي، ويفتقد للحجية، ويطغى عليه الذاتي أكثر من الموضوعي.
تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن حدثا طارئا كما روج لذلك البعض، بل هو تتويج لمسار طويل من العلاقات المتشعبة، والتي تعود لعقود من الزمن، لم يكن فيها فؤاد علي الهمة مستشارا ملكيا، ولا محمد ياسين المنصوري، مديرا للدراسات عاما للدراسات والمستندات وحفظ التوثيق، ولا عبد اللطيف الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، ولا عبد الوافي الفتيت وزيرا للداخلية، ولا غيرهم من المسؤولين النافذين في الحكم حاليا، بل حتى الملك محمد السادس، كان وليا للعهد عندما، كان نظام الملك الراحل الحسن الثاني، ينسج خيوط العلاقات المغربية الاسرائيلية بعد استقلال المغرب.
هذا ليس بذعة، بل هذا هو التاريخ المكتوب والمروي، الذي لا يمكن تطويعه، أو القفز عليه لاعتبارات غير موضوعية.
من حق الدولة، وهذه قناعاتي الشخصية، أن تدبر علاقاتها الدولية وفق ما يخدم مصالحها العليا والحيوية، ومن حق الاحزاب السياسية أن تلعب أدوراها الدستورية بدون أي قيد أو شرط، ومن حق المواطنين المغاربة، من مختلف الاتجاهات الفكرية والاديلوجية، التعبير عن آرائهم بكل حرية من مسألة التطبيع، وفق الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولكن، وهذا هو الأهم، ينبغي للجميع أن يتصرف بشكل مسؤول مع مثل هذه المواضيع الشائكة، لأن الوطن أكبر من الجميع وفوق الجميع، ولا يمكن رهن مصالح الدولة والمجتمع بمبررات غير منطقية.