جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

عشرة مفكرين بارزين يناقشون سياقات وتأثيرات أزمة جائحة كورونا

لطالما كان للأوبئة والكوارث الطبيعية تأثير على التركيبة الداخلية للبلدان وبنية المنظومة الدولية عبر التاريخ، نتيجة التحولات المتداخلة التي تفرضها المتغيرات السياسية والاقتصادية الجديدة، وهو ما تمثل في جائحة “كورونا” التي أحدثت عديداً من التغييرات البنيوية إبان الأزمة نفسها، بينما مازالت ملامح عالم ما بعد “كوفيد-19” غير جلّية رغم توافر بعض ميكانيزمات التحليل لدى رواد علم السياسة في العالم.

وفي هذا الصدد، تحدثت ورقة بحثية منشورة في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عن النقاش المثار في الصالونات الفكرية، موردة أنه “منذ تفشي جائحة (كوفيد-19) وتوالي تداعياتها على الاقتصاد العالمي، اهتمَّت الحكومات بتعبئة الموارد الطبية، وتنفيذ التدابير الاحترازية والاقتصادية لاحتواء الجائحة”.

وتابعت الورقة: “رغم أن بعضًا من تلك السياسات الطارئة قد تُفيد مستقبلًا في إنشاء مؤسسات جديدة، أو ابتكار طرق لحل المشكلات في مرحلة ما بعد الوباء؛ إلا أن هناك وجهًا آخر لهذه الإجراءات، يعكس استغلال بعض الدول للسلطات والصلاحيات المكتسبة خلال فرض حالة الطوارئ، حيث تثور المخاوف من إساءة استخدام الإجراءات الصحية للتتبُّع والمراقبة، لترسيخ أنظمة الحكم، بما يتنافى مع مبادئ الديمقراطية”.

الورقة التحليلية، المعنونة بـ”رؤى غربية لمستقبل أنظمة الحكم بعد وباء كورونا”، أشارت إلى استطلاع آراء 10 مفكرين بارزين من جميع أنحاء العالم، قامت به مجلة “فورين بوليسي”، وعرض رؤيتهم حول تأثير أزمة كورونا على توسيع نطاق السلطات الحكومية، وانعكاس الأزمة على أنماط الحكم مستقبلًا، بحيث تضمَّن الاستطلاع آراء كل من “جيمس كرابتري”، “روبرت د. كابلان”، “روبرت موجا”، “كومي نايدو”، “شانون ك. أونيل”، “آدم بوزن”، “كينيث روث”، “بروس شناير”، “ستيفن م. والت”، “ألكسندرا ريج”.

وأكد “ستيفن والت”، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، أن الدول ذات النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية على حدٍّ سواء قامت بإغلاق الحدود، وفرض الحجر الصحي، وإغلاق جزء كبير من الاقتصاد، وتطبيق مجموعة متنوعة من أنظمة الاختبار والتتبُّع والمراقبة، من أجل احتواء العدوى، مشيرا إلى أن الدول التي تصرَّفت بشكلٍ أسرع، واعتمدت تدابير أكثر صرامة، كانت الأكثر نجاحًا، أما الحكومات التي أنكرت وتأخرت في اتخاذ الإجراءات اللازمة فهي مسؤولة عن آلاف الوفيات.

من جانبه، لفت “كينيث روث”، المدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، إلى أنه في أوقات الأزمات يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان للحكومات بتقييد بعض الحقوق مؤقتًا، مثل القيود على السفر، وقواعد التباعد الاجتماعي، طالما كانت تلك القيود ضرورية، ومتناسبة مع الأزمة، وغير تمييزية، لكنه يشير إلى أن بعض الحكومات تحاول استغلال هذه الإجراءات المؤقتة لإسكات منتقديها، وترسيخ حكمها.

ويُضيف “روث” أن الرقابة تُقيِّد التدفق الحر للمعلومات، التي تُعتبر ضرورية للغاية في التعرف على التهديدات الصحية والاستجابة لها بفعالية؛ إذ توضح أزمة فيروس كورونا أنه يجب احترام حقوق الإنسان ليس فقط من حيث المبدأ، ولكن لأسباب براغماتية أيضًا، مؤكدًا أن المراقبة التي تفشل في حماية الخصوصية لا تشجع التعاون الطوعي، وهو شرط مسبق لأي مبادرة ناجحة في مجال الصحة العامة.

في حين أوضح “ألكسندرا ريج”، رئيس مؤسسة “تريس إنترناشيونال” TRACE International، وهي مؤسسة معنية بتعزيز الشفافية التجارية في جميع أنحاء العالم؛ أنه في وقت يخصص العالم تريليونات الدولارات لبرامج التحفيز الاقتصادي، والاستثمار في القطاع الطبي؛ ستتسع قاعدة الفساد في عديد من الدول ذات الأنظمة غير الديمقراطية، وفق ما نقلته الورقة، بينما في تلك التي تتمتع بالحكم الرشيد فستتسبب أزمة كورونا في زيادة التركيز على المساءلة، وبالتالي تحجيم الموارد المهدرة، والمعاملات الغامضة والمشبوهة، ومن ثمَّ سيتحول الوباء من نقمة إلى نعمة في نهاية الأمر.

فيما أشار “جيمس كرابتري”، أستاذ مشارك في كلية “لي كوان يو” للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلّف كتاب “الملياردير راج”، إلى أنه من المقرر أن تؤدي جائحة (كوفيد-19) إلى إعلان عهد جديد من نمط الحكومات المتدخلة في كل الاقتصاديات المتقدمة تقريبًا، لكن هذا التغيير سيكون محسوسًا بشكلٍ كبير في الدول الآسيوية.

