قبل قرن من الزمان، تكبّد الجيش الإسباني من واحدة من أكبر الهزائم في تاريخه في منطقة أنوال، وهي بلدة منسية في منطقة الريف المغربية:في غضون 18 يوما، لقي ما بين 000 8 و 000 13 جندي إسباني حتفهم في مواجهة قبائل الريف، وهذه الكارثة، التي طبعت مسار العقدين المأساويين المقبلين في إسبانيا، ليست على جدول أعمال الدولتين المغربية والإسبانية الغارقتين في الأزمة الدبلوماسية الحالية.
تهاجم أشعة شمس شهر يوليو أرض ذلك السهل المغربي أنوال بقساوة وكأنها على وعي بحالة الآلاف من الجنود الإسبان الذين سقطوا قتلى أثناء فرارهم من هذا المكان إلى مليلية. حدثت هذه الهزيمة النكراء قبل قرن من الزمان، بين 22 يوليو و9 أغسطس 1921. مات الكثيرون من العطش في قلاعهم بسبب حصارهم من طرف أهل الريف الشجعان وقُتِل آخرون رميا بالرصاص أثناء محاولتهم الفرار وآخرون كثيرون عُذبوا بعد استسلامهم على بعد بضعة كيلومترات من هناك، في حصن جبل العروي مع قطع الأذنين والأنف والخصيتين.
كتب المؤرخ خوان باندو في كتابه “التاريخ السري لمعركة أنوال” (منشورات تيماس دي أوي، 1999): “لم تفقد إسبانيا المعاصرة أبدا جيشًا كاملاً حتى ذلك الحين. كتلة كاملة من الجنود سقطوا قتلى وبطريقة شنيعة – اغتيلوا في الغالب بعد استسلامهم في أماكنهم، والصحفي مانويل ليغوينتشي ، مؤلف كتاب “أنوال عام 1921. الكارثة الإسبانية في الريف” (منشورات ألفاغوارا ، 1996) يتحدث عن “أسوأ حرب في أسوأ وقت في أسوأ مكان في العالم (…).إنها معركة لم يرغب أحد في سماع أخبارها طيلة 75 عامًا “.
إن منطقة أنوال هي منخفض يوجد بالقرب من قرية يقطنها بضعة مئات من السكان، على مسافة 60 كيلومترا من مدينة و50 كيلومترا من مدينة الناظور. هنا سقط الجنرال سيلفستر قتيلا ، أصغر جنرال في الجيش الإسباني وهو في الخمسين من عمره، والذي كان قد تميز ببطولاته في الحرب الكوبية وتباهى بامتلاكه ثلاث خصيات بدل اثنتين كدليل على شجاعته. لقد انهزم سيلفستر على يد رجل لم تكن لديه خبرة عسكرية كبيره هو عبد الكريم الخطابي (1882-1963)، الذي اشتغل مترجما في خدمة إسبانيا، ثم ساهم في صحيفة “تيليغراما ديل ريف” الإسبانية، وعيّن في عام 1914 في منصب قاضي القضاة في مليلية. أي أعلى سلطة قضائية تفصل في النزاعات بين “السكان الأصليين”.
كان هدف سيلفستر هو احتلال مدينة الحسيمة ، على بعد 30 كيلومترًا من أنوال في خط مستقيم. لكن عبد الكريم نصب له كمينا ففر جنوده في حالة من الفوضى والارتباك في اتجاه مدينة مليلية. كانت الطريق مليئة بالآلاف من الجثث. بين 8000 و 13000 فظهرت صورة بئيسة عن إسبانيا بعد تلك الكارثة التي سلطت الضوء على كل العلل التي تعاني منها البلاد: جيش فاسد جنوده لهم تدريب ضعيف وهم أقل تسليحا بالنسبة للطموحات الاستعمارية التي كان يحلم بها ملك إسبانيا آنذاك ألفونسو الثالث عشر ،وهو ذو خلفية عسكرية وكان يساند الجنرال سيلفستر لأنه القائد العسكري المفضل لديه ، ولاحقًا كان المفضل هو جنرال الانقلاب ميغيل بريمو دي ريفيرا الذي اعتبره الملك طوق نجاته؛ بالإضافة إلى طبقة سياسية لا تستطيع تحمل المسؤوليات على الرغم من محاولات النواب مثل الاشتراكي إنداليسو برييتو Indalecio Prieto.
