المدير برهون حسن 00212661078323
أثار باحثون سياسيون جدلية شكل النظام العالمي الجديد في ضوء المتغيّرات التي تشهدها الساحة السياسة في الولايات المتحدة بعد انتصار جو بايدن في السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض، وخاصة مصالح واشنطن الاقتصادية والنفوذ السياسي وما يرتبط بكل ذلك من تفاعلات.
وفي كل الأحوال ستكون سياسة بايدن، داخليا وخارجيا، مختلفة عن الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب وقد ظهرت مؤشرات على ذلك منذ أواخر العام الماضي.
وتعززت تلك النظرة عندما كتب بايدن في أبريل الماضي مقالا في مجلة “فورين آفيرز” الأميركية بعنوان “لماذا على الولايات المتحدة أن تقود من جديد؟” تناول فيه السياسة الخارجية لبلده، واستعرض فيه ملامح السياسة الخارجية التي يعتزم انتهاجها في حال وصوله إلى البيت الأبيض كرئيس.
وقال الرئيس الديمقراطي المنتخب حينها إن “أجندة السياسة الخارجية الخاصة به سوف تضع الولايات المتحدة مجددا على رأس الطاولة في وضع يسمح لها بالعمل مع الحلفاء والشركاء لحشد العمل الجماعي في وجه التهديدات العالمية”.
ولكن من أجل حدوث ذلك التحول الدراماتيكي، فعلى الأميركيين الانتظار حتى العشرين من يناير المقبل حينما يؤدي بايدن اليمين الدستورية. ويبدو أن البيت الأبيض مستعد مرة أخرى للترحيب بالسيناتور الديمقراطي السابق في المكتب البيضاوي. وإن كان في مكانة مختلفة تماما عن تجربته السابقة كنائب للرئيس باراك أوباما.
ويرى فونميلولا أجالا، الباحث في الشؤون الأفريقية المقيم في برلين، في تقرير نشرته مجلة “موديرن دبلوماسي” أنه عندما يتسلم بايدن منصب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة في يناير المقبل، فإن عليه معالجة الكثير من الملفات، فإلى جانب أزمة كوفيد – 19 عليه معالجة النظرة العنصرية في الولايات المتحدة.
ويؤكد ثيودور آر جونسون، الخبير في السلوك الانتخابي بين الأميركيين الأفارقة في مركز برينان للعدالة، أن وجود امرأة ملونة هي كامالا هاريس مع بايدن “هو اختيار ديموغرافي بنسبة ألف في المئة” مما ساعد بدرجة كبيرة على انتصار الديمقراطيين في انتخابات 2020.
وإضافة إلى ما يتوقعه الأميركيون من الرئيس المنتخب من إنعاش الاقتصاد لمدة ثلاث سنوات، فإن السياسة الخارجية التي سيتبعها بايدن ستدير أعناق الجميع لأنه مصرّ على إعادة جعل الولايات المتحدة مهيمنة على العالم مرة أخرى.
ويقول أجالا ستكون لرئاسة بايدن، بطبيعة الحال، تحديات خطيرة للتعامل معها فسنوات خبرته في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الكابيتول هيل ستوضع على المحك.
وفي غضون أربع سنوات خلت روّج الرئيس ترامب للقومية المزمنة على حساب العولمة. بينما اكتسب تحليله للعولمة على أنها مناهضة للناس آثارا في أماكن قليلة، وهناك شعور متزايد بأن مثل هذا التصرف قد دفع المجتمع الدولي إلى المزيد من الاضطرابات والشكوك.
وكان ترامب خبرا سيئا لمنظري التعددية كما تجلى في انهيار العلاقات عبر الأطلسية مع الاتحاد الأوروبي من ناحية، والحرب التجارية التي لا تنتهي مع الصين من ناحية أخرى. وقد تركت انتقاداته الحادة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في حالة يرثى لها ككيان بلا دفة.
ويمكن تلخيص الانسحاب الأحادي الجانب للولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية على أنه إهانة كبرى للعولمة وثقافة الجهود المشتركة لتحقيق التطلعات المشتركة.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن الخلاف بين واشنطن وبكين لا مفر منه وضروري، إذا احتفظت الولايات المتحدة بهيمنتها على النظام، وبالتالي يتطلب من بايدن أن يكون استراتيجيا للغاية في تعاملاته مع الصين.
وهناك مسرح آخر لا يمكن أن يفلت من رادار الولايات المتحدة هو الشرق الأوسط، حيث لا تزال العلاقة المشحونة بين إسرائيل والعرب، وأي خطط جديدة لإيران في المنطقة قابلة للاشتعال، مما يضع المزيد من الضغط على البيت الأبيض في كل وقت، بغض النظر عن الميول السياسية لساكنه.
وقد أدى نهج ترامب الجريء في الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ومقتل الجنرال قاسم سليماني في غارة بطائرة دون طيار، إلى جانب تساهله الواضح مع إسرائيل، إلى تفاقم العداء الأبدي في المنطقة.
علاوة على ذلك، لا تزال شبه الجزيرة الكورية تمثل عبئا دبلوماسيا على الولايات المتحدة، حيث فشلت المحاولة الفردية التي قام بها ترامب لإدارة كوريا الشمالية في ترجمتها إلى بيونغ يانغ منزوعة السلاح النووي، وهو ما كان يأمل فيه أثناء مشاركته في جلسة تصوير مع كيم جونغ أون في يونيو من العام الماضي.
وأشار ترامب إلى تلك اللحظة على أنها “شرف عظيم” بعد أن بات أول رئيس أميركي في منصبه تطأ قدماه الجانب الشيوعي من شبه الجزيرة الكورية. وهنا يعتقد أجالا أن كيفية المناورة بلباقة ستكون أبرز كابوس في السياسة الخارجية للرئيس بايدن.
وبالرغم من أن الصداقة العالمية الدائمة لـ”النظام العالمي الجديد” ربما تكون قد عانت كثيرا نتيجة لشعار ترامب “أميركا أولا”، إلا أن الإدارة الأميركية الجديدة تبدو مستعدة لاستعادة التقليد القديم المتمثل في بناء الإجماع عبر التواصل والمفاوضات بين واشنطن وحلفائها.
ويسلم براين ماكيون مستشار الرئيس المنتخب للسياسة الخارجية، وأحد كبار المسؤولين عن سياسة البنتاغون الرسمية في عهد أوباما بتلك الفكرة، حيث قال “سيكون لدى بايدن الكثير من أعمال الإصلاح كرئيس”.