المدير برهون حسن 00212661078323
بقلم خالد الرابطي
من الطبيعي، بل المفروض أن تلعب المؤسسات المنتخبة، من مجالس المقاطعات، والجماعات، والعمالات، وحتى الغرف دورا أساسيا في تنمية المجتمع، بصفتها المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي، بما يتناسب وتوفير الظروف الملائمة والسبل الناجعة للرقي بالمواطن إلى مصاف المواطن الصالح، الشريك في صناعة القرار والمستقبل، وبما يتناسب وتحسين وضعيته الاجتماعية، ومحاربة المظاهر السلبية التي تنغص عليه حياته، سواء تعلق الأمر بالمجال الاجتماعي، أو السياسي، أو الاقتصادي. لكن يبدو أن عقلية منتخبينا أو بعضهم – حتى نكون منصفين – لم تصل بعد إلى المستوى الذي يجعلها مستوعبة الأدوار الملقاة على عاتقها، للعمل على تأهيل الأحياء التي تقع تحت مسؤولية من تهافتوا على تمثيلها، ومحاربة السلوكيات المشينة التي تطبع نمط عيش ساكنتها، بسبب حصرهم لمفهوم دور المُنْتَخَب في تغليب فريق على آخر خلال الصراعات، و التنافس على المناصب، ومحاولة فرض السيطرة على المجالس من أجل تمرير قرارات مكاتبها، أو عرقلتها من طرف معارضيعا، دون أدنى اعتبار للمواطن، وانتظاراته، ومصالحه المتأخرة، أو المتوقفة.
وهذا ما يمكن استخلاصه من متابعة جلسات المجالس بمختلف مسمياتها، وخصوصا جلسات التصويت على الميزانيات، والتي تمر في أجواء جد مشحونة وغير مسؤولة، يغلب عليها الطابع الدرامي، والكوميدي، و حتى “الآكشن”. فتتحول خلالها قاعات الجلسات إلى ما يشبه فضاءات للحلقة، أو حلبات للمصارعة، التي دائما ما يكون الخاسر فيها هو المواطن، رغم عدم مشاركته في أطوار تلك المعارك لا من قريب ولا من بعيد، ولا ذنب له سوى أنه وضع يوما ورقة في صندوق الاقتراع، كانت نتائجها ويلات على المدينة.
نفس الملاحظة تنطبق على اجتماعات مجالس المقاطعات، التي تغيب فيها روح المواطنة، وتطغى عليها إرادة كل طرف لإفشال مخططات الطرف الآخر، دون الأخد بعين الاعتبار فوائدها من عدمها، ومحاولة الرؤساء لجمع الأغلبية وسط سخط المعارضة التي بدورها تلعب دورا ليس بالبرئ من هذا التوتر، وتمرير الدورات بعد تنازلات للبعض وتجاهل للبعض الآخر، و ارضاء بعض الأطراف بوسائل شتى، وبين هذا وذاك يضيع المواطن في حقوقه، وتخسر المدينة الشيء الكثير من تأهيلها وتنميتها، وتخليصها من كل السلبيات التي تطبع حياة ساكنتها.
تخاذل المنتخبين، وضعف أداء المجالس طبعا لهما نتائج وخيمة دائماً. وهما المسؤولان عن المظاهر السلبة التي لا زالت تطغى على واجهة الأحداث بالمدينة. فإذا كانت طنجة تستعد لكي تكون قاطرة للتنمية بالمغرب، فإننا نسجل وبكل حسرة عدم تمكنها من التخلص من دور الصفيح، وتجزئ الأراضي المخصصة للفلاحة وتحويلها إلى صناديق للسكن، والبناء فوق الأراضي القروية ضدا على قانون ضبط حركية التوسع العمراني، وصون المحيط الطبيعي والبيئي، والحفاظ على التوازن والانسجام بهذا الوسط بشكل يحول دون انتشار البناء العشوائي… ناهيك عن الحديث عن تشغيل الشباب، وإعادة مجد المدينة السياحي، وتوفير الأمن بالأحياء الهامشية، وصون كرامة ساكنتها بعيدا عن مبادرات دفن الميت ونقل المرضى إلى مستشفيات لا تربطها بالصحة سوى الإسم.
تخاذل المنتخبين ومجالسهم، هو من سلم المدينة لقمة سهلة و وضعها في أفواه شركات التدبير المفوض، التي صار النقل العمومي بالمدينة، وإنارتها، ونظافتها، و تزويد دورها بالماء والكهرباء ومعها جيوب المواطنين تحت رحمتهم،
تخاذل المنتخبين ومجالسهم، هو من سبب في تفشي ظاهرة احتلال الفضاءات العمومية، وانتشار التجارة العشوائية، خاصة أمام المحلات التجارية والأسواق وعلى مشارف الطرقات وأبواب المساجد، في تواطؤ كبير ومفضوح من المسؤولين، رغم الوضعية السيئة التي صارت تعيش عليها العديد من شوارع المدينة.
تخادل المنتخبين ومجالسهم، وعدم تحملهم مسؤولية تأهيل الساكنة وخصوصاً شباب الأحياء الهامشية، هو من جعل المدينة تعيش تحت رحمة المخدرات والجريمة وتنامي نسبة الانتحارات وما إلى ذلك، لأنهم لم يَعُوا بعد أن دورهم لا ينحصر في التصويت لصالح الميزانية أو ضدها، ولا ينحصر في إكمال النصاب القانوني من عدمه، بل هو أكبر من ذلك، ويتعدى ما هو سياسي إلى ما هو اجتماعي والاقتصادي وأخلاقي إن صح التعبير.
تخادل المنتخبين ومجالسهم، وتواطؤهم هو ما سهل استفحال ظاهرة البناء العشوائي، الذي تؤدي بسببه المدينة الآن ضريبة غالية من أمنها واستقرارها، وساهم في تشويه صورة العروس التي لطالما تغنينا بجمالها الأخاذ، وتحويلها إلى ركام من الآجور والإسمنت، واغتصاب كل ما هو أخضر من غابات ومحميات، وحرمان ساكنتها من متنفسات كانت ملجأهم الوحيد للهروب ولو للحظات من عذاب الطغيان العمراني المشوه، الذي غزى حياتهم دون استئذان، وضيع على المدينة شاطئها البلدي و شواطئ أخرى في الطريق، إن ظلت العقليات على ما هي عليه.
وهكذا، يمكن تحميل كامل مسؤولية المظاهر السلبية التي تطبع كل جوانب الحياة في هذه المدينة إلى المجالس المنتخبة وبدون استثناء، كما يمكن اعتبار كل ما نراه اليوم من تحركات، ونسمعه من شعارات حول حماية المناطق الخضراء و غابات المدينة ومعالمها، و محاربة الفاسدين، و فرملة أطماعهم التي لا تنتهي، إنما هي دعاية لا أثر لها على أرض الواقع، وقد قطعنا الشك باليقين أن لا فائدة ترجى من الذين وضعتهم صناديق الاقتراع فوق كراسي الطابق السابع من قصر الدينة، وغيرها من القصور، حتى و إن كانت مباني بسيطة، و بأحياء هامشية، أو مداشر في قرى بعيدة. و باختصار شديد نقول ” من هذه المجاليس أتتنا الكوارث “.