- Likes
- Followers
- Subscribers
- Followers
- Subscribers
- Followers
- Followers
- Members
- Followers
- Members
- Subscribers
- Posts
- Comments
- Members
- Subscribe
د. عبد الناصر ناجي الدكتور عبد الناصر ناجي، خبير تربوي.
مع نهاية 2023، وبداية عام جديد، يطرح السؤال عن الإنجازات والإخفاقات على مستوى كل قطاع حكومي خاصة في قطاع التعليم الذي خطف الأضواء منذ ثلاثة أشهر تحت وطأة الإضرابات غير المسبوقة التي يخوضها رجال ونساء التعليم. هذا المعطى لوحده كفيل بإصدار حكم سلبي على حصاد 2023 في قطاع التربية الوطنية، لكن الأمانة العلمية تقتضي إجراء تقييم موضوعي من زوايا الملاءمة والفعالية والنجاعة مع مراعاة السياق الذي يطبع إصلاح التعليم منذ إقرار مرجعية الإصلاح سنة 2015 المتمثلة في الرؤية الاستراتيجية 2030 وتحويلها إلى مرجعية قانونية ملزمة جسدها القانون الإطار 51.17 الذي صادق عليه البرلمان سنة 2019.
هذا التقييم يتجاوز مقارنة ما أنجز مع ما تم الالتزام به في خارطة الطريق لأن هذه الأخيرة من المفروض أن تشكل مرحلة إجرائية على درب تفعيل الرؤية الاستراتيجية. لكن حتى لو اكتفينا بتقييم مدى تطبيق خارطة الطريق ونحن في منتصف الولاية الحكومية فإننا نجد أن أهدافها الثلاثة في منحى تراجعي بحيث انخفضت نسبة المتحكمين في التعلمات الأساس إلى أقل من 20 في المائة، وتراجع المستوى العام للتحصيل الدراسي بحوالي 20 نقطة، وارتفع عدد المنقطعين عن الدراسة ليصل إلى 350 ألف بعدما سجل 334 ألف السنة الماضية. أما أنشطة الحياة المدرسية فقد توقفت منذ شهر ماي الماضي بسبب الإضراب العام في قطاع التعليم. إن التقييم الشامل الذي قمنا به للعمل الحكومي في مجال التعليم خلال سنة 2023 مكن من تسجيل مجموعة من الاستنتاجات.
• بعد أربع سنوات من إصداره ونشره في الجريدة الرسمية، فإن القانون الإطار رقم 51-17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لم يجد طريقه بعد إلى التطبيق في المدرسة المغربية بطريقة تراعي المقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال تطبيق القوانين الإطار.
• قبل يوليوز 2021 تم إصدار خمسة نصوص تنظيمية على شكل مراسيم لعل أهمها مرسوم اللجنة الدائمة للبرامج غير أنها لم تدخل لحد الآن حيز التطبيق. كما أن بعض مشاريع القوانين أبدى فيها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رأيه لكنها أعيدت إليه مرة أخرى لإبداء آراء جديدة في هدر واضح لزمن التشريع وفي سابقة في التعامل مع آراء المؤسسات الدستورية بحيث لأول مرة تعيد الجهة نفسها طلب رأي في القضية نفسها من المؤسسة نفسها.
• تعتبر اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي تم إحداثها لتكون تحت إشراف رئيس الحكومة، الآلية الأساسية لتحقيق ملاءمة السياسة العمومية مع القانون الإطار. هذه الآلية المفروض فيها أن تجتمع مرتين في السنة على الأقل، لم تجتمع منذ سنتين دون أن تفسر الحكومة أسباب ذلك.
