بقلم منسق بريس ميديا محمد العربي اطريبش
في زيارة مهمة استقبل حاكم بروكسيل “فيليب كلوز” مؤخرا في مكتبه الخاص السيد محمود البخاري رئيس مؤسستي جمع شمل الصحراويين المغاربة في العالم داخل الوطن وخارجه لعرض مجموعة من النقاط المهمة التي تتمحور حول التعاون المشترك بين البلدين حيث قدم رئيس المؤسستين عرضا شاملا ومطولا حول القضية الوطنية للصحراء المغربية وكذا أهداف المؤسستين الراميتين إلى دعم هذا الملف لما له من أبعاد سياسية دولية عني بها المجتمع المغربي بجميع أطيافه. وأن القضية الوطنية تعتبر من أولى الأولويات وغير قابلة للمساس بأي شكل من الأشكال.
حيث كشف محمود البخاري في ذات السياق عن الوضع القاسي والمر أو ما أسماه ب “قهر السنين” الذي يعيشه إخواننا في تندوف من اظطهاد و ذل و نهج سياسة جائرة اتجاههم في مخيمات عسكرية تتنافى مع مبادئ القانون الدولي الذي يفرض شروطا صارمة، من بينها الحرص على ضمان الطابع المدني والإنساني والسلمي لهذه المخيمات الذي تشدد عليه الخلاصة رقم 94 المعتمدة من لدن اللجنة التنفيذية للمفوضية في 08 أكتوبر 2002، فضلا عن كون اللاجئين الصحراويين قد حرموا منذ ما يزيد عن 30 سنة من الحماية الدولية بمعناها الواسع التي يكفلها لهم القانون الدولي من خلال ضرورة توفير الحلول الدائمة لوضعهم الإنساني المأساوي.
وجذير بالذكر أن المادة 5 من ” الإعلان العالمي لحقوق الانسان ” نصت على أنه لايجوز تعريض أي إنسان للتعذيب أو للعقوبة أو المعاملة القاسية أو الوحشية أو الحط من الكرامة، حيث أعطت المادة 14 من الإعلان العالمي لكل انسان مضطهد الحق في اللجوء الى بلد آخر فرارا أو هربا من الاضطهاد. ولا يجوز أن يخضع “اللاجئ” لتدابير إجراءات منع اجتياز الحدود. وإذا كان قد دخل أراضي دولة ما بالفعل فلا يجوز ترحيله أو إرغامه على العودة إلى الدولة التي قد يكون عرضة فيها لأي نوع من أنواع الاضطهاد. حيث استرسل محمود البخاري كلامه أن النضال مستمر لاسيما أن كرامة المحتجزين في تندوف تمس دون حسيب أو رقيب وحقوقهم تهدر في وضح النهار ضاربين مبدأ احترام حقوق الإنسان عرض الحائط الأمر الذي استدعى من المغرب الضغط بقوة لكسب الرهان أمام هذه الجماعة المرتزقة المدعومة من أطراف معادية للمملكة.
و عرض رئيس المؤسستين محمود البخاري الأشواط الحاسمة التي قطعها المغرب على مستوى تثبيت وترسيخ حقوق الإنسان والحريات، وانخراطه الفعلي في مسار الدمقرطة، مبرزا أن المغرب يتمتع بسمعة واحترام كبيرين داخل مجلس حقوق الإنسان، ويحظى بالمصداقية. و أن المغرب ليس في حاجة إلى دروس وعبر في مجال حقوق الإنسان، لأنه كان ولازال سباقا إلى تبنيها والعمل بها، والدفاع عنها و اعتبارها جزءا لا يتجزأ من البناء الديمقراطي الذي كرسه طيلة السنوات الماضية، في الوقت الذي أكد أن الربيع العربي وصل إلى مخيمات تندوف، لما رفعت الأعلام المغربية فوق سماء تندوف، ورددت شعارات مؤيدة لسيادة ووحدة المغرب على كافة ترابه. وبالتالي انكشفت المسرحية التي كانت تمارسها هذه المجموعة الإرهابية أمام العالم وكسب ود المجتمع الدولي واللعب على الوتر الحساس من أجل الحصول على الدعم والتمويل والتلاعب بمصير المحتجزين.
