المدير برهون حسن 00212661078323
شيروان الشميراني كاتب وباحث كردي
صور ومشاهد على مستوى العالم الإسلامي ظهرت أمام أعيننا من غزة إلى الرباط، واستفزت آل لنا لطرح عدد من الأسئلة حول التفاضل أو المفاضلة بين الأولويات الوطنية والأمتية.
من الملامح الجديدة في العقد الحالي تحديدا في مسار الحركة الإسلامية، سيكون أكل (لحم المضطر) من أجل القضايا القطرية الوطنية وغض الطرف في سبيلها عن قضايا الأمة واحترام آراء الأخوة الآخرين من أبناء الحركات الإسلامية في شؤون متعلقة بالأمة كلها أو كل دولة في قطرها المحدد جغرافيا.
إن تخليد حركة المقاومة الإسلامية في غزة لحادثة اغتيال قائد فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني الحاج قاسم سليماني، وحضور رئيس مكتبها السياسي في تشييعه في طهران، وحيدة من بين الحركات والأحزاب الإسلامية السنية، له دلالات كبيرة في مجال التنظير والممارسة السياسية، فالفراق بين حركة حماس والرئيس السوري حصل بعد إمعان بشار الأسد في قتل شعبه حيث لم يتحمل قادة حماس رؤية الشعب السوري يقتل، علما أنه قدم الكثير للمقاومة الفلسطينية، لكن ينبغي التذكير أن ما قام بشار في حلب أو حماة الإخوان كان بدعم من قوات “فاطميون وزينبيون” كما قال السيد حسن نصر الله في لقاء متلفز والتي جاء بهما قاسم سليماني من مخيمات اللجوء الأفغانية في إيران، وكذلك الدخول الروسي لصالح النظام السوري كان بترتيب منه وجهوده …. وما حصل لحزب الإصلاح اليمني – ومدارس القرآن الكريم في اليمن على يد الحوثيين أو تحت سلطتهم، ودون شك فدعم الحاج سليماني كان حاضرا.
فإذا كان المعيار في اتخاذ المواقف والسياسات هو الوطن وليس الأمة، بمعنى أن حماس لم تعتبر رأي الإخوان في سوريا او العراق او اليمن ومشاعرهم، بناء على موقف الرجل من القضية الفلسطينية،
بناء على ذلك أظن أن الهجمة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية المغربي كانت خطأ، لأنه كما قال الأستاذ خالد مشعل في معرض رده على سؤال العلاقات الخارجية للحركة: (لي قضية من يعاونني عليها أكون على اتصال معه).
وبنفس المعنى والنفي السياسي نقول إن الاخوان المسلمين في سوريا واليمن لهم قضية وطن وشعب يحكم القدر أن يكونوا في حرب مع جنود جهة ينظر إليهم اخوان حماس في غزة على أنهم قادة مجاهدون شهداء، علما أن الجميع ينتمي لنفس المدرسة الفكرية والتوجه السياسي.
وعلى الخط نفسه، تقف الحركة الإسلامية الجزائرية على طرف النقيض من الحركة الإسلامية المغربية فيما يتعلق بملف الصحراء، كل من الحركتين تلتزمان بالسياسة الوطنية المتبناة من قبل دولتيهما … وفي العراق كنموذج آخر فإن الاتحاد الإسلامي الكردستاني له قضية الموقف منها لا ينسجم مع الحركات الإسلامية الأخرى وهي حق تقرير المصير للشعب الكردي والذي ترى فيه الحركات الإسلامية ومنها الغالبية الجزائرية تقسيما للأمة وتجزيئاً للمجزأ، لكن موقفها من الصحراء سيكون معاكسا تماما من الموقف من القضية الكردية.
والحزب الإسلامي العراقي – الإخوان-، ممثلا في شخص نائب أمينه العام ورئيس البرلمان العراقي في وقته – سليم الجبوري- تخندق مع الكيانات الشيعية والعلمانية والقومية العربية وضد موقف إخوانه في الاتحاد الإسلامي الكردستاني تحت ذريعة الوطن، وتحمس للغاية في تمرير قرارات تنفيذية ضد سياسة إخوانه الإسلاميين الكرد دفاعا عن الوطن عام 2017، وفيما كان الشيخ يوسف القرضاوي يفتي بحرمة التعامل مع الاحتلال الأمريكي للعراق كان الحزب الإسلامي العراقي في شخص أمينه العام العالم المفكر الدكتور محسن عبدالحميد يشارك في مجلس الحكم برئاسة الحاكم الأمريكي بول بريمر، والحجة هي أن مصلحة الوطن والحفاظ عليه تقتضي ذلك، فكان هناك اتجاهان متعارضان داخل الحركة الإسلامية في التعامل مع قضية واحدة، وفي الترجيح بين معادلة الامة والدولة، وكان الحال ذاته مع اخوان الكويت وقبولهم بالضربة الامريكية على العراق لأنها قضية وطنية تستلزم الوقوف مع الأمريكيين ضد النظام العراقي.
هذه كلها من الأمور التي يتعين على على الحركة الإسلامية الغوص فيها، والتنظير للوطن وفضله على وطن الاخوة الاخرين في حال تناقض المصالح، شئنا أم أبينا إن الدول الآن قطرية وسياساتها تتنافر في العديد من الملفات على المستوى الدولي، وأن الأحزاب الإسلامية أو ذات مرجعيات إسلامية تشارك جزئيا وهي بناء على قراءة أوضاعها الداخلية تضطر اضطرارا لاتخاذ مواقف قد يكون من باب ارتكاب المحظور والدخول في الحرام لدى الآخرين في الأوطان الأخرى، فيما يسميه البعض بإكراهات السياسة والسلطة، ولو نظرنا الى حزب العدالة والتنمية التركي، فان الرئيس رجب طيب أردوغان أكد أن التعاون المخابراتي بين تركيا وإسرائيل مستمر وأن السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين هي التي تمنع تقدم العلاقات والا فان تركيا تأمل بتحسن العلاقات مع إسرائيل.
لكن السؤال هو إلى أي مدى يمكن شرعا الذهاب في أكل اللحم المحرم للمضطر إذا كانت الضرورة تقدر بقدرها؟ هل التمييز الحاصل في المملكة المغربية بين الديني الدعوي والسياسي الحزبي يسعف الحركة الإسلامية في هكذا حالات؟
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فأظن أن العقد الحالي يجبر الحركة الإسلامية على مراجعة استراتيجيتها وتفكيرها في طريقة التعاطي معها، علما أن حركة حركة حماس انتهت إلى قبول دولة إسرائيل على حدود 1967، أقول هذا في ضوء التغيرات الحاصلة في المنطقة وكذلك السياسات الوطنية التي وجدت أحزاب إسلامية ملزمة بها، وفي تناقض صارخ بين حركة وشقيقة لها في دولة أخرى، وكذلك إعادة تفسير القضية في الجانبين الديني والحقوقي.
ينبغي أن لا تترك الحركة الإسلامية هذا الملف من دون التفكير فيه وإعادة صياغته، تجنبا للتراشق بين الإخوة كما يحصل الآن، وتوحيدا للأسس الفكرية التي لا تتحمل الاختلاف، والاتفاق على أن السياسات المحلية تبقى محلية وطنية ولا تدخل في دائرة الحلال والحرام، بل اجتهادات مصلحية قابلة للخطأ والصواب والتغيير.