أعادت “الأزمة” الأخيرة بين المغرب والمملكة العربية السعودية إلى الواجهة سؤال تفضيل المسؤولين المغاربة الحديث عن القضايا الكبرى للمملكة من خلال وسائل الإعلام الأجنبية وليس الوطنية؛ فَلمْ يعلم المغاربة بتوتر علاقة بلدهم مع السعودية من خلال القنوات التلفزيونية والإذاعية الرسمية، أو من وكالة الأنباء الرسمية، بل عبر وكالة “أسوشييتد بريس” الأمريكية.
“أسوشييتد بريس” نقلت أن مسؤولا مغربيا صرح لها باستدعاء السفير المغربي مصطفى المنصوري من السعودية قصد التشاور. وإثر نشر الخبر توالت اتصالات الصحافيين بوزارة الخارجية المغربية، لكنّ هذه الأخيرة فضلت عدم التعليق، لا نفيا ولا تأكيدا لخبر “استدعاء السفير”، قبل أن يفاجأ الرأي العام بوزير الخارجية ناصر بوريطة يتحدث عن الموضوع عبر وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء.
وبالرغم من أن خبر استدعاء السفير المغربي لدى الرياض لم يصدر عن جهة رسمية، واستندت وكالة “أسوشييتد بريس” في نشره إلى مسؤول حكومي لم تذكره بالاسم، فإن عدم رد وزير الخارجية ناصر بوريطة على استفسارات الصحافيين المغاربة، وتفضيله الرد عبر وكالة أنباء أجنبية، أعاد إلى الواجهة سؤال تفضيل المسؤولين المغاربة التعبير عن مواقفهم عبر وسائل الإعلام الأجنبية كلما تعلق الأمر بالقضايا المغربية ذات البعد الخارجي.
ويرى جمال المحافظ، الباحث في العلاقات الدولية والإعلام والاتصال، أن المسؤولين المغاربة يلجؤون إلى وسائل الإعلام الدولية، سواء وكالات الأنباء أو القنوات التلفزيونية والصحف ذات الانتشار الواسع، لتصريف مواقف المغرب المتعلقة بعلاقاته الخارجية، ضمانا لإشعاع أكبر لمواقف المملكة، لكنّه يؤكد أن هذا التوجه ينطوي على خطأ كبير، ذلك أن القضايا المغربية تهم الرأي العام المغربي أولا، ويجب أن تصله المعلومة عبر الإعلام المغربي.
استمرار المسؤولين المغاربة في التفاعل مع وسائل الإعلام الأجنبية، و”تهميش” وسائل الإعلام المغربية، يأتي في وقت تضع الحكومة التدابير الإجرائية لضمان تفعيل الحق في الوصول إلى المعلومات، الذي نص عليه الفصل السابع والعشرون من دستور المملكة.
وفيما يَرى المسؤولون المغاربة في التواصل مع الخارج عبر وسائل الإعلام الأجنبية مصدر قوة بالنسبة إلى المغرب، قال جمال المحافظ، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن هذا التوجه خاطئ، “لأن الذي يريد أن يكون قويا عليه أن يستقوي بإعلامه وبالرأي العام الداخلي وليس الخارجي”، موضحا أنّ الدول الديمقراطية تخاطب شعوبها، في مختلف القضايا، عبر وسائل إعلامها الوطنية أولا.
وبالعودة إلى الوراء، فإن تفضيل المسؤولين المغاربة إعطاء “السبق” لوسائل الإعلام الأجنبية وتفضيلها على وسائل الإعلام الوطنية قد يكون ناجما عن الإحساس بعلوّ مكانة الأجنبي. ويتذكر جمال المحافظ أن مسؤولي وسائل الإعلام المغربية في بداية ستينيات القرن الماضي ظلوا يشتكون دائما من حرص المسؤولين المغاربة على اصطحاب صحافيين أجانب في زياراتهم إلى الخارج بدل اصطحاب الصحافيين المغاربة.
وجوابا عن سؤال حول ما إن كان “تجاهل” المسؤولين المغاربة لوسائل الإعلام الوطنية، كلما تعلق الأمر بالقضايا الكبرى للبلاد، ينطوي على نوع من التنقيص إزاءها، قال المحافظ إن هذا الاحتمال مستبعد، مشيرا إلى أن المسؤولين المغاربة أصبحوا منفتحين أكثر على وسائل الإعلام الوطنية بمختلف تلاوينها، بعدما كانت الأخبار الرسمية إلى غاية ثمانينيات القرن الماضي تمر فقط عبر وكالة الأنباء الرسمية، “لكن نتمنى ألا يتكرر الخطأ الذي ارتكبته وزارة الخارجية مؤخرا”.
واعتبر المتحدث ذاته أن المسؤولين المغاربة ما زالوا يشعرون بنوع من التوجس إزاء وسائل الإعلام المغربية، رغم انفتاحهم عليها، مشيرا إلى أن “استمرار هذا التوجس ليس في صالح المغرب، ذلك أن من الشروط الأساسية للانتقال الديمقراطي ضمان حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، كما أن النموذج الاقتصادي الذي يطمح إليه المغرب لن يتحقق إلا بالتوفر على إعلام قوي”.
وحذّر جمال المحافظ من التداعيات السلبية لعدم تفاعل المسؤولين مع الإعلام الوطني، مبرزا أن عدم تمكين الصحافيين من المعلومة الدقيقة والصحيحة “يفتح المجال أمام انتشار الإشاعات والأخبار غير الدقيقة، كما حصل، مؤخرا، في موضوع العلاقات المغربية السعودية، إضافة إلى أنه يفتح المجال أمام الاستغلال السياسوي للقضايا المغربية من طرف خصوم المملكة”، يوضح المتحدث، خاتما بالقول إن صمت المسؤولين المغاربة وعدم ردهم على أسئلة الصحافيين المغاربة بخصوص توتر العلاقات المغربية السعودية “صمْتٌ غير مبرر”.