الأوروعربية للصحافة

قراءة نقدية في كتاب لعنة طنجة

بقلم محمد زيتوني

رواية “لعنة طنجة” صدرت حديثا عن دار سليكي أخوين، طنجة. وهي مجموعة قصصية تقع في حدود 148 صفحة، وهو أول عمل أدبي للكاتب رضوان بن يشرق.

وسنحاول في هذه الورقة تقديم الرواية والإحاطة بجوانبها الشكلية ومضامينها الأساسية.

بأسلوب سردي بسيط السهل الممتنع، يأخذنا الكاتب إلى عوالم طنجة الصغيرة وفضاءاتها المختلفة(المقهى، سور المعكازين، السجن، شاطئ المدينة…) للإحاطة ببعض الوقائع الاجتماعية التي تشهدها طنجة في الوقت الراهن، كما هو الحال في باقي مناطق المغرب. حيث يكشف ويصف من خلالها البعد السيكولوجي والسوسيولوجي للشخصيات التي صنعها في مجموعته القصصية، فتارة يتكلم بلسانها، وتارة أخرى ينوب عنها.

وجدير بالذكر أن الكاتب استطاع أن يصور مشاهد ساخرة هزلية ذات  حمولة رمزية (كما هو الشأن في قصة مأساة صاحبنا، حينما انقض الرجل الريفي على السمسار في المقهى، ص91…) وكذا أحداث ميتافيزقية/خيالية في البعض من قصصه، ملهما حسه الإبداعي الواسع: (هلوسة، صاحبنا بين حبين، المدينة التحتية لسور المعكازين، قصة صناعة ناي الزعيم.)

أما من حيث المضمون، فالرواية غزيرة من حيث الأحداث، فالكاتب يحاول من خلالها إماطة اللثام عن ممارسات سوسيولوجية، وقعت في محيطه الاجتماعي (كاسبرطا، سور المعكازين، مقهى سنترال، مقهى زاكورة…) من قبيل النظام الأبوي، والهجرة وما يحيط بها من وساطة ونصب واحتيال، بالاضافة لموضوع الكتابة، وكذا الفساد الذي يطال السلطة بالمغرب، ناهيك عن إثارته لموضوع ذوي الاحتياجات الخاصة في عمله (العاشق المكفوف)، وأشار إلى ضرورة الالتفاتة لهذه الفئة المجتمعية التي يتم استبعادها من فرص الشغل وتهميشها، فهي تعاني الويلات في ربوع هذا الوطن…ولا يتسع لنا الفضاء لجرد والتفصيل في جميع المواضيع التي تناولها في عمله الأدبي، بل سنكتفي بثلاثة منها:

أولا: النظام الأبوي (البطرياكي)

عرفت المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافتها وتجاربها وظروفها خلال العصور الماضية نمط من العائلة الأبوية؛ حيث يحتل الأب الموقع المركزي في بناء العائلة، ويحتكر السلطة والنفوذ والتصرف في حياة جميع الأفراد ومستقبلهم*. وهذا ما يصوره لنا الكاتب في بعض النصوص القصصية (اعتراف وانتحار، لعنة الليل)، فالسلطة الأبوية لاتزال صامدة في وجه التحولات التي طرأت على البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي. “انفعل عبد القادر لما سمع الخبر، وبدأ يزبد ويرعد ويسب الجميع دون استثناء، وصغاره ترتعد فرائصهم من شدة الخوف، مكورين ومنكمشين في زاوية البيت، لعن الزواج، وأرجع اللوم لزوجته التي فرخت له جيشا من الأطفال وهي تعرف حالته الاجتماعية. ص23” وهذه آفة لاتزال الأسر المغربية، خصوصا المتخلفة والقروية منها.

ويؤكد كل من حليم بركات** وهشام شرابي*** بأن الأدب العربي التقليدي يملك السلطة والمسئوليات، ويتوقع الاحترام وعدم المساءلة أو الشكوى، ومما يدعم سلطته هذه، سيطرته على الأرض، الموارد وأدوات إدرار الدخل.

