المدير برهون حسن 00212661078323
بحث ميداني تحت عنوان : الجائحة الوبائية بين اليوم والغد … ( تجليات واثار )
مهدوب ابراهيم المنسق العام للشبكة الأوروعربية للصحافة و السياحة و جريدة المغربية المستقلة
سترتبط نهاية العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين باندلاع جائحة (كورونا) التي تسببت في زعزعة العديد من اليقينيات وفضحت خلال أسابيع محدودة مدى هشاشة الإنسان في محطة متقدمة من العولمة من خلال حدة الصدمة الاقتصادية التي أفرزتها عالميا.
ورغم أننا ما نزال غير متحكمين في الخروج من هذه الأزمة الصحية، فإن كل الملاحظين يتفقون على أن مسار العولمة سيتأثر حتما بعواقبها نتيجة الانخراط العالمي في الحجر الصحي الذي فرض نفسه كظاهرة معولمة. ذلك أنهم يتفقون على أن هذه الأزمة ستؤدي مستقبلا لمراجعات عميقة للتدبير الاقتصادي وللسياسات العمومية بل للمنظومات السياسية والمجتمعية و للعلاقات الدولية بين الأقطار. فالعالم يعيش بشكل مؤكد منعرجا بين ما قبل وما بعد كفيد19.
من الواضح أن الأزمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008 كانت قد أفرزت اهتزازات ضمن حركيّة العولمة وعجلت بتغيير موازين القوى الاقتصادية داخل العالم لصالح القارة الآسيوية. وفيما لا تزال نيران هذه الأزمة مشتعلة لحد ما، جاء فيروس صغير ليدخل العالم كله في أزمة جديدة أكثر حدة من التي سبقتها.
هكذا فخلال عقد من الزمن فقط كان على العالم وعلى العولمة مواجهة أزمتين اقتصاديتين كبيرتين. قد تكون أزمة 2020 مطابقة لتعريف أنتونيو كرامشي «تكون الأزمة حينما ينقرض وضع ما قبل أن ينبعث وضع جديد».
لاشك أن أزمة 2020 تختلف من الناحية الاقتصادية عن أزمة 2008، لأنها اندلعت من قلب الاقتصاد الحقيقي في حين أن أزمة 2008 (وكما هو الأمر كذلك بالنسبة لأزمة 1929) كانت في أصلها أزمة مالية قبل أن تنتقل إلى مجال الإنتاج و بعد ذلك إلى الفضاء الاجتماعي، حيث كان لها تأثير سلبي واسع تجلى في ارتفاع مستوى البطالة وتفقير أجزاء من ساكنة المعمور. وكل المؤشرات تدل على أن مخلفات الأزمة الجديدة على التنمية وعلى التوازنات الاجتماعية ستكون أكثر حدة. وهذا سيفرض تعبئة هائلة للسياسات المالية للحكومات وتدخلات جريئة للبنوك المركزية ولكل مكونات المنظومات التمويلية عبر العالم. من حسن الحظ أن كبريات البنوك تتسم اليوم في البلدان المتقدمة بمناعة مؤكدة بالنظر لمستوى راسميلها التي تمثل اليوم ضعف ما كانت عليه قبل 2008 بفضل الضوابط المشددة التي فرضت عليها في بداية العقد الثاني، الشيء الذي يسمح لها اليوم بمقاومة الصدمات التي تولدت عن الأزمة الجديدة.
مادام أصل هذه الأخيرة مرتبط بالمجال الصحي، فقد كان من الطبيعي أن تعطي السلطات العمومية في كل الأقطار الأولوية هذه المرة للجبهة الصحية من أجل إنقاذ حياة الناس وتحجيم جائحة الفيروس، و البحث عن التعرف على طبيعتها و تشجيع الأبحاث العلمية وصناعة الأدوية قبل الوصول إلى اختراع اللقاح الضروري من أجل التحكم مستقبلا في الوقاية.
هكذا ستفرض الحاجة إلى الصحة ومعها ضرورة إنقاذ البشر نفسها مستقبلا ضمن الاختيارات الاستراتيجية للسياسات العمومية، بل ستصبح الصحة ضمن الخيرات المشتركة للإنسانية على غرار الاستقرار والسلم.
بالإضافة إلى ضرورة إنقاذ حياة الناس، ستكون الحكومات قبل وبعد مغادرة الحجر الصحي مطالبة بالتحرك بسرعة للحيلولة دون انهيار النشاط الاقتصادي والمنظومات الإنتاجية وبعد ذلك وضع أدوات انطلاقة جديدة.
واضح أن هذه الأزمة لها خصوصيتها كما يقول دومنيك ستروسكان المدير السابق لصندوق النقد الدولي: فهي أزمة مثلثة الأطراف تمس الكائن (من خلال هشاشته) والملكية (العرض والطلب) والسلطة (الحكامة المحلية والإقليمية والعالمية).
