
عبد الله أفتات
مرت أزيد من 13 سنة على تدشين الملك محمد السادس للمدينة الجديدة “الشرافات” ضواحي مدينة طنجة، وبالضبط يوم الخميس 08 يناير 2009، الا أنها لم تنطلق بعد، ولا زال مستوى تقدم العمل في هذا المشروع الحضري، يعرف تباطأ كبيرا، ويطرح أسئلة كثيرة بخصوص تعثره، خاصة وأن هذا المشروع الذي أعطي له في حينه اهتماما رسميا كبيرا، يدخل في إطار البرنامج الوطني لخلق أربع أقطاب حضرية جديدة وهي مدن “تمسنا”، “تمنصورت”، “الخيياطة” و”الشرافات” بقيمة 10 مليار درهم.
حقوقيون ومراقبون واكبوا الملف منذ بدايته، يتحدثون بمرارة عن المشاكل الاجتماعية العويصة التي خلقها هذا الملف، والمنع المستمر الذي واجهته الساكنة المحتجة التي وجدت نفسها فجأة أمام واقع جديد، لتضطر للمصالحة والقبول بالأمر الواقع المفروض، حيث تشير المعطيات أنه تم ترحيل سكان المدينة الجديدة من ضواحي مدينة طنجة حيث كانوا يقيمون بالأحياء الشعبية، وما رافق عملية الترحيل من صعوبات كثيرة لا حصر لها، في غياب أي مواكبة اجتماعية، وفق مطلعين على الملف تحدثوا إلى موقع “لكم”.
وجاء الاجتماع الذي انعقد الجمعة 22 أبريل الماضي بمقر ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، حول هذا المشروع، ليعيد هذا الملف إلى الواجهة من جديد بعد سنوات طويلة من الركود، لدرجة أن هناك من بدأ يصفها بالمدينة “المنسية” وهناك من يطلق عليها “المدينة الشبح”.
ويأتي هذا الاجتماع الذي ترأسه والي الجهة، محمد مهيدية، بحضور عامل إقليم الفحص أنجرة الذي تتواجد فوق ترابه المدينة الجديدة، عبد الخالق المرزوقي، ورئيس مجلس إدارة مجموعة العمران المكلفة بتنفيذ المشروع، بدر الكانوني بعد أسابيع قليلة من زيارة وفد حكومي لمدينة الشرافات، ترأسته وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري.
وتهدف هذه اللقاءات المتتالية، حسب ما خلص إليه الاجتماع، إلى تأكيد الإرادة لتعزيز دينامية هذا المشروع العمومي الكبير، وكذا استعراض أهم المؤهلات التي يزخر بها.
وستنجز المدينة الخضراء الشرافات على مساحة 1300 هكتارا وباستثمارات تقدر بـ 24 مليار درهم، بالجماعة القروية “جوامعة” المحسوبة على تراب إقليم “الفحص أنجرة”، وحسب معطيات رسمية، تروم إلى توفير جودة حياة عالية لفائدة القاطنين، بفضل مخطط حضري منخفض الكثافة السكانية، ووفرة المساحات الخضراء، ومناطق للتشغيل، وتجهيزات عمومية جماعية (الصحة، التعليم، الرياضة، الترفيه ..)، والتي تعتبر من بين ضروريات الحياة الحضرية العصرية والمزدهرة.
الملك محمد السادس أثناء تدشينه المشروع عام 2009
وحول آخر مستجدات الدعاوى التي رفعتها ساكنة جماعة اجوامعة ضد شركة العمران والتي استغرقت سنوات طويلة، كشف أحمد الزوجال وهو أحد الحقوقيين المواكبين عن قرب لهذا الملف، أنه وبعد توقيع اتفاقية تفاهم وصلح مع آخر قرية معنية بالموضوع بعد سنوات طويلة ومليئة بالاحتجاجات، تم التنازل عن الشكايات من الطرفين.
يشار إلى أن موقع “لكم”، تواصل مع وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة في شخص مسؤولة التواصل، لأخذ رأي وتوضيحات الوزيرة في الموضوع، لكنه لم تتلقي أي تفاعل رغم تأكيد المسؤولة توصلها بأسئلة الموقع.
