قال عمر بندورو أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، إن المغرب شهد تراجعات كبيرة بعد مرور عشر سنوات على انطلاق شرارة احتجاجات حركة 20 فبراير، خاصة على مستوى الحقوق والحريات.
وأكد بندورو أن الدولة لم تتجاوب لا مع المطالب الأساسية لحركة 20 فبراير، ولا مع مطالب الحركات الاحتجاجية الأخرى التي تلتها، فالسلطة تنهج لحد الآن سياسة العنف اتجاه كل الحركات الاحتجاجية، حتى تضمن عدم توسعها وانتشارها، لكن هذه الوسيلة غير ناجعة على المدى الطويل ولن تضمن استقرار النظام.
وفيما يلي نص الحوار:
ما الذي تغير بالمغرب بعد عشر سنوات من حركة 20 فبراير؟
نلاحظ منذ 2011 تراجعات كبيرة ومقلقة للحريات والحقوق بالمغرب، سواء تعلق الأمر بحرية تأسيس الجمعيات أو حرية التعبير والتجمعات العمومية، كما يلاحظ نهج سياسة التضييق اتجاه كل الفاعلين الحقوقيين الذين لا ينخرطون في السياسة الرسمية أو ينتقدونها، كما تم إقرار سلوك خاص اتجاه المنتقدين للسلطة يتمثل في التجسس على حياتهم الخاصة، ومتابعاتهم قضائيا من أجل إسكاتهم، إلى جانب انتشار صحافة التشهير خاصة الإلكترونية القريبة من السلطة التي تستهدف أصحاب الآراء المخالفة ولا تخضع لأي عقوبات أو متابعات قضائية، وهنا تطرح إشكالية وضعية القضاء ومدى استقلاليته اتجاه السلطة السياسية.
هل يعنى هذا أن الزخم الحقوقي الذي جاءت به الحركة تلاشى وأنها فشلت في تحقيق أهدافها؟
حركة 20 فبراير تبقى حركة ليست هيئة منظمة مع هياكل وفروع إقليمية قادرة على التحول لحزب سياسي، لكن إيجابية الحركة أنها استطاعت أن تطرح على الساحة السياسية مواضيع حساسة لم تطرحها الأحزاب السياسية التقليدية، بل دفعت ببعض الأحزاب إلى الانخراط والانضمام إلى مطالبها.
بالنسبة لي فشل الحركة راجع ربما إلى انعدام الإرادة لتحويلها إلى منظمة سياسية من أجل المشاركة في مختلف الانتخابات، حتى يتم الضغط على السلطة للاستجابة لمطالبها.
ومن جهة أخرى لا يمكن إنكار أن الحركة بنفسها طالتها وأعضاؤها موجة من التضييقات من طرف السلطة من أجل الحد من انتشارها.
وفشل الحركة أيضا وضعفها ناتج كذلك عن انسحاب جماعة “العدل والإحسان” منها ومشاركة حزب “العدالة والتنمية” في الحكومة وإعطاء الشرعية لكل الخروقات الدستورية، ولانتهاكات الحريات والحقوق.
هناك من يروج أن الحركة مجرد ذكرى وصفحة طويت هل تتفق مع هذا الطرح؟
لا أتفق بالطبع مع وجهة النظر هاته، حركة 20 فبراير تبقى حركة بإمكانها أن تعود بقوة إلى الساحة السياسية لأن المطالب التي طرحتها، هي مطالب منبثقة من المجتمع المغربي، وما يطمح له الشباب القلق على مستقبله الذي يشوبه الغموض وعدم الاستقرار السياسي، فمطالب إقرار نظام ديمقراطي وإنهاء الفساد والمحسوبية، والتوزيع العادل للثروة، هي مطالب مشروعة من شأنها إقرار المساواة والعدالة الاجتماعية في البلاد.