إن المقارنة بين أزمتي 2008 و 2020 تبرز تلاقيهما في نقطة انطلاقهما من القوتين الاقتصاديتين الأساسيتين. هكذا كانت الولايات المتحدة مصدر الأزمة الأولى، والصين منبع الأزمة الثانية. وفي كلتا الحالتين استوطنت أوروبا الشيء الذي يدل على هشاشة القارة العجوز التي كانت تاريخيا نقطة ميلاد العولمة. وهو ما يعنينا نحن جنوب المتوسطيين والأفارقة بحكم جوارنا للأوروبيين، كما أن الخروج من أزمة 2020 سينطلق من مصدرها الصين القوة الاقتصادية الكبرى على غرار ما كان الخروج من أزمة 2008 من الولايات المتحدة، القوة الاقتصادية الكبرى التي انطلقت منها.
واضح أن مأساة الفيروس التاجي تعكس أحد تجليات عولمة القرن الواحد والعشرين بانحرافاتها وبسبب حدة التبعية المتبادلة القائمة بين الأنسجة الإنتاجية بالعالم. هكذا فاندلاع الوباء من الصين يمثل أحد أوجه العولمة الجديدة باعتبار أن هذا البلد أصبح قاطرة الاقتصاد العالمي. فهو يغطي وحده 30% من ديناميكية نموه و 15%من مبادلاته .
هكذا أدى انهيار الطلب الصيني إلى انخفاض سريع في أسعار المحروقات الذي غذته في ذات الوقت وبشكل غير منتظر حدة الخلافات بين كبريات الأقطار المنتجة للنفط: العربية السعودية ووراءها أقطار الأوبيك من جهة وروسيا من جهة ثانية إلى حد أن سعر النفط انهار إلى حدود عشرين دولارا للبرميل في نهاية مارس 2020. تجلت هذه الصدمة المضادة (التي تذكرنا بما حدث سنتي (1986و2014) عبر تداخل العوامل الاقتصادية بالعوامل الجيوسياسية ضمن فعل القوى العظمى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا) وكذا تأثير التناقضات الصاعدة بين القوى الإقليمية خاصة السعودية وايران، حيث تسعى الأولى إلى تكثيف الضغوط على الثانية، فيما رفض الرئيس بوتين في البداية السير وراء السعودية لتقليص الإنتاج، ساعيا نحو زعزعة الموقع الغالب الذي أصبحت تحتله الولايات المتحدة بفضل تعاظم إنتاجها من النفط الصخري. ضمن هذه المعادلة المعقدة، كان الرئيس الامريكي ترامب ينشرح من تشديد الخناق على إيران في ذات الوقت الذي أصبحت فيه هذه الأخيرة البؤرة الأولى للجائحة في الشرق الأوسط، وكان يتردد بين موقفين متناقضين : من خلال ميله إلى الدفع لتحافظ أسعار النفط على مستوياتها (60 دولارا للبرميل) استجابة لرغبات مالكي الشركات الأمريكية الذين كان يعتمد عليهم كمساندين سياسيا له من جهة ، ورغبته من جهة ثانية في أن تنحدر أسعار البنزين ليستفيد منها المستهلك الأمريكي خلال الظرفية الحالية المهيأة لانتخابات الرئاسة المنتظرة (نونبر 2020). في آخر الأمر تمكنت كل هذه الأطراف من الوصول إلى توافق ( 12 ابريل 2020) يقضي بتقليص إنتاج النفط بعشرة ملايين برميل يوميا ابتداء من فاتح مايو، وهو قرار قد لا يكون له مفعول جلي بالنظر لظروف الأزمة ومحدودية الطلب عالميا.
إثر تهاوي أسعار النفط وبعدها أسعار المواد الأولية (على حساب الأقطار النامية والصاعدة) تراجع الطلب على كل السلع الصناعية والتجهيزية والوسيطة والاستهلاكية باستثناء المواد الغذائية والأدوية وإلى حد ما سلع الاستهلاك الرفيع التي أصبحت مبادلاتها تنظم عن بعد. هكذا فرض تفشي الوباء حجرا صحيا معولما أدى إلى شلل المنظومات الإنتاجية وإغلاق المتاجر وإفلاس المقاولات وانكسار شبكات التزود وتهاوي القيم في البورصات العالمية إلى حد أن بعض الأصوات تعالت في البداية لتطلب الإقفال المؤقت للأسواق المالية.
يعرف العالم كله أن التعافي من الركود الاقتصادي سينطلق من الصين وكذا من اقتصاديات اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة التي تحضر نفسها قبل غيرها لمغادرة الحجر الصحي. لكن عودة الحياة الاقتصادية لن تصبح عملية إلا بعد أن تتمكن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من توقيف تفشي الفيروس، وبعد أن يتمكن بلد كبير كالهند من مغادرة مرحلة الحجر و بعد أن تظهر بوادر إيجابية لتطويق الجائحة حتى لا تلج القارة الإفريقية المعروفة بهشاشتها. وإذا كانت العديد من المؤشرات يدل على أن هذه الأخيرة ستبقى على هامش شيوع الجائحة، فإن أكبر الأخطار المحيطة بهذه القارة ترتبط بانهيار أسعار المحروقات والمواد الأولية. فخطر الموت بإفريقيا من مخلفات الفقر المدقع أكبر من خطر الموت بالفيروس التاجي.