• حدد القانون الإطار عددا من الآجال لإنجاز مجموعة من المقتضيات غير أن عدم صدور النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه، يجعل الوفاء بهذه الآجال مسألة مستحيلة. غير أن التركيز على محور الفعل التربوي الذي يتشكل من ثلاثية المتعلم والمدرس والمدرسة، والتي هي موضوع السياسة العمومية في قطاع التربية الوطنية، يمكن اعتباره استراتيجية من شأنها تعبئة الفاعلين التربويين والأطراف المعنية حول المؤسسة التعليمة شريطة الاهتمام بتعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي لأنه الضامن لمأسسة الإصلاح واستدامته.
• إن معدل الزيادة في المؤشر الوطني لتطوير التعليم المسجل في الفترة 2015-2018، على ضعفه بحيث لم يتجاوز آنذاك 2.3 نقطة، تراجع بصورة مقلقة إلى 0.6 نقطة، مما أدى إلى تطور طفيف جدا للمؤشر الذي انتقل من 53.5 ٪ إلى 54.1 ٪. هذه الوتيرة من التقدم منخفضة للغاية بشكل لن يضمن تحقيق الأهداف التي حددتها الرؤية في السنوات الثماني التي تفصلنا عن الموعد النهائي لعام 2030.
• تدبير التدفقات على حساب تدبير جودة التعلمات أدى إلى إنشاء منظومة تربوية متعددة المستويات لا تستجيب كلها لمتطلبات الحد الأدنى من الجودة، وتلك ذات المستوى الذي يتجاوز هذا الحد تبقى حكرا على طبقات اجتماعية معينة.
• تطبيق التناوب اللغوي خارج الضوابط المنصوص عليها في القانون الإطار أدى إلى هيمنة اللغة الفرنسية على اللغات الرسمية وينذر بتراجع على مستوى جودة التعلمات على المديين المتوسط والبعيد.
• التعامل المرتبك مع قضية “أساتذة التعاقد” ومع النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم الذي لم يستند إلى إطار مرجعي للوظائف والكفايات كما يلزم بذلك القانون الإطار، نتج عنه توتر غير مسبوق داخل المؤسسات التعليمية، ترجم على شكل إضرابات واعتصامات أثرت سلبا على السير العادي للدراسة وعلى التحصيل الدراسي للمتعلمين والمتعلمات، ستعاني منه منظومتنا التربوية على المدى المتوسط وربما البعيد.
• شرعت وزارة التربية الوطنية في تطبيق برنامج طموح للتكوين الأساس للمدرسين يرتكز على إجازة في التربية وسنة تأهيلية في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالإضافة إلى سنة تدريبية في المؤسسات التعليمية. هذا البرنامج من شأنه أن يحقق الجودة المطلوبة على مستوى التكوين إذا توفرت شروط المكونين الأكفاء والمواكبة البيداغوجية الفعالة والارتقاء بظروف ممارسة المهنة في جميع المؤسسات خاصة تلك الموجودة في المجال القروي وفي المناطق الصعبة.
• تحتاج منظومة التربية والتكوين إلى تقييم منتظم يستند إلى معايير ومؤشرات تتعلق بمخرجات المنظومة ومدخلاتها وصيروراتها، وذلك ليس فقط لالتقاط صورة في وقت معين لجودتها، ولكن بالخصوص لمعرفة المشكلات التي تعاني منها ورصد المكتسبات من أجل تقويتها. ورغم توفر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على آلية علمية للقيام بذلك فإنه لم يفعلها منذ ولايته الجديدة في تخلي واضح عن مهامه التقييمية.
• الحاجة إلى نظام وطني قوي للتقييم، يمكن من توفير معلومات موضوعية ومنتظمة حول المكتسبات المدرسية للتلاميذ وأداء المؤسسات، ومن استثمار نتائج التقييمات الوطنية والدولية من أجل تحديد العوامل التي تفسر ضعف هذه النتائج، والارتكاز عليها من أجل تطوير أداء منظومة التربية والتكوين.
• اللامركزية تظل بعيدة عن أن تكون في مستوى الفعالية المطلوبة على الأقل على مستوى تطبيق الاختصاصات الذاتية المخولة لجماعات الترابية، في انتظار توفر الشروط لتطبيق الاختصاصات المشتركة والتفكير في نقل بعض الاختصاصات المتعلقة بالتعليم إلى المستويات الجهوية والإقليمية للتنظيم الترابي للمملكة.
