“الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية”

 ملفات دة. جوهرة أشيبان، 

رئيسة مصلحة الديمقراطية التشاركية بجماعة تطوان
باحثة  وكاتبة بالعديد من المحافل.
رئيسة سابقة للموقع الالكتروني الشمال 24.
رئيسة سابقة مشرفة على نشرة جماعة تطوان.
jawhara.ach@gmail.com
الديمقراطية التشاركية آلية ناجعة لتحقيق الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام
تعتبر الديمقراطية التشاركية من بين أهم الآليات التي يتم من خلالها العمل على ضمان مشاركة المواطنين في مسلسل اتخاذ القرارات العمومية، ومن بين أهم المداخل الفعالة لتحقيق المشاركة المدنية المواطنة في مجال السياسات العموميةكما أن المشاركة المواطنة في مسلسل اتخاذ القرارات العمومية وفي مجال السياسات العمومية، تعتبر المدخل الأساسي لضمان الانخراط الإيجابي للمواطنين في تدبير الشأن العام، وتشكل آلية هامة لتقييم السياسات العمومية على المستويين الوطني والمحلي، وللرقابة الشعبية والمجتمعية على متخذي القرارات.وقد عرف مجال الديمقراطية التشاركية تطورا كبيرا خصوصا في الدول المتقدمة التي تطور فيها مسار الديمقراطية التمثيلية، كما أفرزت التجربة العديد من الممارسات الفضلى على المستوى الدولي.وبالنسبة للمغرب، تم تتويج مسار الديمقراطية التشاركية بالتنصيص في مقتضيات دستور 2011 الجديد على العديد من الآليات الكفيلة بضمان المشاركة المواطنة في مسار اتخاذ القرارات والسياسات العمومية.إن إعمال الديمقراطية التشاركية من شأنه المساهمة في الحد من احتكار السلطة من قبل أقلية منتخبة في المجتمع، وهو ما من شأنه المساهمة في توسيع قاعدة النخب الاجتماعية والمدنية وتيسير مساهمتهم في تدبير الشأن العام.كما أن المفهوم التقليدي للانتخاب أصبح متجاوزا، بحيث لا يمكن القول بأن دور المواطن يقتصر فقط على الإدلاء بصوته في الانتخابات لاختيار ممثليه في المؤسسات المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي، بل من الضروري ضمان استمرارية مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات والسياسات العمومية بشكل دائم ومستمر، وهذا ما من شأنه تفعيل مبدأ السيادة الشعبية وتكريس حكم الشعب.وتتيح الديمقراطية التشاركية، لجميع المواطنات والمواطنين، طبقا للقواعد الدستورية والقانونية الجاري بها العمل، المساهمة الفعالة والدائمة في مسار القرارات والسياسات العامة.وفي هذا الإطار، تشكل الديمقراطية التشاركية آلية ناجعة لتحقيق الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام، وتهدف أيضا لتحقيق الشفافية، وتساهم في تفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة، كما أنها تعد وسيلة هامة لضمان المشروعية من خلال الرضا المعبر عنه من قبل المساهمين في صنع القرارات والسياسات العامة والمعنيين بها.ويرتبط نجاح الديمقراطية التشاركية بمدى إشراك كل المعنيين من جمعيات مدنية وفاعلين مهنيين ونقابيين وقطاع خاص في كل القرارات والسياسات العمومية في جميع المراحل ابتداء من مرحلة التشخيص، ومرورا بمراحل إعداد القرارات والسياسات، وتبنيها واعتمادها، وتنفيذها، ومتابعتها، وتقييمها.والديمقراطية التشاركية بهذا المفهوم، لا تشكل بديلا عن الديمقراطية التمثيلية، وإنما هي مكمل لها، وتتواجد إلى جانبها. وهي تحاول تجاوز الاختلالات التي كشف عنها تطبيق الديمقراطية التمثيلية.