وفي خضم تلك الكارثة، ظهر نبل قادة الجيش في شخصية اللواء خوان بيكاسو، عم الرسام بابلو بيكاسو الشهير وهو من مدينة مالقة. لقد كُلّفَ بالتحقيق فيما حدث في معركة أنوال وبعد تسعة أشهر من العمل، قدم إلى مجلس النواب تقريرا من 433 2 صفحة، هي ملف بيكاسو الشهير.
وقد دفعت الشهادات العديدة التي جمعها العديد من الناس إلى أن يشيروا إلى ألفونسو الثالث عشر كأحد الجناة الرئيسيين المسؤولين عن الكارثة فشعر الملك أنه في خطر واختار أن يدعم ديكتاتورية بريمو دي ريفيرا (1923-1930)
ثم جاء النظام الجمهوري وغادر الملك ألفونسو الثالث عشر نحو المنفى. ثم جنّد فرانسيسكو فرانكو حوالي 100,000 مغربي لمحاربة الإسبان الذين يدافعون عن دستور عام 1931. وكان معظمهم من أبناء الريف فاستخدموا في الحرب الأهلية نفس العنف الذي استخدموه من قبل وعانوا منه لعقود طويلة. كل هذا التراكم من المصائب نبع من أرض سهل أنوال حيث يوجد اليوم بالكاد نصب تذكاري صغير رسم عليه وجه عبد الكريم الخطابي ولوحة مكتوبة باللغة العربية حيث تقول: “حافظ على تاريخك”. لكن تاريخ الريف محفوظ بشكل سيئ. لا يوجد ولو متحف واحد يروي أمجاد الريف و في الكتب المدرسية نادراً ما توجد فقرة لـ “ملحمة أنوال ” ولا تزال شخصية عبد الكريم مصدر إزعاج للسلطة في المغرب لأن عبد الكريم كان القائد الذي استطاع توحيد قبائل الريف ضد إسبانيا وضد السلطة المركزية المغربية.
لقد هزم هذا الرجل الجيش الإسباني وأنشأ جمهورية مستقلة بين عامي 1921 و 1926. وفي وقت لاحق، نفذت إسبانيا وفرنسا تفجيرات بالأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين في تلك الأراضي.
ويوضح عمر لمعلم، رئيس جمعية ذاكرة الريف، أن اسم عبد الكريم لم يطلَق إلا في الريف لمدرسة ومستنقع وشارع ومعهد. ويضيف أنه منذ احتجاجات ما يسمى ب “حراك الريف” في نهاية عام 2016، انقطعت كل الإشارات إلى ذاكرة الريف.
يقول لمعلّم إن “السلطة تعتقد أنه عندما تبدأ في الحديث عن عبد الكريم والمقاومة ينتهي بك الأمر إلى الحديث عن أشياء أخرى”. أي حلم الريف المستقل ويتابع قائلا: “ما يجعل عبد الكريم مهما جدا ليس المعارك التي فاز بها، بل أنه تمكن من توحيد القبائل المتنافسة في محاولة لبناء دولة حديثة”.
أما اليوم فإن القبائل ليس لديها الوزن الذي كان لها في الثقافة الريفية ولكن كل واحد لا يزال يتميز بلهجته، من خلال طريقته في النطق بكلمات معينة. إن شخصية عبد الكريم، الذي لم يطويها النسيان أبدا في الريف، استعادت قوتها ووهجها مع احتجاجات الحراك. لقد كان الفتيل الذي أشعل المظاهرات هو وفاة بائع أسماك في عام 2016، ممزقا في شاحنة قمامة بينما كان يحاول منع الشرطة من مصادرة بضاعته.
