جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

حوار ضيف الجريدة مدير المكتب المغربي للمؤلفين منقاري: القرصنة أصبحت متجاوزة

مدير المكتب المغربي للمؤلفين اعتبر أن الضرر آت من الاستغلال الإلكتروني للإنتاجات

أكد إسماعيل منقاري، مدير المكتب المغربي للمؤلفين، أن التقارير الدولية حول حقوق الإنسان ترسم صورة سلبية عن حقوق التأليف بالمملكة، لأنها مازالت مهمشة، موضحا أن عدد القضايا التي حركها المكتب في مختلف المحاكم تناهز حوالي 500، مبرزا في حوار مع “الصباح” أن مستغلي المصنفات المحمية الذين يرفضون أداء حقوق التأليف، لا يسايرون سياسة صاحب الجلالة، ويخلون بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي، وأن محاربة القرصنة أصبحت متجاوزة، بعدما ازداد حجم الاستغلال الفاحش عبر الأنترنت. في ما يلي تفاصيل الحوار:
أجرى الحوار : مصطفى شاكري – تصوير: (عبد المجيد بزيوات)
< بداية ما هي آخر التطورات الحاصلة بخصوص الغرامات المتعلقة بحقوق التأليف؟
< مطالبتنا بحقوق المؤلف لا تعتمد أساسا على تأدية الغرامات، فهذه المادة وإن كانت موجودة في القانون ويلح على استعمالها، إلا أننا لا نلجأ إليها، لأن التوجه إلى القضاء يكون مبدئيا من أجل استخلاص حقوق المؤلف، لكن فلسفيا قصد التحسيس بأنها قضايا قانونية تعتمد على التشريع المغربي، بالإضافة إلى القانون الدولي. في هذا الصدد، ترسم التقارير الدولية حول حقوق الإنسان بالمغرب صورة سلبية عن حقوق التأليف، لأنها مازالت مهمشة في بلادنا للأسف الشديد.
نحتفظ في الغالب بمبدأ المصالحة، فنحن شعب تضامني بالطبيعة، لذلك كلما كان الجنوح إلى المصالحة كان الأمر أفضل. على هذا الأساس، ندافع عن مبدأ سام يقدسه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل إننا نتنازل عن الغرامات ونطالب بالمبلغ الأصلي فقط، حتى عندما ينصفنا القضاء، ونختار عقد صلح مع الطرف الآخر بكل أريحية. لا نفكر في الغرامات، بقدر ما نريد أن ينتبه الناس إلى أن استغلال حقوق المؤلف هو استغلال لشيء يندرج في إطار حقوق الفنان، الذي يجب أن يعيش من عمله.

< عابت عليكم جمعية أرباب المقاهي والمطاعم تغييب المقاربة التشاركية في إعداد قانون حقوق المؤلف، إلى جانب انعدام الحملة التسويقية. ما ردكم؟
< أرد على هؤلاء بما رد به القانون عليهم، “القانون لا يحمي المغفلين”. لو كان التحسيس بأحكام القانون ضروريا لأنه جديد لجاز أن نقول ذلك، لكن المكتب يعود تأسيسه إلى 1965، وقد كان الاستعمار الفرنسي أول من استخلص الغرامات، عبر إنشاء المكتب الإفريقي لحقوق المؤلف، ويرجع هذا القانون إلى 20 سنة ونوقش في البرلمان. ومعلوم أن المستغل لن يتوانى عن اتهام المكتب بأنه يحتال على التجار. قمنا بورشات تحسيسية شملت مدنا عديدة، آخرها اجتماع مع غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة فاس مكناس. حاولنا جاهدين أن نبسط الأمور، لكن طابع السب والقذف هو الذي هيمن على الاجتماع، إذ ينقمون علينا فرض ضريبة جديدة، لكن يكفي أن نعود إلى قانون المالية ونرى جميع الضرائب، سنجد أن حقوق المؤلف ليست واردة.
نحن مستعدون أن نتفق مع هذه التمثيليات بقوة القانون، ونضع اقتراحات لتعديل القانون، غير أن المسألة وما فيها أنهم يرفضون الأداء. لو كانت تؤدى هذه الحقوق لعاش أصحابها حياة كريمة، بينما الواقع يبين أن هذه الشريحة ليس لها تأمين أو تعاضدية أو أي وسيلة للاستشفاء، من غير صاحب الجلالة الذي يهتم بهذه الفئة، في حين كان بالإمكان أن يخف عبؤها عن صاحب الجلالة، وتعيش من عملها.