________________

اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني

 وأدواره الدستورية الجديدة

________________

الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية”

 التصميم:

1-    الديباجة

2-: المرتكزات

2-1: المرتكزات 

2-2: المبادئ

        2-3: الأهداف الخاصة

3 – المفاهيم المرجعية

         3-1 : الديمقراطية التشاركية  

         3-2: المجتمع المدني

         3-3: المنظمات غير الحكومية

         3-4: المشاركة المدنية ومجالات تدخلها

4- : آليات وقواعد إعمال الديمقراطية التشاركية

4-1: آليات مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي

4-2: مستويات مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي

4-3: مراحل مسار اتخاذ القرار العمومي

4-4: التوزيع الوظيفي لأدوار والتزامات الفاعلين

    4-4-1: أدوار الفاعل المدني والتزاماته

    4-4-2:أدوار والتزامات الفاعل العمومي

  

1-   الديباجة

أكد دستور 2011، والتوجهات السياسية والإستراتيجية العامة التي واكبته، الالتزام بتطوير مسالك قانونية ومؤسساتية كفيلة بضمان تفعيل جيد وجدي للديمقراطية التشاركية بوصفها ركنا أساسيا للنظام السياسي والاجتماعي القائم على ثوابت جامعة من الإسلام والملكية والوحدة الترابية والاختيار الديمقراطي والمكتسبات في مجال الحقوق والحريات. وهو ما يستلزم تعميم مجالات المشاركة المواطنة والمدنية لتشمل جميع مناحي الحياة العامة، وما يرتبط بتدبير الشأن العام، سواء على مستوى التنمية والشفافية، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية وحماية كرامة المواطنات والمواطنين، والدفاع عن حرياتهم الفردية والجماعية، وحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والبيئية.

وفي ذلك، إرادة صريحة  للانتساب إلى القيم والمبادئ الأساسية المتعارف عليها دوليا، وفق ما أقره الدستور، وما سنته المواثيق والعهود الدولية حول حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتي أضحت جزءا لا يتجزأ من مطالب الحركات المدنية.

ولأن هذا السياق يفرض استثمار الوعي المدني الذي أعقب الحراك الديمقراطي وامتداده المغربي، في تحصين دولة الحق والقانون، فإنه يتعين ضرورة اليقظة والحرص لتفادي كل ما من شأنه أن يكرس لدى المواطن الشعور بالغبن الاجتماعي، وبعدم الثقة في إمكانية العيش بكرامة داخل مجتمع حر ومتضامن وعادل.

 إن ذلك كله، يجعل من مبادرة إطلاق “الحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة” فرصة تاريخية لتقوية الشراكة بين الدولة، وبين  النسيج الجمعوي للمجتمع المدني.

 إن قوام هذه الشراكة، من وجهة نظر الفاعلين المشاركين في مختلف المنتديات واللقاءات التشاورية الجهوية والوطنية والدولية المنجزة في إطار هذا الحوار، يتحقق  بـ:

أولا: تثمين مكتسبات محطات التحول نحو الديمقراطية التي شهدها المغرب بشكل تراكمي منذ بداية الاستقلال، مرورا بكفاح كافة القوى الحية ومؤسسات الدولة لإقرار حياة ديمقراطية سليمة وانتهاء بمرحلة إقرار دستور 2011 وما نتج عنه من وضع مناخ سياسي جديد تميز فيه المغرب بجمعه الخلاق بين الاستقرار واستمرار الاصلاحات؛

ثانيا: اعتبار الديمقراطية التشاركية حلقة من حلقات مسلسل بناء الديمقراطية بالمغرب، تهدف إلى خلق تكامل وظيفي مع مستويات الديمقراطية التمثيلية –المحلية، والإقليمية، والجهوية والوطنية؛ ولا يمكن استشراف مستقبل هذا التكامل بمنطق تنازع الأدوار ؛