رجوع للتاريخ
إن تموقع جائحة كفيد 19 ضمن العولمة المتقدمة بالقرن الواحد والعشرين يرجعنا إلى تاريخ البشرية الذي يبرز أن انتشار الجائحات و الأمراض الفتاكة لم يكن يأخذ بعين الاعتبار الحدود الوطنية. لقد بين المؤرخون أن غياب الأدوية و اللقاحات ساعد الجائحات على غزو مختلف القارات عبر موجات متلاحقة وخلال عدة قرون أحدثت قطائع ديمغرافية بما يفسر جمود عدد الساكنة بالمعمور إلى غاية القرن التاسع عشر. هكذا جاء الطاعون الذي ارتبط باسم الأمبراطور البيزنطي قستنطين ليتفشى بين 541 و 592 في فضاء البحر الأبيض المتوسط الذي كان يعتبر بمفهوم (بروديل) مهد العولمة، حيث تجاوز عدد ضحاياه 25 مليون نسمة، كما جاءت حملة الطاعون الأسود بين 1348و1352 لتقضي على أكثر من ثلث ساكنة القارة الأوروبية، وكانت في نفس الوقت من أسباب بروز تحولات سياسية واقتصادية هائلة داخل كيانها، كما يجب الإشارة إلى مخلفات اكتشاف الامريكتين من طرف الابيريين والذي أدى إلى ولوج العديد من الأمراض إلى العالم الجديد مثل الزكام والسل والجذري والملاريا والحمى الصفراء. وهي أمراض ساهمت في الإبادة السريعة لجزء كبير من الساكنة المحلية التي كانت تفتقد المناعة الضرورية، كما أن استعمار البلدان الجنوب المتوسطية والافريقية أخضع ساكنتها للعديد من الأمراض المعدية المستوردة من أوروبا التي انضافت إلى الأمراض ذات الأصول المحلية و التي كانت تتفشى في سنوات الجفاف والمجاعة. ومع حملات الاحتلال الأوروبي ولجت أدوات الوقاية الصحية مختلف المستعمرات، فارتفع النمو الديمغرافي بها بشكل لافت لأول مرة.
كما انتشرت عبر العالم منذ القرن الثامن عشر عدة موجات من الأمراض المعدية ذهب ضحيتها حسب المؤرخين 40% من ساكنة المعمور . فعلى سبيل المثال حصد طاعون 1720 عشرات الآلاف من الأرواح في جنوب فرنسا. وجاءت جائحة الطاعون الصيني سنة 1855 انطلاقا من موقع هويان لتنتشر عبر العالم، كما عرف القرن 19 ست موجات قاتلة لداء الكوليرا بين 1817و1881. وعند انتهاء الحرب العالمية الأولى انطلق الزكام الإسباني من الولايات المتحدة عبر ثلاث موجات بين 1919 و 1920 ليصيب أكثر من ثلث ساكنة العالم حيث وصل عدد ضحاياه إلى أكثر من 50 مليون فرد ليكون أكبر جائحة عرفها العالم .
ومع ذلك، فإن جائحة الفيروس التاجي التي اجتاحت المعمور تعكس أكثر من سابقاتها ظاهرة العولمة، لأنها أدت في بضعة أيام إلى إحداث قطيعة في دينامية الاقتصاد العالمي. فارتبطت بالعولمة من خلال عواقبها السلبية على كل أبعادها (إنتاج، تجارة، تنقل البشر) وهي العولمة التي أصبحت تتسم في مراحلها المتقدمة بثنائية القطبية المتمثلة في الولايات المتحدة والصين و تأثيرها لا يزال ملموسا من طرف أوروبا رغم تراجعاتها المؤكدة.
هكذا انطلق الوباء من قلب الصين، القوة الاقتصادية الثانية بالعالم ثم استقر مركزه بأوروبا قبل أن ينتقل بعنف إلى الولايات المتحدة، القوة الاقتصادية الأولى والتي أصبحت بعد ثلاثة أشهر بؤرته الأساسية. ولقد تجلى من خلال متابعة تفشي مختلف أشواط الجائحة أن أنجح سلاح للحد منها يتمثل في الحجر الصحي على مجموع الساكنة عالميا منذ اعتماده من طرف الصين إلى أن أصبح ظاهرة معولمة تغذي أكبر انكماش اقتصادي عرفه العالم مند بداية القرن.
أزمة عولمة جديدة
لاشك إذن أن للأزمة الحالية طابع عالمي لأنها أثرت سلبا على الإنتاج والنمو العالميين. انطلقت كما هو معروف من يوهان، مدينة صناعية وسط الصين وواحدة من كبريات معامل العالم. فهي تمثل بالتالي المحطة الأولى لشبكة القيم العالمية بالنسبة للعديد من القطاعات الصناعية مثل قطاع السيارات المنكوبة اليوم، إلى قطاع الأدوية الذي أصبح بفعل الأزمة الصحية السائدة موضع ضغط كبير عبر العالم. إن تعقيدات شبكات الإنتاج يفرض على كل المنتوجات الصناعية استعمال مكونات (قطع الغيار) التي تنتج في كل مناطق العالم. وهذا يعني أن أي انكسار داخل الشبكة (خاصة إذا حدث منذ ميلادها كما هو الحال اليوم انطلاقا من يوهان) تكون له عواقب سلبية على كل محطات الإنتاج عبر الأقطار ويؤدي إلى انكماش يتفشى عبر العالم (على سبيل المثال المحطات الصناعية النهائية لشركتي رونو و بوجو بالمغرب).