< قال بعض أصحاب المؤسسات التي تطولها حملة الغرامات إن مصالح العمالات ونظيراتها من المرافق لم تلزمها بالحصول على رخصة من المكتب لدى افتتاحها. هل يوجد تنسيق بين المكتب والإدارات بهذا الخصوص؟
< كان هناك تعاون بين المكتب ومصالح العمالات والولايات في فترة معينة، إذ أصدرت وزارة الداخلية والاتصال مذكرة مشتركة، تلزم الأقسام الاقتصادية في العمالات بالحصول على ترخيص من ممثلي المكتب أو أن يشتركوا في اللجن، لكن لم يحدث شيء من ذلك، كما أن المذكرة لم تكن ذات شأن كبير، لكن القانون لا يعذر المستغلين، من أرباب المقاهي والمطاعم والفنادق والشركات وغيرها، من أداء حقوق المؤلف. نتوجه إلى المستغلين بتجاوزات كثيرة، حتى وإن لم يتم الترخيص من المكتب في مصالح العمالات، وندخل في حوار مشترك، لأن حقوق التأليف لا يطولها التقادم، إذ تبقى طيلة حياة المؤلف، و70 سنة بعد وفاته لذوي الحقوق، قبل أن يسقط في الحق العام أو الفولكلور.
المكتب بمثابة مصلحة خارجية لكل العمالات، مثلما هناك مصالح خارجية لمختلف الوزارات، صحيح أن وجودنا في الجهات باهت، لكن لم يعد أي عذر للمستغلين. إنها مسألة ثقافية بالدرجة الأولى، فحينما يأتي أجنبي لفتح متجره بالمغرب، فإنه يتصل أولا بالمكتب، ليستفسر عن الإجراءات، ونخص بالذكر شركة “أورانج”، التي أدت حقوق المؤلف قبل أن تتمم شهرها السابع، لأنها آتية من دولة تطبعها حقوق الإنسان، بينما توجد شركات أخرى تطعن حتى في وجود أساس قانوني لحقوق المؤلف، والتشريع المغربي يعج بنصوص قانونية غزيرة.

500 ملف أمام المحاكم
< توعدتم الممتنعين عن أداء الغرامات بإحالة ملفاتهم على القضاء. هل توجد حالات توبعت قضائيا؟
< يناهز عدد القضايا التي حركها المكتب في مختلف المحاكم حوالي 500، منها ما أحيل على النيابة العامة بموجب مخالفة المادة 25 من القانون الجنائي، وأخرى مرفوعة في المحاكم الإدارية، وهي التي تخص المؤسسات العمومية. كما توجد قضايا أخرى في المحاكم التجارية، مرتبطة بالمؤسسات التجارية الكبرى، إلى جانب المحاكم المدنية. أي أننا نتوجه إلى جميع أصناف القضاء، بحسب القضية. نحن أمام وضع انتقائي لهذه القضايا، أخذا بعين الاعتبار الوضع الاعتباري للشركة أو المؤسسة، أو الإخلال العلني لحقوق المؤلف ونكرانها.
يجب أن نتضامن مع شريحة الفنانين، التي تعاني هشاشة مفرطة، بوصفها تمثل الذاكرة الوطنية في مختلف مراحل التاريخ والمحافل الدولية، إضافة إلى أن المغرب لن يتنصل أبدا من التزاماته الدولية، آخرها المعاهدة الدبلوماسية بمراكش، والتي على النقيض من المعاهدات الأخرى سميت بروح مراكش، نظرا لقوتها وقيمتها. هؤلاء لا يسايرون سياسة صاحب الجلالة، ويخلون بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي، لذلك ينبغي أن يساءلوا ليس فقط أمام القضاء، وإنما داخل البرلمان.