المشروع كان محاولة للحد من الفوارق الحضرية
اعتبر عدنان المعزالباحث في مجال الحكامة والتنمية المحلية، أن مشروع “الشرافات”يأتي تشييده كمركز حضري جديد، كمحاولة للحد من الإشكالات التي يعرفها المجال وليشكل منطقة ربط جديدة بين القطبين طنجة وتطوان ومنطقة حضرية جديدة لتنمية المنطقة والحد من الفوارق بين الأقطاب الحضرية المتواجدة.
وأشار المعز الذي يشتغل أيضا رئيسا لمركز ابن بطوطة للدراسات وابحاث التنمية المحلية، إلى أن جهة طنجة تطوان عرفت منذ بداية القرن العشرين تغيرات سياسية، اجتماعية واقتصادية جعلتها تنمو بمعزل عن باقي التراب الوطني، مبرزا في تصريح لموقع “لكم”، أن التصميم الوطني لإعداد التراب الوطني شخص هاته الوضعية بوضوح وبسط مجموعة من الـإجراءات والتوجهات الكمينة بإدماج الجهة بالاقتصاد الوطني مع إصلاح الاختلالات التي همت العقار والأنشطة الاقتصادية.
تصميم المشروع كما تم تقديمه أمام الملك محمد السادس عام 2009
هذا النمو الذي تحكم به التبعية للاستعمار الاسباني ـ حسب الباحث ـ قوى من ترابط هاتين المدينتين في اطار ثنائية حضرية واقتصادية مع وجود قطب حضري ثالث يلعب دورا خفيا في غاية الأهمية وهو مدينة سبتة المحتلة، حيث عرفت منطقة الشمال نموا ديموغرافيا هائلا ومعدلات هجرة مرتفعة بسبب وفرة فرص الشغل، مما جعل مدينة طنجة مثلا تنتقل من حوالي 70000 نسمة سنة 1915 الى مليون نسمة سنة 2015.
وقال رئيس مركز ابن بطوطة، أن ما أشار إليه عائد الى مؤهلات المنطقة الطبيعية والجغرافية والتي أثرت إيجابا على تنميتها، خصوصا مع تشييد ميناء طنجة المتوسط والمناطق الصناعية المحيطة به، وهو ما خفف الضغط على المركز الحضري طنجة الذي عرف ضغطا مهولا وخطيرا على الموارد الطبيعية، من قبيل استنزاف الغابات والموارد المائية والمساحات الخضراء، وهو ما أدى إلى ارتفاع أمراض السل والتنفس بشكل عام بالإضافة الى الامراض الاجتماعية المعلومة من انتشار الجريمة وتعاطي المخدرات والتطرف.
أسباب تأخر المشروع
المشروع الذي كان يراد له أن يكون كبيرا ونموذجيا، اصطدم بمجموعة من العوامل، ففي نظر الحقوقي أحمد الزوجال، فإن من أسباب تعثر مشروع المدينة الجديدة شرافات كل هذه السنوات يعود لأسباب متداخلة فيما بينها، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي متعلق بالحكومة والشراكة الحكومية، لكن على رأس هذه الأسباب عدم تصفية الوعاء العقاري للمدينة قبل التدشين مما خلق مجموعة من المصاعب والعراقيل.
كما أن عدم استثمار المنعشين العقاريين بالمدينة باد للعيان، وهذا عائد يقول الزوجال لموقع “لكم”، لكون انطلاقة المدينة رافقتها احتجاجات وما الى هنالك بسبب الوعاء العقاري الأمر الذي خلق تخوفات لدى المستثمرين والمنعشين العقاريين، لكنه يعتقد أن هذا الأمر تم تجاوزه حاليا.
أما الجمعوي، يوسف اللغميش فقد أرجع أسباب هذا الجمود و التأخر في تنفيذ المشروع لعاملين اثنين:أولهما أن الوعاء العقاري الذي ستقام عليه المدينة، لم تتم بعد عملية تصفيته بالكامل بعد أن دخل ردهات المحاكم مما عقد المساطر المتعلقة به، في حين ربط العامل الثاني في حديث مع موقع “لكم”، بالتغييرات التي لحقت التصور الموضوع لمشروع المنطقة الصناعيةTanger Automotive City عقب النجاح الذي حققته في استقطاب الاستثمارات وما أعقبها من توسيع.
