جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

الإهداء عن : مأسات الأميرة الثائرة

قريبا تصدر رواية  الجديدة  للأستاذ الخبير  “عتاب بقرة قرطبية”
(أو مأسات الأميرة الثائرة بالأندلس)
فيما يلي المشهد الأول من الرواية

(رواية الأميرة الثائرة بالأندلس)

عبد الوهاب إيد الحاج
الإهداء
إلى كل العالمات والمفكرات الأندلسيات اللائي اشتغلن في خفاء وناضلن في صمت غريب، ورغم القساوة والجفاء ساهمن في إنشاء أقوى حضارة في تاريخ الانسانية دون أن يذكرهن التاريخ.
المشهد الأول
عتاب الأجداد
في قرطبة وفي لحظة من الهذيان سوف لن تصدقوا ماذا وقع، فبعد تفكير عميق قررت أن أبقى في قرطبة ما تبقى من حياتي، فسني لم يعد يستحمل كل ما هو استعجالي. وكما قال لي صديقي الأستاذ المسن: من كثرتها تشابهت علينا البرامج الاستعجالية كما تشابهت الأبقار على بني إسرائيل، لكن هنا بقرطبة التأني والتريث والتفكير والاستماع هو سيد الموقف. فقد تكون دجالا أو ساحرا أو ما شئت، فأفكارك وما تقدم للناس بالملموس هو الذي يميزك. اذ وبعد مخاض طويل اتخذت هذا القرار. وفي مساء ذلك اليوم وبينما أنا أمشي في أحد شوارعها الفسيحة والجميلة أستريح من كثرة اللقاءات والمناقشات، أحسست بخطوات تتبعني. التفتت ورائي فإذا هي بقرة، يا للعجب بقرة تسير خلفي في أجمل شوارع قرطبة ! انحرفت قليلا لعلها تمر وتبتعد، لكنها أصرت على اتباع خطواتي لمدة ليست بقليلة. أخجلني هذا الموقف المحرج. عندها اضطررت أن أدخل متجرا تجاريا لكي أتخلص منها، وظننت أن المشكلة قد انتهت. لكنها اقتفت أثري إلى داخل المتجر. وتساءلتُ لماذا هذا الإصرار؟ ولماذا اختارتني أنا من بين مآت الناس من حولي؟ ألأنها أصيبت بجنون البقر؟ أم لأن ملامحي خليط من أما زيغي…عربي ,..افريقي، مختلف فأثار فضولها؟ أم هناك سر آخر لن يفك رموزه إلا من كان حيوانا؟ لكن عندما اقتربت مني أكثر، هذه البقرة التعسة ودنت همست في أذني وباحت لي بأسرار كثيرة وغريبة. أسرار لا تخطر على بال بشر ولا حيوان. حينها فهمت لماذا أنا المستهدف ولماذا أنا المقصود. لقد قالت لي كلاما خطيرا جدا.
أعدكم بأنني سأبقى وفيا لكم حتى ننهي معا لغز وقصة هذه البقرة القرطبية. كما أني جد متأكد أنكم سوف لن تصدقوني إن قلت لكم إن صديقتنا البقرة القرطبية هذه عندما دنت مني وهمست في أذني، تكلمت بلغة عربية بليغة وفصيحة، ذكرتني بلغة أدباء وعلماء الأندلس في أعز أيامها، أيام ابن رشد وابن خلدون وغيرهم من العظماء. ولا أخفيكم سرا أنني ارتبكت ارتباكا عظيما، وخفت على نفسي من الجنون، فكيف يمكن لبقرة أن تنطق بلغة الإنسان إلا في الخيال أو في عالم الجن؟ حينها خرجت من المتجر مسرعا مرعوبا من قوة الصدمة وتوجهت نحو الساحة الفسيحة المكتظة بالناس لعلها تخاف وتتركني لحالي، فلدي ما يكفي من المتاعب مع الإنس، فما بالك بمتاعب أخرى مع الجن !! لكن التعسة أصرت والتحقت بي مسرعة وهي تقول لي: انتظر أيها الرجل فوزني لا يسمح لي أن أسرع مثلك.