ثالثا: تحسين العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة عبر ضمان الحق في المعلومات وتقوية فعالية ونجاعة السياسات العمومية، والعمل بأسلوب مبني على الحوار، وتقاسم المسؤولية، والإنصات والقرب والتعبئة، بإمكانه توقع المشاكل التي قد تؤدي إلى خفوت ثقة المواطن في المؤسسات العمومية بسبب التآكل البطيء والتدريجي في نوعية الخدمات العمومية، وتقليص الحريات، وضعف الشفافية، والعدالة، وتكافؤ الفرص؛

رابعا: إبداع نموذج للديمقراطية التشاركية بنظام حركي يتحقق أداؤه “المثالي” بدرجة قدرته على إنتاج تعاون بناء من أجل تنمية بشرية مستدامة؛ توازن بين الخلفيات الثقافية لمسالك التضامن، والتكافل، والتطوع الاجتماعي بما يعزز الحكامة الجيدة وديمقراطية القرب، والحق في التنمية، والمشاركة المواطنة الفاعلة، وتوسيع سلطة الفاعلين الترابيين في مجالات التنمية المحلية.   

وحيث إن إرساء معالم هذا النموذج التشاركي لا يمكنه إلا أن يسير في خط مستقيم تصاعدي بلا رجعة، فإن ذلك يلزم الدولة والمجتمع المدني تنزيله، وتفعيله على أرض الواقع، ومواصلة الإشراف عليه، في إطار من المسؤولية الوطنية، والانفتاح الفكري والثقافي على مختلف التوجهات المدنية التي يزخر بها المجتمع المغربي.

وإذ تجدد اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة، تمسكها بما ورد في ندائها من أجل المشاركة في الحوار، على مستوى الاعتراف بمساهمة المجتمع المدني في التنمية والإصلاح، والدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذا تعزيز مكتسباته،واستثمار تراكماته،وخبراته، وتوفير الشروط اللازمة للرفع من أدائه في المشاركة، والرقابة، وتعزيز الحكامة؛

 

وإذ تلح على التفاعل الإيجابي مع مختلف المقترحات المقدمة في إطار وسياق الحوار الوطني ؛

وإذ تحرص على الوفاء بما أوصى به المشاركون في مختلف فعاليات هذا الحوار ؛

وإذ تجدد اللجنة الوطنية للحوار، دعوتها إلى الحركة الجمعوية قصد توحيد صفوفها وتنسيق مواقفها، والارتقاء بها إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تفرضها المقتضيات الدستورية المرتبطة بالمجتمع المدني وأدواره الجديدة

وإذ تدرك أن النقاش العمومي الذي حركه الحوار الوطني حول المجتمع المدني من شأنه إغناء التجربة الجمعوية المغربية، وإنضاج الظروف المناسبة لتحقيق ذاتها كشريك راشد وحيوي قادر على التعاون والإسهام بمسؤولية ونضج في تفعيل مقتضيات الوثيقة الدستورية عامة، والمتعلقة منها بالديمقراطية التشاركية خاصة؛

وبالنظر إلى المناقشات والمشاركة المكثفة التي عرفتها أشغال الحوار الوطني، وحرصا على التجاوب مع توصيات وإرادة الفاعلات والفاعلين الجمعويين وكذا المؤسسات الوطنية  ممن أسهموا في مختلف اللقاءات والندوات المنجزة في إطاره، أو في المبادرات الأخرى التي واكبت أشغاله، فإن اللجنة الوطنية للحوار تقترح ميثاقا وطنيا للديمقراطية التشاركية، يهدف إلى بناء إطار إرادي للتعاقد والتعاون بين الدولة والمجتمع المدني، من أجل تفعيل جيد وجاد لمسالك وآليات المشاركة المواطنة في صناعة وتنفيذ وتتبع ومراقبة السياسات العمومية، وتقييمها.

  

2-    المرتكزات

 

 2-1: المرتكزات

يستند الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية على المبادئ ﺍﻟﺩﺴﺘﻭرية ﺍﻟﺘﻲ ﺃكدت على بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والرعاية والعدالة الاجتماعية في نطاق التلازم بين حقوق المواطنة وواجباتها.