من جهة أخرى أعرب الحاكم البلجيكي “عمدة بروكسيل” “فيليب كلوز” لرئيس المؤسستين محمود البخاري عن مدى استعداده للتعاون المشترك لما تربط المغرب وبلجيكا من علاقات صداقة وتعاون ممتازة يعود تاريخها إلى أكثر من قرن ونصف من الزمن، وهي العلاقات التي شهدت خلال السنوات الأخيرة دينامية ملحوظة، تجسيدا لرغبة البلدين في الارتقاء بها إلى شراكة مميزة فضلا عن انخراطهما في مجال القضاء والأمن، و محاربة الجرائم الكبرى، الإرهاب، الهجرة، ناهيك عن حجم و مستوى العلاقات التي تجمع بين المملكتين المغربية و البلجيكية، بحيث أن المغرب يحتل الرتبة 45 ضمن لائحة زبناء بلجيكا والرتبة 46 ضمن لائحة ممونيها. فضلا عن ذلك توقيع مجموعة من الاتفاقيات المتعددة بين البلدين من بينهم اتفاقية بالرباط للتعاون المغربي البلجيكي في مجالي الماء والزراعة و كذا التوقيع على 6 اتفاقيات شراكة بالبيضاء تفوق قيمتها 103 ملايين أورو و اتفاقية تعاون بين المركز الاستشفائي ابن سينا ومستشفى (إراسم) ببروكسيل و رفع قيمة التعاون مع المغرب إلى 80 مليون أورو. كل هذا المعلومات تؤكد بالملموس مدى ترابط المملكتين و انساجهما الكلي في شتى المجالات.
ومن بين أهم النقاط الرئيسية هو ما أكدته الحكومة البلجيكية في مناسبات عديدة هو دعوتها إلى دعم جهود المغرب لحل قضية الصحراء المغربية من أجل التوصل إلى حل دائم، و إشادتها بمقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به الجانب المغربي في هذا الصدد”. و أن الحكومة البلجيكية ستواصل دعم المبادرات المغربية لجعل هذا التقارب مع الاتحاد أمرا واقعا وملموسا.
من جهة أخرى تقدمت نائبتا رئيس المؤسستين السيدة شرفة بن عياد الناطقة الرسمية للمؤسسة بمعية نائبته في الخارج رشيدة قرواشي باسمهما وباسم أعضاء و عضوات ومنخرطي ومنخرطات المؤسستين عن مدى استعدادهما للمضي قدما و تبني هذا الملف المهم والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن وحدة التراب الوطني والترافع من أجل ملف الصحراء المغربية في جميع المحافل الوطنية والدولية سيرا على نهج ملك البلاد محمد السادس نصره الله الذي رفض أي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه التي كانت ولازالت دائما مغربية، قبل اختلاق النزاع المفتعل حولها، وستظل مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مهما كلف ذلك من تضحيات. وخير دليل ما جاء في خطابه الأخير للذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء حيث كان العاهل المغربي حاسما و واضحا مع الجميع. و أن المغرب كان يدافع عن مغربية الصحراء قبل استقلال الجزائر، وهذا ما يكذب كل الادعاءات التي رفعها حكام الجزائر عندما ربطوا دعم البوليساريو بالدفاع عن مبدأ تقرير المصير، في حين أن خطاب العاهل المغربي حمل رسائل صريحة لمبعوث الأمم المتحدة “كولهر” حتى لا يفكر في أي مبادرة أو اقتراحات للحل خارج السيادة المغربية. و جل خطابات الملك تعتبر كخارطة طريق تشمل التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالأقاليم الجنوبية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من سيادة المغرب و أن المشاريع التي أطلقها وتلك التي ستتبعها، ستجعل من الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا مندمجا، يؤهلها للقيام بدورها كصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وكمحور للعلاقات بين دول المنطقة، و أن تدبير ملف الصحراء وكسب رهاناته ينبني على المقاربة التنموية بما تحيل إليه من إدماج للشباب وانفتاح على قضاياهم المختلفة، وإطلاق المشاريع الاقتصادية التي ستعزز من موقع الأقاليم ومن مكانتها كحلقة وصل مع المحيط الأفريقي.