غياب ثقافة حقوق المؤلف
< دق العديد من الكتاب والفنانين ناقوس الخطر حول تنامي “تسونامي القرصنة”، خاصة أنها تكبد الدولة خسائر مالية كبيرة. هل توجد إستراتيجية للمكتب للحد منها على المدى البعيد؟
< إن أهم الإكراهات التي تواجهنا هي غياب الوعي وثقافة حقوق المؤلف لمستغلي المصنفات المحمية، من أغان وكتب ومؤلفات وغيرها، والذين ينظرون إلى هذا الحق على أنه ضريبة، فنحن نطبق “سياسة حق المؤلف” وليس “قانون حق المؤلف”، بمعنى أنه حق وليس ضريبة مفروضة. المسألة تجاوزت ناقوس الخطر، إلى أن صارت خطرا بحد ذاته، نتيجة غياب قضاء متخصص بالمغرب، لكن خوف الكتّاب من القرصنة لم يعد يصمد أمام التكنولوجيا الحديثة، بعدما صارت آليات استغلال حقوق المؤلف تدور في حقل الرقمنة، ما يجعلنا نقول إن محاربة القرصنة أصبحت متجاوزة، بعدما ازداد حجم الاستغلال الفاحش عبر الأنترنت، وبات الضرر آتيا من الاستغلال الإلكتروني للمصنفات المحمية، ويمكن أن أقول إن القرصنة ستنتهي في سنة تقريبا، أو ستصير غير ذات شأن في ميدان الفن بصفة عامة.
المكتب لا يدبر حقل الكتاب والمؤلفات لأسباب لا أعرفها، لكن وجب الآن تدبير هذه الحقول الجديدة، إذ توجد استثناءات في القانون لا تشجع الكاتب على الإبداع، مثل حق الجامعة في التصرف بالكتاب، من خلال نسخه للطلبة بدريهمات، لكن الكاتب غير مسؤول عن الجامعة، كما أن كثيرا من الدول أزاحت أدوات النسخ عن الجامعة، إذ تباع المؤلفات إلكترونيا، بل إنها فرضت رسومات حق المؤلف في التسجيل، والتي تصل إلى 25 دولارا. يمكن أن نقترح درهما رمزيا في جميع المستويات، وإذا ما قدرنا عدد التلاميذ والطلبة في ستة ملايين، فإننا سنحصّل على ستة ملايين درهم لتشجيع النشر، كذلك المكتبات غير الجامعية يجب أن تؤدي عن الكتب التي تستخدمها ولو درهما رمزيا، زيادة على فرض ضريبة إجبارية على الكتب المستوردة.

استغلال فاحش
< ألا ترى أن التشريعات القانونية الموجودة حاليا غير كافية وتظل حبرا على ورق؟
< بلى، لم تظل حبرا على ورق. تقول ديناميكية التشريع إن هذه القوانين تتحرك، وإلا لماذا تعدل القوانين والمساطر بهذا الخصوص؟ وقع المغرب على جميع المعاهدات الدولية ويساير ما هو واقع في العالم، إلى جانب تمثيليته في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. هناك عاملان يجعلان القوانين راكدة، أولهما رفض مستغلي المصنفات المحمية الاعتراف بهذا الحق، وهو ما يسمى بالتعدي على حقوق المؤلف، وثانيهما أن الهيأة التي تمثل حقوق المؤلف بالمغرب أعطاها التشريع جميع الصلاحيات، لكن المكتب في فترات من وجوده لم يكن تطبيق القانون فيه صارما وصائبا، وهذان الاختصاصان يضمنهما القانون اعتمادا على الترسانة القانونية القوية جدا والتي يسندها الدستور، إضافة إلى أن المؤسسة كانت خاضعة في وقت سابق للمكتب الفرنسي لحقوق التأليف، الذي كان أحد الأسباب الأساسية في تقهقره، الأمر الذي جعله لا يجاري التشريع الدولي في مجال الملكية الفكرية.
توجد مصحات خاصة تستغل المصنفات بشكل فاحش، عن طريق أجهزة التلفاز، والتي تحتسبها في فواتيرها، كما أن الإنتاجات المجانية تعد من اختصاصات المكتب، الذي يقدر مبلغا ماليا ويعوض به المؤلفين، كما أن البعثات الثقافية الأجنبية يجب أن تؤدي حقوقها.