ولقد تولد عن توقيف الإنتاج العالمي داخل محطات الشبكات تقلص للطلب على المواد و الخدمات وانهيار لأنشطة المبادلات الخارجية ولحركية الدوائر اللوجيستيكية التي تمثل قاعدتها: النقل بكل أنواعه الطرقي والحديدي والبحري والجوي وكذلك منصاتها من موانئ ومطارات ومحطات.
كما أن لهذه الصدمة الاقتصادية الحادة تأثير سلبي على الأسواق المالية والبورصات التي تهاوت قيمها بعنف قبل أن تتعافى جزئيا. وفي ذات الوقت تعبأت الموازنات الحكومية من أجل دعم الواجهة الصحية و توقيف نزيف انهيار المنظومات الإنتاجية قبل التحضير لمصاحبة انطلاقها من جديد.
هكذا أقبلت الحكومات والبنوك المركزية للبلدان المتقدمة في بداية النصف الثاني من شهر مارس 2020، في عز تفشي الجائحة، على التدخل بقوة قطريا وإقليميا ودوليا. هكذا انطلقت مشاورات دولية ضمن مجموعة السبع وبعدها مجموعة العشرين (26مارس 2020) في محاولة لتحجيم العواقب المدمرة للأزمة و إنقاذ الاقتصاديات الوطنية.
و لقد كان عليها أن تتخلى عن كثير من اليقينيات المتمثلة في المعايير التقليدية و الأرتذوكسية للتدبير المالي. هكذا قامت كبريات البنوك المركزية (الفيديرالي الأمريكي و البنوك المركزية لاوروبا والصين واليابان وبريطانيا العظمى) بتخفيض معدلاتها المديرية إلى حدود الصفر وبادرت بمباشرة تدخلات غير كلاسيكية عن طريق شراء سندات عمومية وخصوصية. هكذا أقر البنك المركزي الأوروبي برنامجا استعجاليا في حدود ألف مليار أورو لشراء مكثف لديون الدول والمقاولات داخل منطقة الأورو بهدف التخفيف على البنوك وحثها على توزيع المزيد من القروض للعائلات والمقاولات دعما للإنتاج والتشغيل.
هكذا انتصر منطق «مهما كان الثمن» الذي ردده الرئيس الفرنسي ماكرون وهي عبارة يرجع مصدرها إلى المدير العام الايطالي للبنك المركزي الأوروبي دراكي الذي قال بها سنة 2010
و اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على إقرار برنامج انطلاقة بقيمة 540 مليار أورو عن طريق منحها ضمانات للبنك الأوروبي للاستثمار ليُقرضَ بدوره المقاولات في حدود 200 مليار أورو وإعطائها الضوء الأخضر للجنة الأوروبية لكي ترفع 100 مليار أورو من داخل الأسواق المالية وتُقْرِضها للأقطار التي تحتاج لذلك. ورغم تردد حكومتي ألمانيا وهولاندا المتشبثين بالضوابط الأرتذوكسية، فإن الأقطار الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتقدم نحو استعمال «الآلية الأوروبية للتثبيت» التي أُحدثت سنة 2012 باعتمادات تصل إلى 450 مليار أورو وهي الآلية التي تعتبرها إيطاليا واسبانيا غير كافية لمواجهة التحديات الراهنة. وهذا ما جعلها تطالب بإحداث آلية أوروبية للتضامن الاستثنائي تقضي بجمع كل الديون العمومية وإقرار قرض مشترك و موحد سمي ب(سندات كورونا) حيث يتحقق التضامن بين البلدان المنيعة (ألمانيا، هولاندا) والبلدان التي تعرف نوعا من الهشاشة (اسبانيا، إيطاليا، ولحدّ ما فرنسا).
على المستوى الداخلي قررت الحكومة الألمانية إخراج مدفعية بازوكا في شكل خط ائتماني في حدود 550 مليار اورو خدمة للمقاولات المحتاجة من أجل إنقاذها من الافلاس.
في الولايات المتحدة أقرت السلطات العمومية برنامج انطلاق استثنائي في حدود 2000 مليار دولار (أضيف لها 750 مليار دولار)، حيث خصصت إعانات مباشرة في شكل توزيع شيكات على العائلات المحتاجة (1200 دولار للفرد و 2400 للزوج و500 دولار لكل طفل) من أجل إعادة الاستهلاك و عبره آلية الإنتاج، كما خصص هذا البرنامج 700 مليار دولار لمد المساعدة للمقاولات الموجودة في وضعية حرجة و100 مليار دولار للمستشفيات. يقدم الرئيس ترامب اللبرالي من أجل تمويل هذا البرنامج على خلق العملة، أو ما كان يسميه منتقدا الاقتصادي ميلتون فريد من «عملة الطائرة المروحية».