 

2-2: المبادئ

يعتمد هذا الميثاق في حيثياته على  أربعة مبادئ:

§       تدعيم اﻠﻘﻭﺍﻋﺩ والإجراءات ﺍﻟﻘﺎنونية ﻭﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺘﻴﺔ ﺍﻟﻤﺅﻁﺭﺓ ﻟمبادئ الديمقراطية التشاركية وقيمها؛ ﻭتأكيد اﻟﺘﺯﺍمات ﺍﻟﻤﻐﺭﺏ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ مجال ترسيخ مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار؛

§       تكريس الربط التكاملي والتفاعلي بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية؛

§       تفعيل الدينامية التشريعية والمؤسساتية ﻭﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﺍﻟﻤﻨﺒﺜﻘﺔ ﻋﻥ ﺍﻹصلاح ﺍﻟﺩﺴﺘﻭﺭﻱ، والتي تستلزم تعزيز المقاربة ﺍﻟتشاركية بمبادئ تعاقدية تفعل أدوار الفاعل المدني؛

§       تحقيق تملك ﻗﻴﻡ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﺘﺸﺎﺭكية ﻭﺍﻟﺘﻌﺩﺩﻴﺔ، وحرية الرأي ﻭﺍﻟﺤﻜﺎمة ﺍﻟﺠﻴﺩﺓ، الذي يستدعي ﺍﻻنخراط ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻬﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟمدنية ﻓﻲ إعمال ﺍلمبادئ ﺍﻟﺩﺴﺘﻭﺭية.

تعتبر مضامين الميثاق التزاما ذا طبيعة تعاقدية اخلاقية وقيمية؛ ومن هذه الناحية، فإنه:

ü   يستحضر المبادئ والقيم والممارسات الكفيلة بجعله منخرطا في المرجعية الحقوقية الدولية لحقوق الإنسان كما اطرها الدستور، وخاصة الحق في التنمية، والكرامة والاستقرار ؛

ü   تفتح الوثيقة الدستورية أفقا جديدا أمام الدولة والمجتمع لتوطيد دعائم الديمقراطية،  ودعائم دولة الحق والقانون، وترسيخ أسس الديمقراطية التشاركية ومرتكزاتها وآلياتها، كما تفصلها أحكام الدستور وخاصة الواردة في الفصول1 و6 و12 و13 و14 و15 و18 و19 و 27و31 و 33و34 و154 و136 و139 و155 و156 و157 و159 والفصول من 160 إلى 170 ؛

ü   الميثاق هو أحد الاجتهادات لتأطير تفعيل المقتضيات الدستورية؛ ويؤكد على أن نجاح الديمقراطية التشاركية رهين بالتكامل والتفاعل مع الديمقراطية التمثيلية، كما يلتزم بمقتضيات ﺍﻟﺩﺴﺘﻭﺭ  ﻭ بأحكام القوانين المؤطرة للعمل المدني؛

ü   يكرس الهوية والوظيفة الديمقراطية والمواطنة للمجتمع المدني باعتباره صاحب حقوق مضمونة دستوريا، ومنظما قانونيا ، ويشتغل في استقلالية عن باقي الأطراف، ويسهم بمسؤولية في تنفيذ البرامج التي شارك في وضعها، وأدواره لا يمكن أن تكون فاعلة خارج السياق الديمقراطي. ويتبنى الممارسات ذات الصلة بقيمه المدنية المثلى؛

ü   يقر بالتراكم الإيجابي الذي حققه المغرب في مجال التدبير التشاركي من خلال استحضار التجارب العملية، التي نذكر منها، ميثاق إعداد التراب الوطني، والميثاق الوطني للتربية والتكوين، وميثاق البيئة، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والميثاق الاجتماعي، وميثاق إصلاح العدالة.وغيرها من مبادرات الدولة والمجتمع المدني لتعزيز ثقافة الاستشارة العمومية.