ورفقا بها توقفت فاجتمع الناس من حولنا وسألت أحدهم هل ترى هذه البقرة؟ وهل تسمع ما تقول؟ أجابني: نعم إنني أراها وأسمعها، فقلت: وماذا تقول؟ قال: لا أفهمها لأنها لا تتكلم باللغة الاسبانية. فقلت الحمد لله لست لوحدي من رأى وسمع هذا العجب. وبدأت أطمئن شيئا فشيئا على حالتي النفسية من الجنون والهذيان، لكنني أحسست بعياء وتعب كبيرين، فما شاهدته وسمعته هذا المساء لم يكن شيئا هينا على إنسان مسالم مثلي. فسقطت على ركبتي وهما ترتعشان وأنا مطأطئ الرأس أستريح وأحاول استرجاع أنفاسي من جديد. لكن التعسة اقتربت مني مرة أخرى وهي تتحدث إلي بكلام عربي جميل، شاعري وموزون، كله ألغاز لكنه مبطن بعتاب قوي. تأملت صوتها فوجدته ساحرا ورنانا كصوت آلة موسيقية. وبصوتها الرائع هذا أسمعتني كلاما كاد يبكيني، كلاما جارحا كالسيف، ولا يتحمل قساوته إنس ولا جان.
رفعت رأسي وأنا أنظر إليها، وبصوت مبحوح بالكاد يسمع قلت لها: إنك تقتلينني بكلامك هذا، فهو ينزل علي كالسهام، هل تعاقبيني على ما فعله أجدادي هنا بقرطبة منذ مآت السنين؟ أم تنتقمين مني لكوني أصبحت خارج التاريخ وخارج الجغرافيا وخارج كل المعادلات والتوازنات وغريب عن الديار؟ فأنا لست الذي تحكي عنهم، وليست لي يد فيما وقع لكم هنا، وفيما تشتكين منه، فلم تحمليني ما لم أفعل. أرادت أن تسترسل في عتابها الجارح لكنني قاطعتها قائلا: إنني كبرت يا هاته، وعانيت كثيرا وأنت الآن تشعرينني بالذنب، وأنا رجل مرهف الاحساس، فارحميني من فضلك، بالله عليك، فما نعانيه هناك أفظع مما تقولين عنه هنا. سكتُ قليلا ثم استرسلتُ قائلا: كنت أفكر أن أبقى ما تبقى من حياتي هنا في قرطبة، لكن كيف يستقر وجداني هنا بين عتاب الأجداد؟ لقد صرت بين مطرقة العتاب وسندان الاستعجال. حينها اقتربت مني وبدأت تمسح على ظهري بوجهها وهي تقول هون عليك أيها الرجل الطيب فأنا لا أريد بك أذى، كما أنني لست بجنية كما تظن.
قاطعتها قائلا ومن تكونين إذا؟ قالت أنا أميرة من أميرات الأندلس في زمانها الزاهر. لكنني تحولت إلى بقرة في ظروف غامضة، قلت لها إذن أنت جنية؟ قالت أنا إنسانة مثلك أحس كما تحس وأشعر كما تشعر. فدعني أحكي لك ما وقع لي فأنا في أمس الحاجة لمساعدتك، فإذا كنت أنت تتألم اليوم وتشتكي فأنا أتألم منذ ثمانية قرون دون أن يحس بآلامي أحد. بعدها ساد صمت رهيب ثم طأطأت رأسها. لأول مرة في حياتي أرى بقرة تبكي وعلى ملامحها حزن عميق. أشفقت عليها كثيرا، فرغم أنني أصبحت في وضع سريالي لا أحسد عليه تضامنت مع هذه البقرة كما هو تضامني الدائم واللا مشروط مع كل مظلوم من بني الإنسان والحيوان. فقلت لها بصوت حنون وأنا أحاول أن أتصنع على محياي ابتسامة: لماذا أنا بالضبط؟ قالت بعد أن استرجعت أنفاسها: لأنك تتكلم باللغة العربية وأنا لا أتقن إلا هذه اللغة، فأنا غريبة الديار مثلك. ما حكته لي هذه الأميرة ذات الصوت الجميل كان موضوعيا، لكن حسب إدراكي كإنسان لم أستسغه، إلا أن بين سطوره رسمت رسائل مشفرة عميقة جدا وخطيرة إلى أبعد الحدود.
سأحكيها لكم فيما تبقى من الكتاب إن شاء الله فصبرا جميلا،