في اجتماعات مجموعة السبع وبعدها مجموعة العشرين، اتفقت الدول الأعضاء على ضخ 7000 مليار دولار للحدّ من مخلفات الجائحة صحيا ودعم الاقتصاديات بالعالم. كما اوصت بتعليق خدمات الدين خلال سنة لصالح 76 قطر الأكثر هشاشة.
من الواضح أن هذه الأزمة لها أولاً و قبل كل شيء بُعد إنساني بالنظر لمصدرها الصحي. لذا كان من نتائجها إقفال الحدود الوطنية حتى داخل المجموعات الإقليمية (الاتحاد الأوروبي) وتوقيف الأنشطة السياحية و معها النقل الجوي وكل الخدمات المرتبطة به، كما تقرر إلغاء أو تأخير كل التظاهرات الرياضية والثقافية والفنية ( الألعاب الاولمبية بطوكيو، مهرجان كان للسينما ).
ضمن هذه الأجواء المشحونة برزت نقطة تفاؤل مضيئة، حيث أفرزت أزمة كورونا بعداً معولماً على مستوى البحث العلمي والطبي من خلال العمل الدؤوب الذي يستهدف اختراع الأدوية واللقاحات المضادة للوباء، والترابط الإيجابي الذي بعثه هذا العمل بين مختلف مراكز البحث والمختبرات. هكذا تعبأ البحث العلمي عالميا عبر تبادل المعلومات لإيجاد الأجوبة الضرورية لمواجهة هذا المرض.
دروس يجب استخلاصها
بينت جائحة الفيروس التاجي مدى هشاشة المجتمع المعولم كما فرضت على الجميع إجبارية العمل الجماعي من أجل التغلب على الإكراهات و العواقب التي أفرزتها.
لقد أدى تفشي هذا الوباء إلى بروز حاجة الإنسانية إلى مزيد من التضامن و توحيد الصفوف : تضامن بين الدول والأمم، و تضامن داخل هذه الأخيرة بين الطبقات و الأجيال.
كما اتضح بجلاء مدى محدودية المغالاة في التوجهات و المقاربات اللبرالية الفردانية. و تأكد كذلك أن ضوابط السوق لا يمكن أن تدبر العالم وحدها وأن الدولة الحامية لها دور استراتيجي للحد من الانحرافات والانزلاقات التي تعددت في مجال تدهور الطبيعة ( البعد البيئي) و تفاقم اللاتكافؤ (البعدالاجتماعي) والآن في مواجهة الأوبئة و الجائحات (البعد الصحي). ذلك أن هذه الأبعاد الثلاثة ترتبط بشكل مباشر بمستقبل الإنسانية في المعمور. فكما قال الاقتصادي الفرنسي كسافييه راكوُ «إن كُنْه الدولة هو حماية حياة الأفراد» كما هو في الحرب. لا شك أن الاعتراف بالهشاشة المشتركة سيدعونا إلى مراجعة منظورنا حول منظومات التدبير القائمة حاليا. و في ذلك كثير من الأمل مستقبلا، مما يتجلى في النقاشات الراهنة حول وباء الفيروس التاجي. من المفيد تجويد توظيف الكوارث كما وصل لذلك المفكر الفرنسي رجيس دوبري في كتابه «حول الاستعمال الجيد للكوارث» التي يمكن أن تكون مفيدة لأنها حسب هذا المفكر المتميز «تنبهنا و تعلمنا».
سيكون علينا كذلك نحن الاقتصاديين أن نستوعب محدودية الأنماط التنموية السائدة، مما يفرض ابتكار مفاهيم جديدة ترنو دائما للتقدم لكن على أساس ان يستند على مزيد من التضامن. إن هشاشة العولمة و تعقيداتها و توالي انحرافاتها تقضي بإغناء المفاهيم التي يستند عليها علم الاقتصاد ليصبح فعلا سياسيا و يتخلى عن عجرفته و يجعل الإنسان و المدى البعيد محوره و مركزيته. إن الوعي بهشاشة الإنسان يدفع بأن نقبل بمزايا التقاسم في العلاقات بين الأمم. و التقاسم يعني حماية الضعفاء خاصة في القارة الافريقية.