وأوضح المتحدث أن معظم الدول الغنية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، تحركت لحماية مواطنيها وشركاتها من خلال وضع خطط لدعم الأجور، والمدفوعات النقدية؛ وشمل هذا أيضًا دولًا مثل سنغافورة وماليزيا، التي طالما تجنَّبت توسيع نطاق الإنفاق الحكومي.

وفي هذا الإطار، أبرز “روبرت كابلان”، خبير في الشؤون الخارجية، أنه بعد ثلاثة عقود من تكوين الثروات على نطاق لم يسبق له مثيل تاريخيًّا قد نكون الآن على أعتاب فترة غير مسبوقة من إعادة توزيع الثروة في شكل ضرائب أعلى؛ لتمويل التوسُّع في الرعاية الصحية والخدمات الأخرى، مضيفًا أن الخصوصية ستصبح مشكلة على نحو متزايد في هذا العصر الجديد للحكومات، مع ظهور أنواع جديدة من الرقابة والتتبُّع، وذلك إضافة إلى مشكلة الدين الحكومي، الذي بدأ يتزايد بشكلٍ كبير، وفق المقالة.

أما “شانون أونيل”، زميل أول لدراسات منطقة أمريكا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية، فأكد أنه بينما تكافح الدول والشركات لمواجهة آثار فيروس كورونا المستجد على العمل والإنتاج، تعود السياسة الصناعية إلى الظهور، بعد عقود من زخم السوق الحر؛ حيث تبنَّت الحكومات في الدول المتقدمة والأسواق الناشئة -على حدٍ سواء- أدوارًا مؤثرة في الاقتصاد.

وتضمَّن ذلك فرض تعريفات وتراخيص ومعايير للإنتاج، وحتى حظر التصدير المباشر، خاصة للمواد الغذائية والإمدادات الطبية. كما تضمنت الإجراءات دفع المليارات النقدية، وتقديم مزايا أخرى للشركات؛ بهدف “إعادة التصنيع” الذي يتم خارج حدودها إلى الداخل، مثل اليابان، التي قامت بدفع 2.3 مليارات دولار لشركاتها لمغادرة الصين وعودة العمل والإنتاج بداخلها.

ومن ناحية أخرى، أكد “آدم بوزن”، رئيس “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي”، أن سياسات الاقتصاد الكلي السابقة ركزت على متغيرات رئيسية، هي: النمو، والتضخم، والبطالة، والديون. وقد سمح ذلك لمحافظي البنوك المركزية والمسئولين الاقتصاديين بالتركيز على الرفاهية العامة، غير أن أزمة الوباء الحالي وتداعياتها دفعت التكنوقراط الاقتصاديين إلى إعادة النظر في قرارات توزيع الموارد وتخصيصها، أي ما يتعلق باختيار الشركات التي تحصل على قروض سريعة، وترتيبات العمل التي تحصل على الدعم، والأصول التي يتم شراؤها؛ وهذا يجعل سياسات التعاطي مع الأزمات أكثر فاعلية، طالما كانت عمليات القروض والمشتريات أكثر خضوعًا لإجراءات الشفافية والمساءلة.

بينما أشار “روبرت موجاه”، مؤسس معهد Igarapé ومجموعة SecDev، إلى أن الجائحة تكشف عن مدى جودة أداء الحكومات في جميع أنحاء العالم، وقدرة قادة المناطق والمدن على مواجهة الوباء في وقت تجلى فشل عديد من المسؤولين بالحكومات المركزية الوطنية.

ويضيف المتحدث أن القادة المحليين أظهروا كفاءة أكبر في إدارة الأزمة، وكسبوا ثقة ناخبيهم؛ حيث ينصب تركيز المحافظين ورؤساء البلديات على إنقاذ الأرواح، وتقديم الخدمات الأساسية، والحفاظ على القانون والنظام، ودعم الانتعاش الاقتصادي، بما يعزِّز من سلطات المناطق والمدن.

وفي هذا السياق، أوضح “كومي نايدو”، الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية، أن تقييم الاقتصاديات على أساس الناتج المحلي الإجمالي فقط هو قصور يجب معالجته إذا أردنا الحصول على فرصة لخلق عالم أكثر إنصافًا، موضحًا أن الجائحة أظهرت أن العالم بحاجة إلى إعادة تفكير جذري في إنتاج وتوزيع المواد الغذائية، والسلع الأساسية الأخرى في المجتمعات، للعيش في صحة جيدة وسلام ورخاء، داعيًا إلى أهمية التوجه نحو اللامركزية، ومشاركة الأقاليم والبلديات في إنتاج السلع وتقديم الخدمات الاجتماعية، وضرورة التأكد من أن التراجع الراهن للحقوق المدنية بسبب الإجراءات المرتبطة بالأزمة، هو تراجع مؤقت، ولا يمثل ركيزة دائمة للحياة في عصر ما بعد كورونا.

هكذا، لفت “بروس شناير”، زميل ومحاضر في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، الانتباه إلى الجدل المثار في المجتمعات الغربية حول حقّ استخدام البيانات الشخصية، واصفًا الموقف بالمعركة التي تضع حق الأفراد في الخصوصية في مواجهة أهمية بياناتهم لصالح المجتمع، وموردا المثال بخرائط غوغل التي تظهر حركة المرور في الوقت الفعلي، ولكنها تفعل ذلك من خلال جمع بيانات الموقع من كل شخص يستخدم الخدمة، ومضيفًا أنه حتى الآن تركز معظم النقاش على “رأسمالية المراقبة” surveillance capitalism.