ويعد اللقاء الذي قامتا به النائبتين رفقة بعض الأعضاء في “امحاميد الغزلان” بمجموعة من شيوخ القبائل خصوصا قبيلة “عريب” المناضلة وجمعيات المجتمع المدني بالإقليم التي تجتهد وتناضل بكل إخلاص و تفاني من أجل القضية الوطنية و تبنيهم لملف الصحراء المغربية، ومن بين البرامج التي اشتغلتا فيهما معهم هو التواصل مع الجهات المعنية و السلطات المحلية للتحضير للمهرجان الخطابي الكبير “بامحاميد الغزلان” الذي سينعقد يوم 25 فبراير 2019. الذي سيجسد ترسيخ القيم الفضلى والتربية على المواطنة الحقة من أجل خدمة الوطن. وكذا التعريف بالتاريخ العريق للمنطقة والإشادة بمواقف شيوخها ورجالاتها الذين قاوموا المستعمر ولعل أبرز الأحدا…
الأحداث التي تؤكد ذلك هي الذكرى 54 للزيارة التاريخية التي قام بها بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، إلى محاميد الغزلان يوم 26 فبراير 1958، حيث استقبل رضوان الله عليه ممثلي وشيوخ وأبناء القبائل الصحراوية، وتلقى بيعتهم وولاءهم وجسد في خطابه التاريخي بالمناسبة مواقف المغرب الثابتة في سبيل تحقيق وحدة التراب الوطني. حيث جاءت هذه الزيارة التاريخية تتويجا لملاحم الكفاح الوطني المرير و النضال المستميت ضد الاحتلال الأجنبي الذي أراد بسط سيطرته في مناطق الجنوب، وكانت تعبيرا واضح المعالم عن عزم الشعب المغربي الأبي بقيادة العرش العلوي المجيد على استكمال استقلاله، ونيل حريته وحرصه الشديد على استرجاع أراضيه المغتصبة وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة. ونستحضر هنا بالخصوص الخطاب الذي ألقاه المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه بربوع ورزازات وزاكورة خطابا ساميا بمنطقة عرباوة يوم 16 فبراير 1958 جاء فيه «وإن مجيئنا الرمزي إلى هذا المكان ليؤذن بأنه لن يبقى بعده شمال وجنوب إلا في الاصطلاح الجغرافي العادي وسيكون هناك فقط المغرب الموحد». مبينا بذلك رحمه الله تلاحم الشعب والعرش واتحادهم تحت راية واحدة و وطن واحد، هذا النضال جنى المغرب ثمار كفاحه المستميت والمتواصل إذ تم استرجاع مدينة طرفاية في سنة 1958 ومدينة سيدي إفني سنة 1969. وكان ذلك بفضل السياسة الفذة و الحكيمة التي نهجها المغفور له الحسن الثاني طيب الله تراه، الذي عمل جاهدا من أجل توحيد البلاد وتخليص مناطقها الجنوبية من الوجود الأجنبي. وقد مكنته عبقريته المتميزة، وحنكته السياسية من تحقيق ذلك عبر المسيرة الخضراء المظفرة التي نادى بها يوم 16 أكتوبر 1975 داعيا شعبه الوفي والمخلص في خطاب ألقاه عبر القناة الوطنية للتوجه إلى الصحراء المغربية في مسيرة شعبية سلمية سلاحها كتاب الله والإيمان لاسترجاع الحق المسلوب الذي كان تحت سيطرة الاستعمار الغاشم.
و لعل ما يجب أن نستحضره في هذا الباب هو الخطاب الذي ألقاه الملك الحسن الثاني رحمه الله من مدينة مراكش : “بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن، واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد ، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه”. تلاه بعد ذلك الخطاب الذي وجهه الراحل الحسن الثاني رحمه الله في نوفمبر 1975 للذين تطوعوا للمشاركة في المسيرة قائلا “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود, غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء, غدا إن شاء الله ستطئون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز”.