• ضعف سلطة القرار داخل المدرسة العمومية، باعتبارها إطار التدبير المناسب والأقرب من الميدان، لا يساعد على تعزيز جودة التعلمات، خاصة في ضوء تبني استراتيجية وطنية لمشروع المؤسسة شكلت قفزة نوعية في مسار المنظومة، غير أنها اصطدمت بعراقيل مؤسساتية وقانونية لم تعط أي هامش للاستقلالية بالنسبة للمؤسسات التعليمية.
• لا نتوفر على منهاج دراسي مندمج مبني على إطار مرجعي وطني، ومنذ صدور القانون الإطار للتعليم الذي قام بمأسسة اللجنة الدائمة للبرامج ما يزال الرأي العام التربوي ينتظر خروجها إلى حيز الوجود من أجل فتح الورش الكبير للمراجعة الجذرية للمنهاج الدراسي على أسس علمية وبمنطق تشاركي.
• على مستوى التعليم الأولي هناك سرعة على مستوى التعميم تطرح إشكالية الجودة خاصة في التعليم الأولي غير المهيكل الذي لا تتوفر فيه الشروط الدنيا للتعليم الأولي المناسب من هيئة التدريس، والموارد المستخدمة، والبنية التحتية، ولا حتى البرامج. ويبقى العائق الأساس لتحقيق الجودة في التعليم الأولي هو تكوين المربيات والمربين وتمكينهم من ظروف مناسبة لأداء مهامهم.
• المردودية الضعيفة لمنظومتنا التربوية تساهم في هدر حوالي ربع الميزانية المخصصة للتعليم، الشيء الذي يقتضي دعم الرفع من الميزانية بإجراءات عملية لتحسين مردودية المنظومة.
تحظى منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي باهتمام متزايد من طرف الدولة منذ أصبح التعليم، منذ حوالي ربع قرن، القضية الوطنية الثانية بعد الوحدة الترابية. تجلت هذه العناية على المستوى الاستراتيجي بجعل الاستشراف على المدى البعيد أحد مقومات التفكير في المنظومة، وهو ما مكن بلادنا من التوفر على رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة وضعت التوجهات الكبرى للتعليم على مدى يمتد إلى 15 سنة. كما توج هذا الاهتمام بالتحصين القانوني لهذه الاختيارات الاستراتيجية من خلال إصدار القانون الإطار 51.17. بذلك تكون السياسة العامة للدولة في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي محددة بوضوح، والضمانة القانونية لتحويلها إلى سياسة عمومية ناجعة متوفرة، وهما ركيزتان أساسيتان لوضع قطار إصلاح التعليم على سكته الصحيحة. بالإضافة إلى ذلك فالرؤية الاستراتيجية 2015-2030 التي تجسد مرجعية هذا الإصلاح تنسجم تمام الانسجام مع الرؤية الأممية لتطوير التعليم المتمثلة في الهدف الرابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ومع مخرجات قمة تحويل التعليم المنظمة من طرف الأمم المتحدة في شتنبر 2023.
اليوم مع وصول قطار إصلاح التعليم كما جاءت به الرؤية الاستراتيجية إلى منتصف الطريق الفاصلة بين محطة الانطلاق 2015 ومحطة النهاية 2030، ومع استحضار الأثر السلبي العميق لإغلاق المدارس الذي فرضته الإضرابات التي عرفتها سنة 2023، وتجسد أساسا في الفاقد التعليمي الذي شاب مكتسبات التلامذة وجعلها تخسر الكثير من قيمتها العادية، يظهر جليا أن السير على نفس المنوال وبنفس السرعة التي طبعت تنفيذ الرؤية الاستراتيجية حتى هذه السنة، لن يسمح للمغرب بتحقيق الأهداف المسطرة فيها إلا في حدود لن تتجاوز 50 في المائة. خاصة وأن ملامح السياسة العمومية في قطاع التربية الوطنية التي تبنتها حكومة 2021، لم تظهر إلا بعد حوالي السنتين من تنصيب هذه الأخيرة، وتأرجحت بين الاستمرارية والقطيعة مع السياسة الحكومية التي سبقتها، مما ساعد على تباطؤ وتيرة الإنجاز.