وبدأت تلك الاحتجاجات بهتافات وشعارات بسيطة تطالب بالمستشفيات والوظائف وغيرها من المطالب الاجتماعية. ولكن بدلا من الصراخ “الله والوطن والملك”، كما تعلن السلطة عبر آلاف الجداريات، هتف أهل الريف : “الله والوطن والشعب” ثم انتهت المظاهرات بقمع لم يسبق له مثيل في عهد الملك الحالي محمد السادس.
وانتهى الأمر بمئات الشباب إلى السجن وفر آخرون في القوارب إلى إسبانيا. ولا تزال أبرز أربع شخصيات في الحراك، بما في ذلك الشخصية الأكثر كاريزمية، ناصر زفزافي، في السجن، بعد حصولها على أحكام تصل إلى 20 عاما من السجن بتهمة المساس بأمن الدولة. وأيدت محكمة النقض إدانتهم في يونيو الماضي.
إن الأمل الوحيد في إنقاذ الزفزافي والنشطاء الثلاثة المدانون مثله هو أن يعفو عنهم الملك محمد السادس. ويأمل البعض في أن يصدر هذا العفو الملكي بمناسبة عيد الأضحى المقبل الذي سيحتفل به يوم 22 يوليو، وهو الذي يصادف الذكرى المئوية لمعركة أنوال ويخشى آخرون أن يتأخر العفو عدة سنوات.
لقد تم إغلاق الحدود البرية لسبتة ومليلية مع المغرب منذ مارس 2020 بسبب وباء كورونا . هذه الأزمة الصحية رافقها توتر دبلوماسي بين البلدين. نشأ التوتر بعد أن حاول المغرب إقناع الحكومة الإسبانية بتعديل موقفها بشأن الصحراء الغربية وبعد أن سمحت وزارة الخارجية الإسبانية باستقبال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في مستشفى في لوغرونيو في شهر أبريل. والنتيجة هي أنه لم يتم تحديد تاريخ لفتح تلك الحدود. على الرغم من أن سكان الريف القريبين من المدن الإسبانية المستقلة قد تظاهروا في عدة مناسبات للمطالبة بفتحها.
المؤرخ فيسينتي موغا ، الذي ولد عام 1953 في مناجم الريف في ويشان أيام الاحتلال الإسباني والذي يعمل مديرًا للأرشيف العام لمدينة مليلية ، يأسف لأنه في هذه الذكرى المئوية ، أتيحت الفرصة لخلق “ديناميكية المصالحة بين الشعبين المغربي والإسباني بعد أن اصطدما منذ زمن بعيد “.
ويعد موغا النسخة الكاملة في خمسة مجلدات من ملف بيكاسو، الذي سيقدمه في مليلية في 30 أكتوبر2021. ويعلن أنه في 29 يوليو سيتم افتتاح معرض مائة عام من العزلة في مليلية. أنوال 1921-2021.
يقول موغا إن المؤسسات العسكرية الإسبانية لا تزال تتذكر معركة أنوال بصفتها إهانة كبيرة و تفضل الحديث عن “استعادة” الريف لاحقا بدلا من تذكر “الفضيحة”. “في مليلية كل المعالم تتحدث فقط عن الأبطال، في حين أن ذكرى أنوال في المغرب لا تكاد تذكر ، كما أن صورة عبد الكريم موجودة في العديد من المنازل في الريف، خلف الأبواب المغلقة. ولكن لا أحد يشيد بإرثه في الأماكن العامة.
يلخص مساهم سابق في الاحتجاجات، طلب عدم الكشف عن هويته، ما قد يكون رأي العديد من الآخرين: “لم أعد أساهم في أي تحرك . هناك فرق بين أن تدافع عن مبادئك وبين الانتحار “.
بعد مرور مائة عام على معركة أنوال ، يسيطر المخزن ومصطلح يعني عادة القصر الملكي في المغرب، على أي حركة في أرض أحفاد عبد الكريم من أجل قمعها . وبالقرب من أنوال تقف سيارة مرسيدس سوداء وراء سيارة أصحاب هذا التحقيق الصحفي ويخرج رجلان من السيارة ويبدو من مظهرهما إنهما ليسا سياحا ولا يشعران بالحاجة إلى التعريف بأنفسهما، على الرغم من أن أحدهما يسجل الصحفيين بهاتفه النقال .