 

2-3 :الغايات

وتأسيسا على المرتكزات والمبادئ المحددة اعلاه ، فإن الديمقراطية التشاركية المتوخاة تسعى إلى تحقيق أربع غايات:

§       المشاركة المدنية عبر التأثير في صناعة القرار العمومي؛

§       تحقيق الشفافية؛

§       تفعيل المساءلة المدنية؛

§       تكريس الحكامة الجيدة في ادارة الشأن العام.

2-4: الأهداف الخاصة

ولضمان تفعيل جيد لهذه الغايات الأربع، يجب أن تفعل الديمقراطية التشاركية وفق تصور إجرائي مقيد بأهداف خاصة، نذكر منها على وجه الخصوص:

§       تحديد مساهمة الهيئات المدنية في تدبير الشأن العام بشكل يضمن وجود تفاعل وتكامل مع المؤسسات التمثيلية، والسلطات العمومية؛

§       جعل اتخاذ القرار تمثيليا والتأثير فيه تشاركيا، احتراما للمسؤوليات والمهام؛

§       جعل المعلومة متاحة أمام المواطنين –محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا- من قبل السلطات العمومية والمجالس المنتخبة  والقطاع الخاص وجمعيات المجتمع المدني؛

§       تقوية أسس الشفافية في التدبير والتمويل؛

§       تتبع ومواكبة المشاريع والقرارات من مرحلة التشخيص والتخطيط إلى التنفيذ والتتبع والتقييم؛

§       إعمال القيام بالمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة؛

§       الرفع من القدرات التسييرية والتدبيرية للهيئات المدنية؛

§       العمل على تقوية أسس التزام مختلف الأطراف بمبادئ الحكامة.

  

3– المفاهيم المرجعية

 

3-1: الديمقراطية التشاركية

   الديمقراطية التشاركية، في الوثيقة الدستورية، هي إحدى الأسس الأربعة التي يستند إليها النظام الدستوري للمملكة، حيث وردت في مقام ثان في الفصل الأول من الدستور مقرونة بالمواطنة بعد “فصل السلط”، ومتبوعة بـ “مبادئ الحكامة الجيدة” و”ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

وهي، الإطار المؤسساتي الذي تتحقق من خلاله الممارسة المواطنة والتعاون والتشاور بين مختلف المؤسسات والمصالح العمومية من جهة، والجمعيات والمنظمات غير حكومية والأفراد والجماعات من جهة ثانية. وذلك، لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، والدفاع عن حرياتهم، وتمكينهم من الحقوق الأساسية، ومن التنمية المستوفية لشروط التقدم والرفاه، في إطار دولة حديثة يسودها الحق والقانون، وتؤمن فيها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وترسى فيها “دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”.

 

3-2 في مفهوم المجتمع المدني

 ورد مصطلح “المجتمع المدني” في الفصل الثاني عشر من الوثيقة الدستورية بوصفه كلا يحتوي على جزء تمثله الجمعيات” و”المنظمات غير الحكومية” الخاضعة في تأسيسها وتسييرها للمبادئ الديمقراطية ومقتضيات القانون.

ومعناه في المطلق، مجموعة من الهيئات تكون خاضعة لقانون خاص أو غير خاضعة له، وهو مكون من مكونات المجتمع، يقع بين “الأسرة والدولة والقطاع الخاص”، ويشتمل على جمعيات ومنظمات غير حكومية، وجماعات أفراد تتعاون لتحقيق أهداف غير ربحية؛

وهو، من الناحية الفكرية، إطار للتربية على المواطنة متنوع، تطور –تاريخيا- في المجتمعات المعاصرة بالاستناد إلى مقولات أخلاقية – ثقافية متكاملة: (1) الاستقلالية و(2) الديمقراطية، و(3) المواطنة و(4) الحكامة الجيدة و(5) حرية المبادرة و(6) التضامن و(7) المشاركة و(8) التسامح و(9) التطوع ؛

 وهو، من الناحية العملية، فعل مدني متنوع لا يتوخى توزيع الأرباح بين القائمين عليه، ينشط داخل المجال العام باعتباره ممارسة تتقاطبها المصلحة العامة والمصالح الخاصة للأفراد والجماعات المكونة له، بشكل يؤدي في الغالب الأعم إلى بلوغ مصلحة مشتركة سمتها التوافق والنزوع إلى التواصل والإنصات والحوار.