هذه الأحداث والوقائع جعلت من رئيس مؤسستي جمع شمل الصحراويين المغاربة في العالم السيد محمود البخاري التحلي بروح المسؤولية و العزيمة في المضي قدما سيرا على خطى ملوك المغرب الكرام الذين ضحوا من أجل هذه الأرض الطيبة، و تبني هذا الملف إلى جانب الدفاع عن وحدة الوطن بكل ثوابته، حيث لخص محمود البخاري مداخلته كونه في تنسيق مستمر ومباشر مع جهات خارجية من فعاليات مجتمعية وشخصيات سياسية وحكومية للضغط بقوة والمساهمة في ربح الرهان، و أن ممارسة الأنشطة الدبلوماسية المتعلقة بالمصلحة العليا للوطن في العصر الحالي لم تعد حكرا على فئة محدودة العدد، فقد اتسعت دائرة المشاركة الشعبية في رسم سياسات الدولة، كما جاء على لسان “الأستاذ عبد العالي بوحدو” الباحث في القانون العام والعلوم السياسية حيث أشار إلى أن الدبلوماسية الموازية تعتبر إحدى الوسائل الحديثة لتحقيق الأهداف السياسية الخارجية للدول، كما تسعى إلى تنمية العلاقات التي تربط بين الشعوب باعتبارها أحد أبرز المحركات الأساسية لإدارة المجتمع الدولي وقضاياه السياسية والإقتصادية والبيئية والأمنية والإجتماعية، و أن المملكة المغربية ساهمت في تسريع عجلة الإصلاح، من خلال تقديم ضمانات للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي على كافة المستويات الداخلية والخارجية. وبالتالي فإن الملك محمد السادس أسقط في خطاباته الكثير من الأقنعة التي ظلت تطمئن الرأي العام المغربي بقوة الموقف التفاوضي في ملف الصحراء. وعبر بشكل صريح عن فشل الدبلوماسية الرسمية في تدبير ملف الصحراء، بالقول “إن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة”. حيث دعا العاهل المغربي في هذا الإطار جميع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والفاعلين على المستوى الجامعي والإعلامي، إلى ضرورة استحضار الجانب الدبلوماسي في تأطيرها وفي برامجها، معتبرا أن الدبلوماسية ليست عملا عاديا، وأنها تقتضي لغة التفاوض وإعلاء المصالح والاطلاع على تطورات الملف. ومع بيان الضعف في فعالية الدبلوماسية الرسمية في التعاطي مع الإستراتيجية الجديدة للخصوم، وبذلك فقد سارعت الدولة إلى فتح نقاش وطني عميق يقضي بتفعيل دور الدبلوماسية الموازية، كآلية تكمل العمل الدبلوماسي الرسمي، حيث أنه لا يكفي القول إن الصحراء مغربية حتى يقتنع الكل بذلك، فالقضية تحتاج إلى بذل جهود كبيرة كفيلة بإقناع كل القوى والفاعلين على الساحة الدولية والإقليمية بعدالة القضية ، لا سيما في ظل وجود قوى أخرى تحارب من أجل هدف مناقض. وهذا أشار إليه مشروع القانون رقم 89.15 المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي إلى توسيع مشاركة الشباب وفعاليات المجتمع المدني في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للمغرب. حيث جاء الدستور المغربي لسنة 2011 بمجموعة من المقتضيات التي وفرت أساسا قانونيا هاما لدعم الدبلوماسية الموازية التي تشكل سندا للدبلوماسية الرسمية وإغناء لأدائها.
وشدد رئيس المؤسستين في الأخير على ضرورة تفعيل الدور الإعلامي البناء و الهادف في هذا الملف لما له من دعم قوي وتأثير في المجتمع الدولي، حيث دعا إلى اعتماد أسلوب موضوعي في التعاطي مع مشكلة الصحراء المغربية، واجتناب مصطلحات السب والشتم والقدح، التي تعبر عن الإعلام المتخلف، مشددا على ضرورة تقوية الإعلام الوطني المرئي والمسموع والمكتوب، باعتماد القواعد المهنية والتسلح بالكم الكافي من المعلومات، من أجل إنتاج خطاب قادر على اختراق صفوف الطرف الآخر، مستحضرا ما أكد عليه رئيس المكتب التنفيذي لبيت الصحافة، “سعيد كوبريت” أن هيئات المجتمع المدني والإعلام بكل أشكاله أصبح لها قدرة ترافعية مهمة للدفاع عن القضايا الأساسية للمغرب، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، ومن هنا يجب أن تفكر في تطوير استراتيجيتها من خلال استهداف المتلقي الغربي، فهو المعني الرئيسي بتوضيح الرؤية المغاربية لقضية الصحراء”.
محمد العربي اطريبش
Radical.Arbi9@gmail.com
00212.604.721.112