واعتبر اللغميش، وهو أحد المراقبين للشأن المحلي بإقليم الفحص أنجرة، أنه فضلا عن فاتورة تأخير هذا المشروع المقتطعة من درجات التنمية فان هذا التأخير في توفير عرض سكني بالقرب من مقرات العمل لعمال مصنع رونو و المنطقة الصناعية Tanger Automotive City ، خاصة ما يتعلق بخفض زمن وكلفة التنقل، والتقليل من المشاق والاختناق المروري والمخاطر ذات الصلة بالتنقل اليومي للعمال بين مدينة طنجة ومنطقة ملوسة ـ اجوامعة، فإن هذا التأخير أفقد المدينة الجديدة زبناء مفترضين لاقتناء عرضها السكني باعتبار أنهم حاليا قد أضحوا مستقرين في مختلف أحياء مدن طنجة وتطوان.
في نفس الاتجاه ذهب أحمد العمراني عضو المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمتابع لهذا الملف، حيث قال في حديث مع موقع “لكم”، إن مشروع مدينة الشرافات كان مشروعا كبيرا وواعدا ومتنفسا لمدينة طنجة، لكن تعثره يعود لاعتبارات عديدة، هناك ما هو مرتبط بنزع الملكية حيث تم ضم مداشر ساكنته الأصلية التي كانت تقطن هناك منذ مئات السنين، ثم عدم وضع بنيات تحتية متطورة للولوج إلى فضاء المدينة الجديدة، كما أمه لم يتم الالتزام ببناء مرافق اجتماعية كافية لتشجيع الناس على الاستقرار والبناء بها، مضيفا أن كل هذا صاحبه تعويض غير ملائم لمئات الأسر رحلت من المنطقة التي تم ضمها للمشروع .
وأشار العمراني، الذي شغل سابقا مهمة رئيس فرع “العصبة” بإقليم الفحص أنجرة، أنه كان يمكن لهذا المشروع أن ينجح نسبيا لو كانت المدينة الجديدة في محيط مركز حكامة لتوسعة هذا المركز مما كان سيحقق له نجاحا نسبيا لإطلاله على الطريق الوطنية الرابطة بيان تطوان وطنجة، مضيفا أنه عدم اختيار الفضاء الترابي الملائم القابل للنجاح أثر على قابلية الاستقرار به خاصة من طرف عمال مصنع رونو ، الذين يعتبرون الأكثر قربا منه. يضاف إلى ذلك، حسب العمراني، عدم وجود وسائل نقل عمومية تربط المدينة بمحيظها، وافتقادها إلى أساسيات السكن الحضري، وإلى المرافق الترفيهية التي تزخر بها مدن مثل طنجة.
تعثر المشروع تسبب في إشكالات عميقة للساكنة الأصلية
أما بخصوص التعويضات التي حصلت عليها الساكنة المهجرة والتي لا زالت تعاني حتى الآن، اعتبر الحقوقي أحمد الزوجال، أن التعويضات المالية بالنسبة للأضرار السطحية تمت حسب مقياس حددته لجنة مختلطة إقليمية، معتبرا إياه دون المستوى المطلوب، أما الجانب العقاري فأصل المشكل يكمن فيه حيث تم تحفيظ عقارات الخواص باسم جماعات سلالية بعينها وبالتالي لا حديث عن ملكية خاصة، وبعد نضال مستمر والخروج في وقفات ومسيرات احتجاجية ـ يضيف المتحدث ـ تم اقتراح تعويض الساكنة بـ 25 درهم للمتر كتعويض عن الاستغلال وليس مقابل نزع ملكية العقار لأنها لم تتم من الأصل .
وحسب الزوجال، الذي كان ولا زال قريبا من الملف، فإنه وبغض النظر عن التعويضات وقيمتها تم خلق مشكل اجتماعي عويص حيث أن أغلب الساكنة تم ترحيلهم لضواحي مدينة طنجة في الأحياء الشعبية، واليوم أصبحت تعيش صعوبات كثيرة لا حصر لها ، في غياب أي مواكبة اجتماعية وبهذا تكون “العمران” قد أخلفت بأهم بند في الاتفاقية، يقول الزوجال .
