قال النقيب عبد الرحيم الجامعي إن مطالب المواطنين بالإنصاف وبالحق في الدفاع وبالمحاكمة العادلة، هي مطالب من صميم قِيم دولة القانون لا عدالة بدونها، ولا ديمقراطية مع غيابها ولا كرامة أو حقوق الانسان بانتهاكها.
وأكد الجامعي مقال نشره على حسابه بفايسبوك بعنوان “لا تجروا استقلال القضاء لقفص الضعف والهشاشة”، أن إلحاح المواطنين بمختلف مشاربهم على استقلال القضاء واستقلال القضاة مؤسساتيا وتشريعيا وحقوقيا، والدعوة لرفض الضغط عليهم أو التدخل في قراراتهم، كلها مطالب مشروعة لأنها تحديات طالما وقف المحامون والمحاميات قبل غيرهم، رجالا ونساء للمناداة بها وللدفاع عنها وللاحتجاج على انتهاكها.
وأضاف ” إنه من المثير للتفكير والتساؤل هو كيف تصبح ضجة ملف الاعتداء الهمجي على طفلة صغيرة السن بمدينة تفيلت، والذي خلق ردة فعل عارمة وطنيا وعالميا، ضجة تأتي لتخلق بدورها ضجة موازية أكثر خطرا وتعقيدا وتأثيرا وتداعيات”.
وزاد “اليوم الجميع من محامين وقضاة مستشارين ومؤسسات وجمعيات حقوقية، وإعلاميين و شرائح مجتمعية واسعة، الكل يشعر بخوف محزن دب في قاعات جلسات محكمة الاستئناف بالرباط ومكاتبها وأروقتها، ويشعرون بالاضطراب الذي خلق و سيستمر راسخا في الوجدان القضائي وفي العقيدة القضائية، من أن التعامل مع القضايا عامة، ومع القضية المعنية بالخصوص لم يعد محصورا بين الملف ووقائعه، ووثائقه وأطرافه، بل أصبح الملف، مثار حديث السياسي والاعلامي، يضغط فيه الجمهور والشارع مناديا بلغة السخط أو العاطفة بأمور ليست من مهامه ولا من اختصاصاته”.
وتابع ” إن صورة القضاء في المغرب وواقع العدالة أمامنا كمهنيين وقانونيين توحي بأن المغرب في مرحلة السكتة القاتلة، لأن الجميع أخرج السيوف من أغمادها وراح البعض يلعب دور النيابة العامة ليطالب برفع العقاب و برفض ظروف التخفيف وبإدانة هذا و ذاك”.
وأكمل بالقول “إن ملف القاصرة ضحية الاغتصاب، ملف يدعونا للتفكير كذلك فيما هو أكبر من طلب رفع العقوبة أو بتخفيضها، لأنه شئنا أم كرهنا سنسقط فيما يدخل في خانة إحراج القضاة وتضييق مجال حريتهم ووجدانهم وضمائرهم، وتشجيع رؤسائهم للبحث عن التأثير عليهم ودفعهم للتطرف في قراراتهم”.
وشدد النقيب الجامعي على أن قضية اغتصاب الطفلة القاصر تنادي لنقاش مشترك حول ظاهرة تقف السلطات عاجزة عن وضع حد لها، ومنها الإهمال والاستغلال والانتهاكات اليومية التي لم تعد الفتاة القاصرة ولا الأم المطلقة أو المعنفة أو المعذبة قادرة أن تتخلص منها.
وأضاف ” إن قضية الاغتصاب موضوع الحراك الأخير تسائل ضعف الأداء التشريعي والبرلماني، والتأخير في صناعة القوانين الحامية لحقوق الاطفال والنساء، وإطلاق مسلسل الملاءمة الذي ينتظر قوانين أساسية منذ بداية العمل بالدستور، إن القضية المعنية تفصح دعاة تزويج القاصرات وتكذب مقارباتهم المدججة بالابتزاز الايديولوجي المحافظ والمتخلف، وتطرح المراقبة والانتباه الأمني المستبق واليقظة الأمنية القبلية والتي تشكو من خصاص أو من تأخير مقلق”.
وخلص النقيب إلى أن القاصرات والقاصرون يحتاجون إلى حماية حقيقية وإلى أمن قانوني وقضائي حقيقيين، يحتاحون لمدونة خاصة بحقوق الطفل، ولمؤسسات الاستماع والمواكبة في الأحياء وفي القرى والأرياف تقيهم من الاستغلال والتهديد ومن التمييز المجتمعي والمجالي، وتحميهم من شطط السلطات ومن كل عنف ممنج، أما القضاء فبقدر مسؤولياته في ضمان حريات الناس وحقوقهم، بقدر مسؤولياته في حماية ضحايا الإجرام والمجرمين، وهذا الوعي هو ما لا ينبغي أن يغيب عنا، وهو لا يتحقق إلا بالاحتكام للقانون والمشروعية، واستقلال القضاء والقضاة وعدم التدخل في أحكامهم، و هو الذي يضمن إصدار القرارات الصحيحة ويضمن ثقة المتقاضين فيها و فيهم.