إن إبراز الترابط ( أو التبعية المتبادلة) بين البلدان يفرض التخلي عن منطق الأنانية (أمريكا أولاً) والشعبوية والقومية المتطرفة، كما يقضي بالعمل من أجل الوصول إلى مزيد من التنسيق الإقليمي والدولي على مختلف المستويات : مجموعة الاثنين التي تضم الولايات المتحدة والصين القوتين الاقتصاديتين الأوليين، ثم مجموعة السبع التي تجمع البلدان الأكثر تطورا وضمنها الدول الأوروبية الأساسية، وهناك كذلك مجموعة الخمس ، العضوة الدائمة في مجلس الأمن و التي لم يسبق لها أن التأمت منذ تأسيس الأمم المتحدة، و أخيرا مجموعة العشرين التي توجد ضمنها الأقطار الصاعدة الكبرى. من المهم في إطار العولمة المتقدمة أن تأخذ كل هذه المكونات بعين الاعتبار مخلفات هذه الأزمة الاقتصادية الجديدة على البلدان النامية و الفقيرة. ذلك أن انهيار النشاط الاقتصادي عالميا يمثل خطرا كبيرا على الساكنة الأكثر فقرا والمقدرة ب 500 مليون نسمة. وهذا ما جعل العديد من الأصوات ترتفع لتطالب بإلغاء الديون التي تثقل كاهل الأقطار الافريقية. كثير من المؤشرات تدل على أن القارة الإفريقية لن تمس بوباء كفيد 19 على غرار القارات الأخرى، لكنها ستتحمل عواقب الأزمة الاقتصادية بسبب تهاوي الطلب العالمي على المحروقات و المواد الأولية و انهيار مداخيل تحويلات المهاجرين و السياحة.
إن الأمل هو أن تؤدي كل هذه المشاورات إلى تجديد التدبير العالمي سياسيا ( الأمم المتحدة) واقتصاديا (البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة الخارجية) و في استهداف تقوية التنسيق و مزيد من التقاسم لحماية الكيانات الضعيفة. لكن لا يمكن أن تغير كل هذه المؤسسات منطقها إلا إذا حدث تغيير فوقي للمنطق السائد في تدبير كبريات القوى الاقتصادية و الجيوسياسية والتي تؤثر بقوة في سير هذه المؤسسات.
تلك هي الشروط التي ستسمح للأزمة أن تصل إلى تحويل الحكامة العالمية التي يجب أن تدمج بجانب المجالات السياسية والاقتصادية والمالية هواجس جديدة تتصل بالبعد البيئي و قضية التكافؤ الاجتماعي و كذا الصحة التي فرضت نفسها اليوم كمكون للأمن الجماعي عالميا.
إن اعتبار هذه المستلزمات الثلاثة ( الصحة، البيئة والتكافؤ) يقضي بإقرار مساعدة ضخمة على المستوى العالمي من أجل تحقيق انطلاقة نوعية جديدة للاقتصاد العالمي على غرار ما حدث عندما وُضع برنامج مارشال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و الذي ساعد على إعادة بناء البلدان الأوروبية.
لاشك أن الكيانات الأكثر تماسكا ومناعة ستتمكن من تقوية إشعاعها بعد 2020، وسيكون ( البيك داطا) Big Data و الرقميات و الذكاء الاصطناعي مصدر قوة الأقطار التي ستتمكن من إنتاجها والتحكم فيها. هكذا ستسعى البلدان الأكثر فعالية في صناعة عالم الغد كما تمكنت القوى الكبرى بالأمس من وضع بصماتها على مسار تاريخ العالم بعد 1945.هذه الأقطار هي التي ستشيد مجتمعات ما بعد الحجر الصحي من خلال الاستثمارات في التجهيزات الأساسية و في الإعلاميات عالية التدفق (haut débit) و في التكوين عن بعد. ضمن هذا الإطار يتنبأ الاقتصادي دانييل كوهن بانبثاق رأسمالية جديدة …رأسمالية الرقميات.
إن أزمة 2008 كانت قد أنتجت عبر عواقبها الوخيمة مزيدا من الأنانية والشعبوية و أفرزت «الترامبية» اسم الرئيس الامريكي الحالي ، وهي تدفع المتشائمين أن يقولوا بأن عالم ما بعد 2020 سيكون « أكثر انغلاقا وفقرا وقبحا» و سيرسخ المد الشعبوي و الممارسات الديكتاتورية.
هناك احتمال بالفعل بأن تتغير كثير من الأشياء بعد 2020 دون أن يتغير أي شيء في العمق. لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار «تعقيدات» الأحوال السائدة التي أصبحت مصدر «اللا يقين الراديكالي» (تيري دومونتريال) سيكون على العالم أن يقبل بالعيش أكثر من الماضي مع «الغير منتظر» (إدكار موران). ويعتقد المتفائلون أن الحلول ستأتي من الأقطار التي يعترف لها اليوم بفعاليتها التدبيرية للأزمة الصحية مثل الصين و كوريا الجنوبية و الفييتنام في آسيا، وألمانيا وكذا أقطار أوروبا الشمالية. وهي كلها بلدان أصبحت ذات مرجعية في تدبير هذه الأزمة الصحية الشيء الذي يجعلها مهيأة للتأثير في المسار العالمي نحو مزيد من التعددية القطبية . في آخر الأمر سيبقى التقدم مستقبلا نتاج مساكنة بين المثالية و الواقعية. و مهما كان الأمر، فإن العالم الذي سينبثق بعد زوال أزمة 2020 سيكون مختلفا و في ذات الوقت ستبقى عدة عناصر الاستمرار حاضرة .