أما يوسف اللغميش، الجمعوي والباحث في الشأن المحلي للإقليم، فقد علق على هذه التعويضات، وكيف تعاملت السلطات مع هذا الملف قائلا، أما بالنسبة للتعويضات التي منحت للساكنة المحلية التي انتزعت ملكية عقاراتها بعد إفراغ ثلاثة مداشر من السكان الذين تم تهجيرهم والدفع بهم نحو المجهول في اتجاه مدن المنطقة، فأقل ما يمكن وصفه بها هو أنها تعويضات رمزية افتقرت للبعد الاجتماعي كون هؤلاء المواطنين قد تم تعويضهم فقط عن أملاكهم العقارية بمبالغ رمزية دون مراعات للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لعملية ترحيلهم، ودون مواكبة بعدية لهم أو حتى التفكير في آليات إدماجهم اقتصاديا، بحث أن ترحيلهم يعني تغيير نمط اجتماعي واقتصادي متوارث لقرون مرتبط بالأرض و الفلاحة إلى نمط اقتصادي واجتماعي مجهول.
من جهته، أوضح عدنان معز، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وابحاث التنمية المحلي، في تصريح لموقع “لكم”، أن المشروع الرسمي لمدينة الشرافات كان من المتوقع ان يتم الانتهاء من الأشغال به عام 2020، أي بعد عشر سنوات من بداية الأشغال وهو ما لم يتم الى اليوم، مضيفا، بأن تعثر المشروع تسبب في إشكالات اجتماعية واقتصادية عميقة لساكنة المنطقة.
وأشار المعز، إلى أن عملية نزع ملكية الأراضي وعملية التحفيظ شابتها خروقات واحتجاجات عديدة، كما نتجت عن العملية هجرة سكان المنطقة بعدما لم يتم ادماجهم في بنايات استقبال حضرية معدة مسبقا لهم، كما أن من تبقى منهم واجهوا مشاكل في إعادة الاندماج في محيط صناعي هم غير مؤهلين له، بحكم ان المنطقة ظلت لعقود منطقة قروية معزولة تعرف خصاصا كبيرا في المرافق العمومية.
ومن المشاكل الأخرى التي اعترضت المدينة الجديدة، حسب الباحث، اشكال نزع ملكية الأراضي من أصحابها حيث أدت المشاكل العقارية والمنازعات القضائية الى تأخر بناء الوحدات السكنية، وبالتالي تعثر المشروع لسنوات عديدة رغم أن المنطقة أصبحت تعرف دينامية اقتصادية مهمة، فتم خلق حوالي 130 ألف منصب شغل بالمنطقة مما ساهم في تعميق المشاكل الحضرية التي تعرفها مدينة طنجة وظهور احياء عشوائية منتشرو بالجماعات القروية المحيطة بالميناء.
مستقبل المشروع
مستقبل هذا المشروع مطروح بقوة اليوم وسط المراقبين، حيث اعتبر أحمد الزوجال، أن المشروع سيتم انجاحه ولو بعد حين، لكن بكلفة مادية باهظة ستتجاوز الغلاف المالي المقدر في البداية، ولن تكون هناك مدينة إيكولوجية كما قيل أثناء التدشين، متأسفا كون المدينة الجديدة اقتلعت جزء من تاريخ المنطقة أمام سمع ونظر الجميع دون تحريك ساكن.
التصميم الجديد لما يمكن أن تكون عليه المدينة مستقبلا
من جهته، عبر عدنان المعز عن تفاؤله بهذا الخصوص، معتبرا أن إعادة فتح ملف مدينة الشرافات من طرف السلطة الحكومية المسؤولة هو مؤشر ايجابي لفائدة ساكنة المنطقة بالدرجة الأولى، بحيث أن خلق مركز حضري يقطنه حوالي 150 ألف نسمة سيمكن ساكنة المنطقة من إقامة مشاريع اقتصادية صغيرة تلائم مؤهلاتهم، وسيتم ربط تحويل مجموعة من المؤسسات العمومية التابعة لإقليم فحص انجرة المتواجدة اليوم بمدينة طنجة، وهو ما يعني تحقيق تنمية مستدامة للمنطقة ظلت مؤجلة لسنوات .
بدوره اعتبر الباحث يوسف اللغميش، أن نجاح هذا المشروع المهيكل رهين كذلك بتدارك تأهيل المجالات المحيطة به (مدشر برارق) من حيث إعادة هيكلته، ورصد استثمارات عمومية لتقوية بنياته التحتية بما من شأنه أن يجعل منه امتدادا للمدينة الجديدة.