بعد فترة من الزمن قدما لتبادل الحديث وشرعا في التعليق على إغلاق الحدود مع مليلية قائلين إنه قبل أن تغلق الحدود ، كانت الحافلات تأتي من هذه المدينة في عطلة نهاية الأسبوع لرؤية سهل أنوال وعندما سألناهما عن مصدرعيش ه الناس في المنطقة الآن ضحكا ثم قال أحدهما: “من الزراعة” وأضاف الآخر: “لكن معظم الشباب يحلمون بالذهاب إلى إسبانيا” ثم قال أحدهما مازحا “أليس معك تأشيرة لي؟”.
تنعكس الصدمة التي تركتها معركة أنوال على إسبانيا في الأدب مع أعمال مثل La forja de un rebelde لأرتورو باريا ؛ إيمان دي رامون و خ. سيندير ، أو ، على سبيل المثال ، El nombre de los Nuestro ، بقلم لورينسو سيلفا.ون بين التحقيقات التاريخية ، من أكثر التحقيقات انتشارًا هي Mortal Embrace أو اعناق القاتل بقلم سيباستيان بلفور ، وكذلك سيرة عبد الكريم الخطابي بقلم ماريا روزا دي مادارياغا ويؤكد عمل المؤرخ والصحفي خورخي م. ريفرتي ، رحلة النسور (جوتنبرج جالاكسي) ، على رؤية سكان الريف لتلك الأحداث .
لقد تم تقسيم منطقة الاستعمار الإسبانية في شمال أفريقيا (1912-1956) إلى منطقتين: واحدة بالقرب من مليلية والأخرى قرب سبتة و في الوسط كانت مدينة الحسيمة، حيث سادت قبيلة عبد الكريم. كان الجنرال مانويل فرنانديز سيلفستر ينوي غزو المدينة التي طال انتظارها من أجل بسك سيطرته الكاملة على المستعمرة وكان الجنرال قد وصل في يناير 1921 إلى سهل أنوال دون مواجهة أية مقاومة واعتقد أن النصر كان في متناول يده .
الا ان التحذير الاول من ان هذا الحلم قريب من التلاشي جاء فى الفاتح من يونيو من جبل ابرّان وهو موقع أمامى على بعد تسعة كيلومترات من أنوال . في ذلك اليوم، قتل مضيفو عبد الكريم 24 جنديا إسبانيا وتم إبلاغ سيلفستر أن عبد الكريم كان يوحد العديد من القبائل المتنافسة، لكنه تجاهل هذه الحقيقة.
وجاء التحذير الثاني والأخير من جبل إغيرين، الذي يمكن رؤيته من سهل أنوال حيث كان هناك حوالي 350 جنديا إسبانيا منذ 7 حزيران/يونيه. وكان أقرب مصدر للمياه على بعد أربعة كيلومترات. وحاصرتهم قوات عبد الكريم ثم هاجمتهم في 17 يوليو وسرعان ما نفد الماء عند الإسبان.
وبعد أربعة أيام، توفي بالفعل 339 جنديا بينما وصل عدد قليل من الناجين إلى سهل أنوال وناك وقعت الهزيمة الكارثية.
وسقط المزيد والمزيد من الجنود في ممرات إزومار الضيقة وطاردتهم قوات عبد الكريم. ولا يعرف ما إذا كان الجنرال سيلفستر أصيب برصاصة أو انتحر.
وكان معظم القتلى من الجنود المتواضعين، الذين لم يتمكنوا من مغادرة الخدمة العسكرية بدفع مبلغ من المال، كما فعل الآلاف من مواطني الطبقة المتوسطة. وسخر منهم الريفيون باستعمال وصف “أصحاب السراويل المرقعة ” أو “أكلة الضفادع”.