ألم تحمل الحركة بذور الفشل في داخلها بالنظر لتكوينها الهجين (يسار وإسلاميين) وارتباطها بسياق خارجي (الربيع العربي)؟
حركة 20 فبراير ضمت مختلف الاتجاهات التي تريد التغيير وإقرار الديمقراطية والمساواة والقضاء على الفساد والامتيازات، وبما أن هذه المطالب مشتركة للجميع فالحركة عملت على تمثيل كل الاتجاهات فيها سواء الإسلاميون أو اليساريون وغيرهم، صحيح أن هذه التيارات قد تكون أحيانا متناقضة، لكن التعايش فيما بينها كانت بداية لحوار مستقبلي قد يسمح بإيجاد توافق بين مختلف المكونات خاصة اليسار والإسلاميين، حول النظام السياسي والإصلاحات السياسية والدستورية المرغوب التوصل إليها.
في نظري التعايش بين مختلف مكونات الحركة لم يكن سبب فشلها بل بداية للتوافق بين مختلف هذه المكونات، لكن مع اندماج حزب “العدالة والتنمية” في السياسة الرسمية، وانضمام الأحزاب التقليدية إلى مشروع دستور 2011، كل هذه الأسباب أدت إلى إخفاق استمرارية مطالب الحركة، يضاف إليه الدعم الخارجي للإصلاحات الدستورية، التي سمحت للنظام بالتضييق على الحركة فيما بعد.
لماذا سارعت السلطة للتفاعل مع بعض مطالب الحركة بإقرارها لدستور جديد ينص على الملكية البرلمانية مقابل عدم تجاوبها مع مطالب حركات اجتماعية ظهرت بعدها على رأسها حراك الريف؟
تفاعلت السلطة فقط في إقرار دستور جديد لإعطاء الانطباع إلى الخارج بأن النظام استجاب للمطالب الشعبية دون اللجوء إلى القوة كما حدث في تونس ومصر، والحقيقة أن دستور 2011 لم يستجب للمطالب الأساسية لحركة 20 فبراير، فإذا نصت ديباجته على الملكية البرلمانية فإن نصوصه أقرت كما كان سابقا ملكية حاكمة، وكرست المؤسسة الملكية كسلطة فوق السلط.
أما الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور فهناك تناقض فيما تم التنصيص عليه وما هو ممارس حقيقة، فبعض الحقوق والحريات المنصوص عليها تعطي الانطباع بأن الدستور أعطى أهمية قصوى لها، والحقيقة أنه نص على قيود كثيرة تجعل ممارسة الحريات رهين بإرادة الدولة والسلطة.
باختصار فإن الدولة لم تتجاوب لا مع المطالب الأساسية لحركة 20 فبراير، ولا مع مطالب الحركات الاحتجاجية الأخرى، فالسلطة تنهج لحد الآن سياسة العنف اتجاه كل الحركات الاحتجاجية، باعتبار أن العنف وسيلة للحد من ظهور الحركات الاحتجاجية وانتشارها.
هل يمكن أن نشهد حراكا جديدا مماثلا لحركة 20 فبراير؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيه حتى ينجح؟
الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب تجعل الاستقرار هشا جدا، لحد الآن رد السلطة على المطالب الاجتماعية والاحتجاجات يكون بالعنف حتى لا تتقوى وتنتشر وتتوسع، لكن هذه الوسيلة لا تضمن استقرار النظام، فالتجارب الأجنبية أظهرت أن التفاعل مع مطالب الشعب هو الأسلوب الناجع لضمان استمرارية النظام كما هو الحال في الملكيات الأوروبية، والأنظمة الأوربية من شرق أوروبا التي تخلصت من نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق.
تاريخ المغرب مليء بالحركات الاحتجاجية، ومع ذلك وضعية البلاد لم تتغير على صعيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي، فهل المغرب عصي على التغيير؟
كما قلت سابقا الوضعية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لا تضمن الاستقرار، إلا إذا تفاعلت السلطة مع المطالب الشعبية وأخرجتها للوجود باتخاذ إصلاحات عميقة ،تتمثل بالخصوص في إقرار ملكية برلمانية كما هو متعارف عليها عالميا، وإنهاء الفساد والمحسوبية والامتيازات، فالعنف يمكن أن يقلل مؤقتا من توسع الاحتجاجات ولكن لا يمكن أن يضع حدا لها، لأن الحركات الاحتجاجية ماهي إلا تعبير عن يأس المواطنين ورغبتهم في تحسين وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإقرار إصلاحات سياسية ودستورية تمكن الشعب من إقرار مصيره السياسي.