                                                                        

3-3 في مفهوم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية

الجمعية أو المنظمة غير الحكومية، هي “شخص معنوي يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، ينشأ باتفاق بين شخصين أو أكثر، يعمل بمقتضاه وبصفة دائمة على تحقيق أهداف مشروعة باستثناء توزيع الأرباح فيما بينهم”.

وتجري عليها فيما يرجع لصحتها القواعد القانونية العامة المطبقة على العقود والالتزامات. وهي من هذا المنظور، هيآت مستقلة تطوعية تأسست باعتبارها تنظيمات اجتماعية تعاقدية، تهدف إلى تحقيق مصالح غير مرهونة بتوزيع الأرباح بين أعضائها.

ولأن اشتغالها مدني غير نفعي، فإن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، في عمومها، تتقاسم المبادئ الأساسية التالية:

ü   النزاهة واستقلالية القرار والإدارة الذاتية؛

ü   احترام القانون؛

ü   حقوق الإنسان والكرامة؛

ü   الشفافية والديمقراطية؛

ü   المسؤولية والخدمة والاهتمام بالصالح العام؛

ü   الحوار والتوافق والاحتكام إلى مبادئ حرية الرأي والمناصفة وتدبير الاختلاف؛

ü   الانفتاح والتعاون؛

ü   قيم التطوع والتضامن والمساعدة من أجل تحقيق الرفاه الاجتماعي.

3-4 المشاركة المدنية ومجالات تدخلها

 بحسب المقتضيات الدستورية، المشاركة المدنية مسار مؤسساتي مبني على قوانين ضابطة تتيح انخراط الموطنات والموطنين والمرتفقين، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، والمغاربة المقيمين في الخارج، وبقية الفاعلين الاجتماعيين في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل ما يتعلق بحماية الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، والحريات المدنية، والمناصفة بين الرجال والنساء، والإدماج الاجتماعي للشباب والفئات الاجتماعية في وضعية الهشاشة، والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاربة الرشوة، والحكامة الجيدة، والولوج إلى المعلومات والمرافق العمومية، والمساءلة الاجتماعية.

وتتحقق هذه المشاركة بـالتعاون والتضامن والحوار والاستشارة والتشاور مع المؤسسات المنتخبة، والسلطات العمومية بخصوص إعداد السياسات العمومية، وبرامج التنمية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، واقتراح قرارات ومشاريع، وتقديم ملتمسات في مجال التشريع وعرائض تهم مناحي الحياة العامة.

 ويمكن ضبط هذه المشاركة المدنية الفاعلة في صياغة واتخاذ السياسات والقرارات العمومية عبر التمييز بين ثلاثة مستويات:

§       مستوى قواعد المشاركة المدنية؛

§       مستوى آليات المشاركة في مسار اتخاذ القرار العمومي؛

§       مستوى أدوار والتزامات الفاعلين في صياغة وتتبع ومراقبة تنفيذ السياسات العمومية.

  

                     4-  آليات وقواعد إعمال الديمقراطية التشاركية

 

4-1 : آليات مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي

تتحقق المشاركة المدنية عبر أربع آليات:

         المرافعة من أجل إيصال مطالب المواطنات والمواطنين والمرتفقين وإسماع صوتهم للمؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا؛ وذلك عبر عرائض وملتمسات ترفع بشكل يستوفي مجموعة من المساطر المنصوص عليها بقوانين تنظيمية. وهذه المشاركة ذات أهمية قصوى على المدى البعيد، إن على مستوى إغناء المسار السياسي للقرار العمومي، أو على مستوى تجويده وتفاعله الإيجابي مع تطلعات عموم الموطنات والمواطنين؛