إن الهشاشة التي اتضحت بفعل كفيد 19 تسائلنا نحن المغاربة والمغاربيين وجنوب المتوسطيين والأفارقة. سنكون مطالبين بإعلاء وعينا بقيمة الجوار كخير مشترك مما يفرض فتح الحدود المنغلقة وخلق أسس المصالحة و التقارب من أجل تحسين موقعنا التفاوضي في تدبير عولمة ما بعد 2020 و أفكر هنا في المشروع المغاربي الغائب مند عقود و كيف يمكن أن ننتهز فرصة المنعرج الذي يعيشه العالم لندفع به اعتبارا لملحاحيته.
ما بعد 2020 سيؤدي بالضرورة إلى توازنات جديدة بين مختلف الأقطاب الإقتصادية. وهو ما بدأ يتجلى قبل ذلك بعد أزمة 2008 حيث تأكد صعود الاقتصاديات الأسيوية و على رأسها الصين على حساب أوروبا و الولايات المتحدة. هكذا سيترسخ مسار العالم نحو المزيد من القطبية المتعددة. إنها فرصة للمنطقة العربية لتخرج من المنغلق الذي توجد فيه.
هل لنا أن نحلم ؟ إن انبثاق القطبية المتعددة قد يبعث فرصا جديدة للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. هل من حقنا أن نحلم بإمكانية البلدان العربية النفطية بأن تستفيد هذه المرة من الصدمة المضادة الجديدة لتغيير نمطها الريعي الذي كان له منذ أربعين سنة تأثيرات سلبية على مجتمعات المنطقة سياسيا واقتصاديا و فكريا.
إن الأقطار الذكية هي التي توظف الصعوبات لتخلق الفرص. هذا ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية (1945) عندما قررت البلدان الأوروبية المنهارة بفعل الحرب اغتنام التحديات لتوحد أطرافها انطلاقا من التقارب الحاصل بين ألمانيا و فرنسا. من الدروس التي يجب أن نستخرجها من هذه الأزمة ضرورة العمل من أجل تقليص التبعية إزاء الفضاءات البعيدة على مستوى شبكات القيم العالمية و مقابل ذلك خلق روابط قوية مع فضاء القرب. في هذا الإطار تدخل إعادة تموقع الأنشطة الاقتصادية ضمن بُعد إقليمي يهم الفضاء الإفريقي المتوسطي مما قد يسمح بإعادة الاعتبار لمركزية المتوسط بوصفه بحرا اوروبيا وافريقيا في ذات الوقت. لابد هنا من الإشارة لبعض المبادرات المفيدة على غرار ما أقدمت عليه الهند بتنظيم لقاء بين البلدان الجنوب آسيوية لوضع خطة إقليمية مشتركة لمواجهة الجائحة وكذا الفكرة المتميزة التي طرحها العاهل المغربي محمد السادس بتقاسم الإجراءات الجيدة بين البلدان الإفريقية فيما يخص تدبير الأزمة الصحية الحالية، وهي مبادرات من شأنها بعث التضامن والترابط على المستوى الإقليمي وترسيخ التعاون جنوب/ جنوب . فالعديد من المؤشرات تدل على أن بعد 2020 ستحل لحد كبير شبكات القيم الإقليمية مكان شبكات القيم العالمية. وبذلك سيتمكن القرب من الثأر على حساب البعد.
ضمن هذه المقاربة، سيكون علينا أن نسائل أوروبا الجارة التي أبانت مرة أخرى عن ترددها في توحيد مكوناتها سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا. فلها اليوم أن تقوي اندماجها و أن تمدّ اليد إلى جوارها المتمثل في الفضاء الجنوبي المتوسطي والإفريقي لتشيد معه قطبا جديدا له إشعاعه، وتساهم عبر ذلك في بعث أسس عولمة جديدة متكافئة و متقاسمة. سيكون على أوروبا أن تستخرج قبل غيرها في منطقتنا الأفرو-الأورو-المتوسطية الدروس من الأزمة الصحية و الاقتصادية من أجل تقليص التبعية إزاء شبكات القيم العالمية مع الفضاءات البعيدة وخلق ترابطات منيعة مع الفضاءات القريبة. هذا يتطلب إعادة تموقع بعض الأنشطة الصناعية من أجل إدماجها في الفضاء الأفرو متوسطي مما سيعيد للبحر الأبيض المتوسط مركزيته كما سبق ذكره.
