الأوروعربية للصحافة

أحلام السكن بالمغرب .. بدائل تضامنية لامتلاك “قبر الحياة”

يكدح المغربي البسيط ويعمل بجد لسنوات وأمله معقود على امتلاك منزل أو ما يطلق عليه المغاربة “قبر الحياة”، ليكون ملاذا له ولأسرته. وتتنافس شركات العقارات على إغراء المواطنين بعروضها المتنوعة، بيد أن العديد من ذوي الدخل المحدود والفئات المتوسطة يلجؤون إلى طرق بديلة لامتلاك سكن لائق، مثل “دارت” (القرعة) والجمعيات والتعاونيات والوداديات السكنية، وهي طرق سمتها المشتركة أنها تضامنية. زينب واحدة من هؤلاء المغاربة الذين اقتنوا مساكنهم عن طريق ما يسمى “دارت”، فهذه المرأة التي تعمل وزوجها في القطاع الخاص تمكنت بعد سنوات من عضويتها في جمعية تضامنية من امتلاك شقة أحلامها. و”دارت”، أو “القرعة” كما يسميها آخرون، عملية قديمة متداولة بين ذوي الدخل المحدود، يدفع كل شخص قسطا من المال نهاية كل شهر، وتجمع الأقساط وتعطى للأعضاء فيها بشكل دوري بعد إجراء قرعة تحدد الترتيب. هذه العملية كانت وسيلة الفئات الشعبية لجمع المال من أجل تمويل حفل زفاف أو قضاء عطلة أو شراء أثاث أو سداد دين، لكنها توسعت اليوم وأصبحت حلا لجمع وادخار مبالغ أكبر تُعين على شراء السكن. وتشرح زينب للجزيرة نت طريقة عمل هذه الجمعية، وتقول إنها تعرض أسهمًا على الأعضاء ثمن الواحد منها 400 درهم مغربي (حوالي 42 دولارا)، يقتني كل عضو عددا من الأسهم حسب قدرته المادية، ثم يتم ترتيب المستفيدين وفق شروط مثل السن وعدد الأبناء والمبلغ الذي يدفع في الإيجار وعدد الأسهم.

وتوضح أنه في غضون عشر سنوات، كان جميع أعضاء الجمعية -وعددهم أربعون- حصلوا على مبلغ مالي محترم مكّنهم من شراء منزل. لم تكن زينب تحلم -كما تقول- بامتلاك شقة وسط العاصمة الرباط لولا وجود هذه الصيغة البديلة، خاصة أنها وزوجها يرفضان -بقناعة دينية- الاقتراض من البنوك “الربوية”.

طرق تضامنية متعددة وجد عدد من المغاربة في هذه الطريقة وغيرها نجاة لهم من التكلفة العالية للعقارات في المغرب وهربا من الارتهان للقروض البنكية التي تمتد إلى سنوات، حتى إن رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني لجأ إلى هذا الأسلوب التضامني عندما كان يمارس عمله طبيبا نفسيا، وبه اقتنى سكنه الخاص في سلا نواحي الرباط. وإلى جانب هذه الطريقة التي تمكّن الراغب في شراء سكن من ادخار المال وجمعه، هناك طرق تضامنية أخرى مثل الجمعيات والتعاونيات والوداديات السكنية، وتتنوع خدماتها بين توفير شقة جاهزة للأعضاء أو شراء وتجهيز أراض. وانتسب عبد الرحيم، وهو أستاذ في الثانوي، إلى إحدى الجمعيات السكنية ضواحي الرباط منذ أكثر من خمس سنوات، وحسب ما قال للجزيرة نت فهذا الحل أفضل من الاقتراض من البنوك وقضاء مدة قد تصل إلى 20 سنة في السداد. وتقوم فكرة الجمعية السكنية على عضوية عشرات الراغبين في امتلاك شقة، حيث يتم تحديد ثمن المتر المربع، ويدفع كل عضو جزءا من المبلغ الذي يخصص لشراء الأرض التي سيقام عليها المشروع، وبعد مرحلة الشراء يتم تقسيم المبلغ المتبقي على أقساط تدفع حسب تقدم الأشغال. ويقول عبد الرحيم إنه أنهى أداء ثمن الشقة التي تبلغ مساحتها مئة متر مربع، وهو ينتظر الإجراءات القانونية لتحويلها لاسمه. ويوضح أن انضمامه للجمعية السكنية جعله يعيد ترتيب أولوياته ويعمل على ترشيد نفقاته من أجل توفير أقساط الدفعات في وقتها. جودة وتكلفة رخيصة لا توجد إحصائيات حديثة عن عدد التعاونيات والوداديات السكنية بالمغرب، غير أن آخر إحصاء يعود لعام 2013 يشير إلى وجود حوالي 1090 تعاونية سكنية. ويبدو أن التكلفة الرخيصة للعقارات في السكن التضامني تغري المغاربة باللجوء إلى هذه البدائل، حسب ما أوضح للجزيرة نت رئيس فدرالية الوداديات والجمعيات السكنية بالرشيدية مصطفى نجو. ويشير نجو إلى أن التكلفة تصل أحيانا إلى حوالي نصف ما تعرضه شركات العقارات، يضاف إلى ذلك جودة البناء، فالمستفيد -كما يقول- يتابع مراحل التجهيز والبناء والتشطيب، ويشارك في اجتماعات دورية يبدي فيها ملاحظاته حول المشروع. وبحسب نجو، فإن الفئات المتوسطة وما دونها -من موظفين ومحامين وأطباء ومهندسين- يفضلون السكن التضامني، لأن ثمن العقارات يوزع على أقساط، فلا يجدون حاجة للاقتراض من البنوك. الخبير الاقتصادي عبد الرحمن لحلو يقول إن المقارنة بين التعامل مع مصرف وتعامل الناس بينهم في جمعيات سكنية يظهر تفضيل البعض اللجوء للجمعيات لما فيها من منفعة ومصلحة. ويشير إلى أن الذين يفضلون السكن التضامني هم في الغالب مواطنون لا يتعاملون مع البنوك التقليدية لقناعاتهم الدينية التي ترفض التعامل بالربا أو لديهم توجس من التعامل مع البنوك عموما. مضايقات ورغم الإقبال الذي يشهده السكن التضامني من الفئات المتوسطة، فإن مصطفى نجو لا يخفي وجود مضايقات تهدف لعرقلة استمراره، وقد ظهر ذلك -بحسب ما يقول- في موازنة 2018 حين أدخلت فرق برلمانية تعديلات على قانون الجمعيات والتعاونيات السكنية. وتنص المواد الجديدة على إقرار ضريبة على الأرباح، وتحديد الاستفادة من محل مخصص للسكنى في إطار هذه التعاونيات أو الجمعيات السكنية بمرة واحدة في العمر، ثم منع التصرف في السكن، إلا بعد أربع سنوات من اقتنائه بشكل نهائي. هذه الشروط يقول نجو إنها جاءت لتضييق الخناق على السكن التضامني بضغط من لوبيات العقارات أو من يسمون “المنعشين” العقاريين، وتمس بحق المواطنين المغاربة في اختيار طريقة امتلاكهم للسكن. ويوضح أن “هؤلاء يرون في التعاونيات السكنية منافسا لهم يحرمهم من الأرباح رغم أن تلك التعاونيات لا تهدف بالأساس إلى الربح بل إلى توفير سكن لائق لأعضائها في مدة معقولة وبثمن مناسب”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.