منذ عام 2017، تاريخ الموافقة على إطار رصد أهداف التنمية المستدامة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، شرع معهد اليونسكو للإحصاء والتقرير العالمي لرصد التعليم في الإشراف على رصد التقدم المحرز نحو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة وفقا لإطار التعليم 2030. وهكذا، وفق آخر تتبع تم سنة 2022، فإن العديد من الدول، ضمنها المغرب، لن تتمكن من تحقيق جميع المؤشرات المطلوبة ولو نجحت في تنفيذ المخططات التي التزمت بها.
يعود ذلك بالأساس إلى البون الشاسع الذي يفصل أحيانا ما بين نقطة الانطلاق المرتبطة بالسنة المرجعية المحددة في عام 2015 ونقطة الوصول المرتقبة سنة 2030، خاصة بالنسبة للمؤشرات المرتبطة بنتائج التعلمات والتي تؤثر فيها عوامل متعددة ومترابطة، ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال سياسات عمومية شاملة وفعالة تتطلب وقتا طويلا لتنفيذها. وهو ما ينطبق على مؤشر تملك الحد الأدنى من الكفايات في التعلمات الأساس مثلا، والذي يشكل النجاح في تحقيقه تحديا كبيرا، نظرا لارتباط ذلك بعوامل شتى مثل التكوين الأساس للمدرسين وتوفير الظروف المناسبة لممارسة مهامهم، والمراجعة الجذرية للمنهاج الدراسي من خلال تفعيل اللجنة الدائمة للبرامج والإطار الوطني للإشهاد، بالإضافة إلى تحديد المعايير الوطنية للجودة وتقييم الأفراد و المؤسسات على أساسها، وتمكين مدارسنا من حد أدنى من الاستقلالية في إطار تبني مفهوم شمولي لمشروع المؤسسة بوصفه آلية لإدخال الإصلاح إلى المؤسسة التعليمية وبالتالي إلى الفصل الدراسي، ومنهجية لتنظيم مدخلات الفعل التربوي وصيروراته ومخرجاته، وأداة لحفز التجديد والابتكار التربوي والإداري، وخارطة طريق لتنفيذ التوجهات التربوية الوطنية.
وفي انتظار ما ستسفر عنه سنة 2024، يبقى مسار الإصلاح مليئا بالتحديات التي لا يمكن مواجهتها بنجاح إلا بتحقيق ثلاثة شروط. أولا، الالتزام بالرؤية الاستراتيجية 2030 بوصفها المرجعية الوحيدة لإصلاح التعليم في بلادنا.
ثانيا، اعتبار ما جاء به النموذج التنموي بخصوص التعليم تدابير إجرائية لما لم تفصل فيه الرؤية الاستراتيجية وليس توجهات استراتيجية جديدة تجنبا لكل تناقض استراتيجي محتمل. ثالثا، الرجوع إلى تطبيق القانون الإطار للتعليم بوصفه المرجعية القانونية الملزمة للجميع، وذلك من خلال التسريع بإخراج النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتنفيذ أحكامه، وتفعيل اللجنة الوطنية المكلفة بتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
إنها شروط ضرورية لرفع الإصلاح إلى مستوى المأسسة التي من شأنها أن تحميه من كل هوى سياسي أو إيديولوجي قد يؤدي به إلى الزيغ عن الطريق المرسوم، وتكريس الارتباك الاستراتيجي الذي طبع السياسات العمومية في مجال التعليم سنة 2023.