وظلت إسبانيا بلدا في حالة تراجع يحاول جمع الفتات الاستعماري الذي تخلت عنه المملكة المتحدة وفرنسا في شمال أفريقيا، وكان كل منهما يشك في الآخر. وكلفت إسبانيا بإدارة “منطقة حمايتها” وتحديثها . وفي الوقت نفسه بدأت تجري المفاوضات مع القبائل حول استغلال المناجم في المنطقة .
على بعد 30 كيلومترا من مليلية توجد أنقاض مناجم الحديد في ويشان ، حيث كانت هناك في أيامها قرية إسبانية. والآن يصرخ طفل بكلمة “الرومي ” عندما يرى الأجانب، وهي نفس الكلمة الأمازيغية التي كانت تستعمل لتسمية “المسيحيين” قبل قرن من الزمان. وقد اختفت الثروة المعدنية منذ مدة طويلة.
والآن، يعيش ورثة جنود لعبد الكريم من أبناء الريف بالقرب من هذه المناجم المنهكة على الزراعة والتحويلات المالية القادمة من المهاجرين في أوروبا. ويشرح لمعلم قائلا: “هناك أشخاص آخرون يشاركون في تجارة السيارات المستوردة من أوروبا.
في خضم ذلك الارتباك و الفرار نحو مليلية ظهر فوج الخيالة القنطرة رقم 14. وكان رئيسه هو المقدم فرناندو بريمو دي ريفيرا، شقيق الديكتاتور المقبل ميغيل بريمو دي ريفيرا. هذا الضابط ورجاله ال 691 غطوا انسحاب أكثر من 3000 جندي بتضحية أولئك الذين يعرفون أنهم سيموتون.
لقد قاتلوا عدة مرات ضد عدو أقوى منهم وماتوا جميعا تقريبا. في عام 2013، حصل هذا الفوج بشكل جماعي على وسام كروز لوريادا دي سان فرناندو، وهو أعلى وسام عسكري إسباني. ويتأسف الكاتب أرتورو بيريز – ريفيرت على غياب ولو تسجيل مصور واحد أو فيلم واحد عنهم. وهناك أيضا أصوات ناقدة تشير إلى أن هذه التضحية “الانتحارية” لهذا الفوج من الجنود لم يكن لها منطق وعكست احتقارا للحياة في ذلك الوقت.
بعض المثقفين الريفييين العارفين بمعركة أنوال و ملابساتها يفضلون تجاهل تجاهل كل شيء عن جنود الكانتارا الإسبان ويعتقد آخرون، مثل حسين البغدادي منسق مجموعة تاوسنا (الثقافة باللغة الأمازيغية) المهتمة بتوثيق التراث الشفوي في الريف الشرقي، أن الإسبان يعطون أهمية كبيرة لهذه المبادرة.
كان حصن جبل العروي هو المكان الذي عاش أصحابه كارثة أنوال بطريقة أكثر مأساوية من غيرهم. هناك، تمت محاصرة الناجين من “أنوال ” والجنود الذين كانوا يحرسون الثكنات، في المجموع كان عددهم حوالي 3,000 جندي، في الفترة من 29 يوليو إلى 9 غشت في انتظار أن تساعدهم قوات مليليه وهو ما لم يحدث أبدا واستسلم معظم الجنود الذين أرهقهم إطلاق النار والعطش من العدو. لكنهم قتلوا، و بعضهم قطعت رؤوسهم بمجرد تسليم أسلحتهم.
ومن المدهش عند الوصول إلى جبل العروي أنه لا يوجد جبل، ولكنه فقط تل ناعم وليس به ولو واجهة شديدة الانحدار. في الجزء العلوي منه ينتصب الحصن. والآن، في ذلك المكان الذي عانى فيه الكثير من الإسبان من الخوف والعطش، يوجد خزان مياه تابع للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وفوقه يرفرف العلم المغربي الأحمر للمغرب. كان لدى العروي حينها 500 نسمة قبل قرن من الزمان، واليوم يسكن هذه المدينة الصغيرة 50,000 نسمة.