ثانيا: الهجرة كظاهرة سوسيولوجية

فخلافا لمحمد شكري الذي اختار مواضيع مسكوت عنها في تلك الفترة من قبيل العمل الجنسي، وما يحيط به في الملاهي الليلية، أو بعبارة الهامشيون والمنبوذون… بطنجة…فإن الكاتب رضوان بن يشرق سلك طريقا اخر، حيث نجح  في إثارة موضوع الهجرة وما يحيط بها من ممارسات لا أخلاقية، من قبيل النصب والاحتيال. فالكاتب قد كتب هذه القصة قبل هذه السنة التي عرفت موجة لا مثيل لها من الهجرة نحو أوروبا، أو الفردوس الأعلى كما يراها المغاربة، فهي غاية يجب إدراكها بشتى الوسائل…

فالبطل في قصة “مأساة صاحبنا” لم يطرق باب الهجرة حبا فيها، بل مكرها، فبعد حصوله على الاجازة كغيره من الشباب المغربي، لم يجد فرصة داخل سوق الشغل، فقرر الهجرة هربا من مستنقع البطالة وما يحيط بها من معاناة وبؤس اجتماعي…

وهذه إحدى نتائج السياسات الخرقاء التي وضعها ممثلي الدكاكين السياسية في هذا الوطن، حيث لم تتخذ أدنى جهد من أجل توفير فرص شغل حقيقية للشباب وأصحاب الشواهد في ربوع هذا الوطن، واتخذت منهم فئران تجارب لسياساتها التعليمية…فمنذ اعتماد المغرب أواخر القرن الماضي سياسة التقويم الهيكلي، إلا واتسعت الفوارق الاجتماعية بين مختلف الطبقات الاجتماعية، فالفقير يزداد فقرا، والغني

يزداد غِنى، والأوضاع لن تتغير مادام الفساد، والريع… أحد مميزات النظام السياسي بالمغرب المعاصر.

ثالثا: فساد النظام السياسي العربي

بجرأة كبيرة استطاع الكاتب رضوان بن يشرق  أن يكشف عورة النظام السياسي في نصوصه القصصية؛  مستلهما أسلوبه الساخر تارة، وحسه النقدي  المليئ بالرموز تارة أخرى (صناعة ناي الزعيم…)

ونحن نبحر في أعماق  هذا العمل، استوقفتنا مشاهد مؤثرة، كان رجال السلطة أبطالا فيها، بداية بقصة مأساة صاحبنا، حيث يصور لنا الكاتب حياة أحد الأبرياء الذين يدفعون ثمن أخطاء لم يقترفوها،  ناهيك عن ممارسات لا إنسانية في مخافر الشرطة تطال المتهمين الأبرياء: “لما نزل إلى <<الكاشو>> مكان التعذيب أو الاعتراف، صعق لما رأى وشاهد وسمع، أشخاص معلقون من أرجلهم، شخص تجمع حوله بعض رجال الشرطة بلباس مدني يركلونه في وجهه وفي جميع الأماكن الحساسة حتى يقر ويعترف بارتكاب شيء ما لا يعرفه، تأوهات وأصوات تنبعث من ألم التعذيب وقساوة الجَلد والركل. ص100”

وهذا سوسيو كليب يكشف عن الممارسات اللاإنسانية التي تميز الأنظمة المتخلفة، والشمولية…ونادرا ما تستطيع التمييز بين طرق التعذيب في هذه الدول، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يصور لنا الكاتب العراقي أزهر جرجيس، في عمله الأدبي “فوق بلاد السواد”، وبالضبط في قصة”قرب يا ولد….ابك يا ولد” مشاهد من التنكيل والتعذيب الذي يطال المتهمين بتهم باطلة، بأسلوب فكاهي، يحمل من السخرية والتهكم عن واقعه الاجتماعي والسياسي الشيء الكثير…وهي قصة تحمل من الشبه الشيء الكثير بمقارنتها مع هذا المقتطف.

فبنية السلطة بالمغرب طالها الفساد منذ أمد بعيد، حيث يحتمي تجار المخدرات، والمجرمين، وتجار الدين والسياسة بالزبونية والرشوة، أما الطبقة الفقيرة، وعامية الشعب فلا أحد يستطيع أن يرفع الظلم والابتزاز الممارس عليها…

وفي ختام هذه الورقة، لا يسعنا سوى الاعتراف بنجاح الكاتب في مهمته، وهي إيصال الرسالة للقارئ، وللمعنيين بالأمر، عسى أن يلتفتوا للبؤساء في هذا الوطن الذين تجرعوا من المرارة ما يكفيهم، وهي هدف كل كاتب، فبالكتابة والقراءة نتنفس شيئا من نسيم الحرية في هذا الوطن الكئيب.

فهنيئا لطنجة بهذا العمل الذي سيخلد في خزانتها الأدبية والعلمية، إلى جانب أعمال كتب لها النجاح الوطني والعالمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.