         الاتفاق المتعاقد بشأنه، وهو التزام مكتوب للتعاون والتضامن مبني على التراضي خاضع لمجموعة من المداخل العملية؛ نذكر منها، الثقة المتبادلة، والعمل على تجاوز معوقات تنافر المصالح، وتباعد الأهداف والتطلعات بين المؤسسات العمومية ومكونات المجتمع المدني، والاحتكام إلى ثقافة النتائج، واحترام الأدوار، وتكامل الوظائف والموارد، وتفاعلها؛

         العضوية في هيئات الحكامة، بشكل يمكن المجتمع المدني من المشاركة في جميع مراحل إعداد القرار العمومي واتخاذه وتنفيذه وتقييمه، وتقاسم المسؤولية مع مختلف هيئات ومصالح الدولة، في إطار من التضامن والتعاون؛

         المساءلة المدنية للمؤسسات العمومية، من مجالس منتخبة وسلطات عمومية، وفق منهجية وقواعد تتأسس على تغليب المصلحة العامة، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتواصل والحوار بشأن حصيلة تنفيذ برامج ومشاريع التنمية وكل ما يخص القرارات التدبيرية والمالية لمناحي الحياة العامة وصيانة حقوق الموطنات والمواطنين وكرامتهم.

 

  

4-2 مستويات مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي

يقر الميثاق أربعة مستويات في مسار صياغة واتخاذ القرارات والسياسات العمومية للمشاركة المدنية :

         الإخبار؛

         الاستشارة؛

         الحوار والتشاور؛

         الشراكة وتقاسم المسؤولية.

حيث يعد المستوى الرابع أسمى تمثلات المشاركة التي تؤهل المجتمع المدني من أن يضطلع بأدوار مجتمعية محورية يصبح معها شريكا حقيقيا في التنمية، وفي إنتاج الثروة بمفهومها الشامل، وفي تحقيق مبتغيات الديمقراطية والحرية والرفاه الاجتماعي والاقتصادي.

 

4-3: مراحل مسار اتخاذ القرار العمومي

يمر مسار اتخاذ القرار العمومي من سبع مراحل:

         مرحلة صياغة برنامج العمل؛

         مرحلة الاستشارة العمومية: إعلانا وإخبارا وإنجازا؛

         مرحلة صياغة السياسة العمومية؛

         مرحلة التنفيذ؛

         مرحلة التتبع؛

         مرحلة التقييم؛

         مرحلة إعادة الصياغة.

وفي جميع هذه المراحل، يمكن للمجتمع المدني التفاعل مع المؤسسات العمومية وفق تصور تنظيمي قائم على مقاربة العمل بالنتائج، ومؤشرات النجاعة والمردودية، واحترام قواعد الترشيد الزمني والمالي للموارد والأشغال .

 

4-4: التوزيع الوظيفي لأدوار والتزامات الفاعلين

لقياس فعالية المشاركة المدنية في مسار اتخاذ القرار العمومي وتنفيذه، يجب أن ترتب هذه المشاركة باعتماد توزيع وظيفي للأدوار والالتزامات يتحقق عبر:

4-4-1:أدوار الفاعل المدني والتزاماته

       النضال والترافع عبر ملتمسات وعرائض، إسهاما في حل المشاكل، ورفع الضرر، وإيصال شكاوي المرتفقين، وعموم المواطنات والمواطنين، وتعزيزا لما يقتضيه العيش المشترك من عدالة وحقوق أساسية، ووقاية من المخاطر الماسة بالحرية، والكرامة الإنسانية، والأمن، والحق في التنمية، وفي العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص؛

       النهوض بدور الوساطة وتحسيس السلطات العمومية، والمجالس المنتخبة بحاجيات المواطنات والموطنين ومرتفقي الإدارة العمومية عبر تنظيم فضاءات للإنصات، والمواكبة، والمساءلة الاجتماعية؛