ويعلق حسين البغدادي وهو من سكان القرية، قائلا: “قال الإسبان إن سكان قبيلة العروي أي قبيلة بني بو يحي، قوم خائنون . لكنهم لا يقولون إنهم ( أي الإسبان) لم يحترموا الاتفاق مع هذه القبيلة و بعض المسؤولين أساءوا معاملة النساء. وهذه حقيقة هامة كثيرا ما تنسى. والملاحظة الأخري هي أنه عندما استسلم الإسبان، دخل ستة من أهل الريف من أجل جمع الأسلحة. وكان هناك جنود في الداخل لا يريدون الاستسلام وأطلقوا النار على أبناء الريف.”
وتعتبر المؤرخة روزا ماريا دي مادارياغا أنه من الطبيعي لسكان العروي وجيرانهم أن يحاولوا “تبييض” سلوك أفراد قبيلة بني بو يحيى وتوضح أن الذين ذبحوا الجنود العزل لم ينتموا إلى مقاومة الريف في عهد عبد الكريم، بل إلى القبائل في المنطقة الشرقية، وبعضهم، مثل بني بو يحي، “لم يكونوا حتى ناطقين بالبربرية، بل من العرب”. ومع ذلك، تفترض دي مادارياغا أن هناك “خلفية صادقة” في الرواية المتداولة حول العروي “إن قيام ضباط الشرطة الاستعمارية [الإسبان] غتصاب النساء في كثير من الأحيان من منطقة القبائل حقيقة لا جدال فيها. وندد النائب الاشتراكي إنديلسيو بريتو في خطاب شهير في البرلمان في أكتوبر 1921 بقضية نقيب اغتصب حوالي “50 امرأة مغربية”. وفيما يتعلق بإعدام الريفيين ،يوضح أنه حدث عندما اقتربت مجموعة من حوالي 30 من أهل الريف من الحصن يرفعون أعلاما بيضاء، بنية التفاوض فازداد الذعر بين المحاصرين. يقول دي مادارياغا: “ثم سمع أمر بإطلاق النار على أولئك الذين كانوا بالفعل على أبوابهم، فأطلقت النار تاركة فوق الأرض نحو 50 جثة”.
ويخلص إلى أن قتل الجنود الإسبان، بعد تسليم أسلحتهم، “ما كان إلا انتقاما من غدرهم لأفراد من بني بو يحي، الذين كانوا يحاولون التحدث إلى الإسبان حول شروط استسلام الموقع”.
ويضيف البغدادي أنه على الرغم من هذا الحدث المؤلم، حافظ شيوخ العروي على ذكرى جيدة حول الإسبان. “لأنهم تركوا الطرق والمدارس، علمونا كيف نزرع الأرض … حتى اليوم، عندما لا تمطر السماء لمدة طويلة، هناك من الذين يقولون أنه دليل على الانتقام للإسبان. أما بالنسبة للشباب هنا، فإنهم اليوم يريدون فقط الوصول إلى إسبانيا، لأنهم يعتبرون أنها هي فردوس النعيم”.
لم تبق الكثير من الآثار الشاهدة على الوجود الإسباني في الريف وجيل ناصر الزفزافي، 41 عاما، بالكاد يتحدث الإسبانية. لكن كبار السن مثل والده يتحدثونها ومع ذلك، في الساحة المركزية من الحسيمة تتنصب المدرسة الإسبانية ميلشور دي جوفيليانوس. هناك، كان يعمل أستاذا لمادة التاريخ ميغيل أنخيل رودريغيز تاتو، الذي اهتم كثيرا بتاريخ شعب الريف،. “لقد أثارت انتباهي طبيعتهم الفوضوية المشاغبة ورفضهم للرضوخ . إنهم قوم لا يُقهرون
لقد كان هذا المجتمع فقيرا لدرجة أنه لم تبرز منه نخبة يمكنها أن تعيش على موارد الآخرين. ولهذا السبب لا توجد قلاع ولا قصور ولا حصون”.
ـ المصدر: “إلباييس”
ـ نقله إلى العربية: أحمد إبن الصديق