يجب كسب الحرب … و ما بعد الحرب
عرف القرن العشرون حربين عالميتين في شكل مواجهة بين كبريات القوى، كما فرض على البلدان الضعيفة المشاركة فيها، الشيء الذي كان له تأثيرعلى مستقبلها. هكذا تمكنت الدول الكبرى بعد 1945 من وضع أسس منظومة دولية سياسيا و إقتصاديا فيما انخرطت المستعمرات في نضالات تحررية أدت إلى استقلالها. لم يعرف القرن الواحد و العشرون مواجهات حربية ذات بُعد عالمي، لكنه عرف خلال العشرين سنة الأولى أحداثا ذات تأثير كبير على مسار العولمة جيوسياسيا واقتصاديا أولها حدث 11 شتنبر 2001 الذي اعتبر زلزالا جيوسياسيا أدخل العالم في مواجهات دينية وممارسات إرهابية. ثانيهما الأزمة المالية ل2008 التي كانت لها عواقب اقتصادية واجتماعية هائلة وأدخلت تغييرات في توازن القوى الاقتصادية بالعالم، وثالثها سنة 2020 أزمة صحية أصبحت ذات طابع معولم خلال شهرين من الزمن. فانهارت كل المنظومات الإنتاجية في المعمور. لكن الاهتمام انصب عالميا على محاربة الفيروس وإنقاذ الحياة. بعد تجاوز الأزمة الصحية ولو جزئيا، سيكون على العالم أن يتكلف بإنقاذ الاقتصاد العالمي. لكن النجاح في هذا الرهان و إدخال الحياة الاقتصادية ضمن مسار سليم يقضي باستخراج الدروس من كل ما عرفه العالم من الأحداث والاهتزازات التي عرفها خلال العشرين سنة الأخيرة واستيعاب أسبابها العميقة، كما يجب في ذات الوقت إيجاد الأجوبة للالتزامات التي اتخذتها الدول لمحاربة الانحصار الحراري بباريس في دجنبر 2015. إذن بعد نهاية الحرب يجب كسب رهان ما بعد الحرب والحد أولا و قبل كل شيء من مخلفات الانكماش المنتظر ( يتوقع صندوق النقد الدولي انهيار النشاط الاقتصادي سنة 2020 بسبب الحجر الصحي في حدود -3% عالميا حيث سينقص ب -7,5% بمنطقة الأورو، و – 6,5% بانجلترا ، و – 5,9% بالولايات المتحدة ، – 0,6%. بأمريكا اللاتينية و – 1,6% بافريقيا جنوب الصحراء، بينما سيزيد ب 1% بالبلدان الصاعدة الآسيوية و من بينها الصين 1,2%) لكن لن يكون الأمر هينا فعندما ستصل الأزمة الاقتصادية إلى ذروتها سيصل معدل المديونية بالنسبة للإنتاج الداخلي الإجمالي إلى 181% بإيطاليا و 141% بفرنسا و 133% باسبانيا حسب البنك السويسري UBS، وهي مستويات تتجاوز بكثير معيار 60% التقليدي المحدد من طرف عهد التثبيت الأوروبي. كما يؤكد نفس المصدر أن برامج الانطلاقة التي أقرتها الحكومات ستتجاوز 2,6% بالنسبة للإنتاج الداخلي الإجمالي (وقد تصل إلى 10% بالولايات المتحدة) مقابل 1,7% غداة أزمة 2008. كما لن تتمكن الصين من التدخل بقوة كما فعلت سنة 2009 لمساعدة العالم على القيام من كبوته آنذاك لأن معدل مديونيتها سيصل إلى 300%. هكذا ستطرح إشكالية رد كل هذه الديون مما يفرض تنظيم مشاورات على المستوى الدولي. كما أن ملف تدبير المديونية المرتفعة بأوروبا وتحضير انطلاقة جديدة لاقتصادياتها يتطلبان مزيدا من التضامن بين الدول الأوروبية وتدخلا عنيفا من طرف البنك المركزي الأوروبي من أجل « تنقيد» الديون العمومية لمختلف الدول في إطار التعاضد بينها.
إن مواجهة تحديات ما بعد كفيد 19 يقضي بانخراط كل القوى الكبرى ضمن منطق القطبية المتعددة استنادا على توافق بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا من أجل إحداث أسس حكامة جديدة للعالم والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مستلزمات نمو بلدان الجنوب وأساساً إفريقيا في كليتها. وإذا لم يحدث ذلك سنرجع إلى مقولة تيري دومونتبريال مؤسس المعهد الفرنسي للأبحاث الدولية حيث كتب سنة 2008 «بدون مراجعة عملية وسريعة للحكامة عالميا سيواجه المعمور بشكل ممكن بل مؤكد مآسي عظمى». إن اعتبار الهشاشة و«غيرالمنتظر» يفرض على السياسات الاقتصادية وهي تتفاوض مع العولمة المتقدمة أن تأخذ بعين الاعتبار مزيدا من التواضع و اعتبار الإنسية والهوية الوطنية و الثقافة و كذلك نوع من الروحانية التي تخترق مجتمعات المسلمين في شهر رمضان وهو يصاحب هذه السنة ظاهرة الحجر الصحي.
هكذا فإن كسب الحرب وما بعد الحرب يفرض الانتصار لمنطق الترابط والتقاسم. فالعالم يحتاج اليوم إلى برنامج تحول كبير وإعادة بناء وابتكار جديد وليس فقط لبرامج انطلاقة. والعالم يحتاج إلى برامج تدمج الكيف والكم من أجل تطويع هشاشة الجميع و تأطير « التشظي المنتظر» .
موقع المغربية المستقلة يدعو متتبعيه للإلتزام واتباع التعليمات و التدابير الإحترازية التي اتخذتها السلطات طوال فترة الطوارئ الصحية ، والتي لم تنتهي بعد حفاظا على سلامتكم و سلامة البلد ” بقاو في ديوركم”.