       التعاون مع المؤسسات العمومية عبر الخبرة الميدانية، وإعطاء الاستشارة فيما يخص المواضيع ذات الطابع الإجرائي، أو ما يهم الاستهداف الموضوعي للدعم العمومي الموجه للفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخاصة أو في وضعية تستدعي معالجة اجتماعية مستعجلة؛

       إبداع وابتكار واقتراح المقاربات والحلول والممارسات الجيدة التي بإمكانها أن تغني مسارات تنفيذ السياسات العمومية وتمكينها من الملاحظات التجريبية الكفيلة بتحسين أدائها وتجويد وقعها الاجتماعي والاقتصادي على الفئات المستهدفة ؛

       تقديم خدمات بديلة تستجيب وما تقتضيه مسؤولية القرب من أداء لصيق بالفئات الاجتماعية في وضعية الفقر أو الهشاشة الاجتماعية، و تحقيق تواصل مستمر معها.

       الالتزام بالارتقاء بكفاءة ووضعية العاملين الطوعيين في مختلف المهن الجمعوية وتمكينهم من حقوقهم المادية والاجتماعية.

 

 

       4-4-2. أدوار والتزامات الفاعل العمومي

    نقصد بالفاعل العمومي في هذا الميثاق الدولة بقطاعاتها الحكومية ومؤسساتها ومقاولاتها العمومية والجماعات الترابية بمختلف أصنافها.

       إقرار سياسة عمومية وتدابير إدارية للتعامل مع منظمات المجتمع المدني في بعدها البينوزاري المركزي وكذا عبر إحداث جهاز تنسيق لا متمركز من شأنه أن يكون مخاطبا للفاعلين الجمعويين؛

       العمل على إدماج قيم التطوع والتعريف بأهمية الحياة الجمعوية من خلال المناهج التربوية والعمل الإعلامي العمومي بما يحقق نشر الثقافة الطوعية ويعزز السلوك المدني

       الاستثمار في مجال الدراسة والبحث لامتلاك رؤية علمية متجددة عن منظمات المجتمع المدني كفيلة بالتأهيل المستمر للسياسات العمومية ذات الصلة؛

       الاستثمار في تكوين الشباب لولوج المهن الجمعوية وانفتاح الجامعة على البحث والتأهيل في هذا المجال بما يرفع درجة تأطير المشاريع وتحقيق الأهداف المتعاقد بشأنها بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني؛

       تيسير الولوج للمعلومات بحيثيات وبمساطر تضمن السرعة، وتساوي المعاملة بين جميع الفاعلين المدنيين في بلوغ هذه المعلومات، وذلك باعتماد كل الوسائل المتاحة للتواصل بما فيها التواصل الإلكتروني؛

       اعتماد مساطر مبسطة وشفافة وواضحة تضمن تيسير المشاركة المدنية؛

       توفير الموارد والدعم الضروري لتحقيق مشاركة مدنية وازنة في مسار صياغة، وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية بما في ذلك إقرار نظام ضريبي ملائم ومحفز لانخراط المواطنين في دعم العمل الطوعي؛

       تعميم المعلومات حول طلبات الترشح للشراكة العمومية، والإعلان عن نتائج معالجة الطلبات المقدمة من طرف منظمات المجتمع المدني في إطار من الشفافية، وتعليل القرارات وفق ما تقتضيه المصلحة العامة وأولويات السياسات العمومية؛

       اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي والتمييز الإيجابي معيارين ثابتين لتحقيق إدماج اجتماعي منصف لفئات النساء والأطفال والشباب والشيوخ وذوي الاحتياجات الخاصة؛

       العمل مستقبلا على تحقيق التحول التدريجي للتدبير المالي للجماعات الترابية نحو الميزانيات التشاركية المبنية على مشاركة الجمعيات المحلية في صياغة، وتتبع ومراقبة تنفيذ البرمجة المالية السنوية للجماعات الترابية.