رقمنة المصنفات
< ما مدى ملاءمة الإطار القانوني للمكتب باعتباره المؤسسة المكلفة بالتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة للمستجدات التكنولوجية الجديدة للعصر الرقمي؟
< إن تبعية المؤسسة للمكتب الفرنسي في فترات سابقة، فوّتت الفرصة على المغرب للتأقلم مع الوسائل التكنولوجية، وظل قابعا داخل التسيير التقليدي إلى اليوم، الأمر الذي يمكن به تفسير قصورنا عن فهم هذا الاستغلال وكيفية تأويله مع الشركات العملاقة، التي لا يوجد منها في المغرب سوى فيسبوك ويوتيوب وشركتين أخريين، إذ أن هذه الشركات تعرض على زبائنها آلاف المصنفات المحمية بشكل مجاني، بواسطة تشفير الاستماع، مستغلة بذلك بعدها عن التراب الوطني، الذي يسمح لها باستغلال هذه المصنفات وبيعها، في حين يلزم القانون الدولي أن تكون داخل الدولة، حتى يتمكن جميع الناس من الولوج الديمقراطي لهذه المصنفات مغربية كانت أم لا. هناك استغلال للمصنفات السمعية البصرية عن طريق يوتيوب، لعدم وجود تشريع وطني في هذه المسألة، لكننا نعمل حاليا على رقمنة كل المصنفات المغربية وأداء حقوقها، إذ سنعرضها على الهيأة العالمية لدعم الموسيقى، التي ستعطيها رقما دوليا مشفرا. نحن بصدد إعداد قاعدة بيانات رقمية للمصنفات، ستكتمل قبل نهاية العام الجاري، وإمكانية تتبع مستغلي الإنتاجات المغربية داخل المغرب وخارجه، وسننشئ مصلحة خاصة بهذا الإطار.

انخراط محدود
< هل صحيح أن عدد المخرطين بالمكتب محدود جدا من مبدعين وفنانين وفاعلين بالمجال؟
< هذا صحيح تماما. فإذا نظرنا إلى عدد المنخرطين، سنجد استبداد الموسيقى، التي تمثل ثلثي المنخرطين، بينما لا تمثل فيه الدراما والأدب سوى الثلث، لكن سأعود إلى ذكر الأسباب التي كانت قائمة، ولم تعد في الوقت الراهن، أهمها خضوع المكتب المغربي لحقوق التأليف للمكتب الفرنسي لفترة طويلة، إضافة إلى غياب حافز لتطوير إستراتيجية المؤسسة، كما راج في أوساط الفنانين الشباب أن المكتب يستولي عليه الفنانون الرواد لا غير، في حين ننفتح على جميع الفئات، من شباب ونساء ومخضرمين، الذين يزاولون مختلف أنواع الفنون. نعتزم أن يكون للمكتب دور ريادي في دعم قضايا الثقافة والمرأة والشباب، وسنتوجه إلى جميع أصناف الفولكلور والتعابير الفنية المغربية، إلى جانب إدماج الكتاب والأصناف الفنية الأخرى مثل الرسم والنحت ضمن اختصاصات المكتب.
في سطور
– عين مديرا للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين في يونيو 2016.
– راكم عدة مهام ومسؤوليات في مجال الإعلام والاتصال والتعاون الدولي لأزيد من 20 سنة.
– أستاذ علم الاجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.
– خبير دولي في سيميولوجيا الإعلام.
– شغل منصب مدير مساعد بالمعهد العالي للإعلام والاتصال مكلف بالتكوين المستمر والتداريب.
– باحث في الإعلام الأمازيغي.

حسن برهون : المصدر جريدة  ” الصباح ” .