المدير برهون حسن 00212661078323
دورٌ جديدٌ أُسند إلى وزارة الداخلية، بعد أن لم يستطع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، مجاراة مطالب المركزيات النقابية، حيث ارتضى أن يمنح الحوار الاجتماعي إلى “أم الوزارات”، بالرغم من تباعد الاختصاص، حيث أصبح عبد الوافي لفتيت هو المبعوث الحكومي الأول للتداول في مواضيع الزيادة في الأجور والتقاعد وغيرها من القضايا ذات الطابع الاجتماعي.
ولم يخفِ أغلب المتتبعين لتاريخ “الحراكات الاجتماعية”، على امتداد الألفية الحالية، أن وزارة الداخلية تحركت غير ما مرة من أجل نزع فتيل الاحتقان من عديد الملفات؛ أبرزها “الأساتذة المتدربون”، فيما ذهب البعض إلى اعتبار الأمر عودة قوية لوزارة الداخلية إلى الواجهة من أجل تدبير ملفات ساخنة، وضربا لقوة مؤسسة رئاسة الحكومة داخل دستور 2011.
ولم تفلح وزارة الداخلية خلال الجولة الأولى من الحوار الاجتماعي مع المركزيات لنقابية، من إيجاد حل وسط يقي الدولة صداع الإضرابات والمسيرات المتوالية، خصوصا مع تكلفتها الكبيرة على عدة أصعدة، وأولها إغلاق الخدمات في وجه المواطنين الذي سجلوا تذمرهم من توالي تغيب الموظفين عن مقرات العمل.
عيطو على الدولة
قال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، إن “تكليف وزارة الداخلية بتدبير أمور الحوار الاجتماعي أمر يثير الاستغراب، خصوصا أن رئيس الحكومة فرط في اختصاص من اختصاصاته الأساسية، وهو الإشراف على الحوار مع النقابات؛ لكن إذا عرف السبب بطل العجب”، على حد تعبيره.
وأضاف العلام، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “العثماني استوعب أنه، لتجاوز رفض النقابات الجلوس مع الحكومة، عليه العودة إلى الطرق القديمة، عبر دخول وزارة الداخلية على الخط، مستحضرا سلفه عبد الإله بنكيران، الذي يقول على الدوام إن رضا الداخلية مطلوب”، وزاد: “سبق لبنكيران أن كلف وزارة لفتيت بالحوار مع الأساتذة المتدربين، فضلا عن عباراته الشهيرة التي تلخص كل شيء “عيطو على الدولة””.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن “العثماني يريد أن يبقى مشرفا على الحوار، لكن بعد سنوات الشد والجذب، يبدو أنه استوعب جيدا الأمر، وأدرك أن الداخلية هي الأصلح للقيام بمثل هذه الأمور؛ لكن الغريب هو أن تقبل النقابات مجالسة وزارة أقل من مؤسسة رئاسة الحكومة من الناحية الدستورية”.
وزاد المتحدث قائلا: “وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت سبق أن نجح في عديد حواراته”، لافتا إلى أن “وزارة الداخلية لم تغادر أصلا موقعها القوي على مدار السنوات الماضية، كل ما في الأمر أنها ضعفت على المستوى الأمني، بوجود رجل مثل عبد اللطيف الحموشي على رأس مديرية الأمن”.
إبعاد من تجاذبات السياسة
قال أمين السعيد، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، إن “تكليف وزارة الداخلية بتدبير ملف الحوار الاجتماعي يستند من الناحية الدستورية إلى الفصل 93، الذي ينص على أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي”.
وأضاف السعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “انخراط وزارة الداخلية في هذا الملف يعد إجراء حكوميا عاديا يرتبط بإدارة قطاع ينتمي في جزء كبير منه لقطاع الداخلية، خاصة أن هذا الملف تعثر منذ ولاية حكومة عبد الإله بنكيران، وكانت له انعكاسات كبيرة على مستوى الساحة الاحتجاجية التي عرفت تنامي الظاهرة الاحتجاجية وأثر بشكل سلبي على تنافسية الاقتصاد المغربي”.
وأوضح الباحث في جامعة محمد الخامس بالرباط أن “كل هذه العوامل قادت بالمؤسسة الملكية في خطاب العرش من سنة 2018 إلى تنبيه الحكومة إلى أن الحوار الاجتماعي واجب ولا بد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع. والإلحاح عليها بالاجتماع مع النقابات، والتواصل معها بانتظام، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج”.
وفسر السعيد هذا التوجه من خلال “قدرة وزارة الداخلية على استيعاب هذا الملف، وامتصاص التوتر الحاصل بين النقابات والأحزاب المشاركة في الأغلبية الحكومية، نظرا للتجربة السياسية التي تتوفر عليها وزارة الداخلية ومقاربتها الحيادية الرامية إلى عدم تسييس هذا الملف الحارق وإبعاده من دائرة الصراع الحكومي النقابي، لكون ملف الحوار الاجتماعي يرتبط بالأمن الاجتماعي للدولة أكثر منه بالحسابات السياسية”.
وزاد المتحدث: “سياسيا، يتوجب على وزارة الداخلية مراعاة التوازنات السياسية وتكلفة نتائج الحوار ومدى انسجامه مع البرنامج الحكومي والقانون المالي لسنة 2019. كما أن النقابات يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار إكراهات الفاعل السياسي وإمكاناته والتزاماته مع الخارج، وأن تركز بشكل رئيسي على أولوية المطالب التي ليست لها انعكاسات مالية”.