جريدة بريس ميديا الأوروعربية للصحافة PRESS Medias Euro Arabe
المدير برهون حسن 00212661078323

أقصبي: “الدولة الاجتماعية” لن يكتب لها النجاح بدون ديمقراطية وإصلاحات جبائية حقيقية

قال المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي إن مصطلح الدولة الاجتماعية يبقى غامضا ومبهما، وهو قديم وجديد في نفس الوقت، ذلك أنه منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الخمسينات وهو شائع.

وأضاف في الندوة التي نظمها مركز بنسعيد آيت إيدر للأبحاث والدراسات، زوال اليوم الجمعة، حول “الدولة الاجتماعية”، أن هذا المصطلح عاد للتداول من جديد في 20 سنة الأخيرة.

وأشار أن الدولة الاجتماعية بالأساس هي سياسة تهدف إلى ضمان النفقات الاجتماعية لصالح المواطنين، من خلال مجموعة من التأمينات الاجتماعية، وكمشاركة جماعية في تدبير المخاطر التي يمكن أن تحدث، مثل مخاطر الصحة والحياة والشيخوخة والعائلة والشغل.

وأبرز أنها نظام اجتماعي يعتمد دائما على مفهومين أساسيين، أولهما التأمين ثم المساعدة والدعم.

وأكد أن تمويل النفقات المتأتية عن الدولة الاجتماعية يجب أن تأتي بالضريبة وليس بالاشتراك، أي أن الدولة من خلال الضرائب تقدم الدعم، لافتا إلى أن المداخيل الضريبية في الأصل هي اشتراك ومساهمة من الجميع.

وتحدث أقصبي في ذات اللقاء عن نماذج الدولة الاجتماعية، مشيرا أن العديد من الدول شهدت على مر التاريخ عدة نماذج، فقد رأينا التحرير ثم اللبيرالية، وعمدت بعض الدول خاصة في أوروبا وأمريكا على الخلط بين هذه النماذج.

وأضاف ” ليس هناك نموذج يعتمد على التأمين فقط، فقد نجد أسلوب التأمين إلى جانب المساعدات الاجتماعية، وهناك أنظمة أخرى تعتمد على المساعدة أكثر منها على التأمين”.

وأوضح أن هناك ثلاث نماذج تاريخية عندما نتحدث عن الدولة الاجتماعية، هي النموذج المحافظ الذي ابتدعه بيسمارك، والنموذج المحافظ الفئوي الذي يعتمد على التأمين الخاص بفئات معينة، والنموذج الاشتراكي الديمقراطي، والنظام اللبيرالي.

وأكد أنه من أهم مقومات مفهوم “الدولة الاجتماعية” هي دولة الحق والقانون، لأنها في الأساس تطورت بعد الحرب العالمية الثانية وفي كنف الديمقراطية، وفي ظل أنظمة تحتكم للقانون، ووجود سلطة وسلط مضادة.

وشدد على أن الدولة الاجتماعية هي في العمق تجسيد “للعقد الاجتماعي”، إلى جانب أنها سياسة اقتصادية واجتماعية إرادية تعتمد على تدخل الدولة لأنها ضرورة حتمية لتحقيق النجاعة.

وتابع ” عندما تكون هناك ضرائب على الرأسمال والممتلكات والإرث هذا يعني عمليا أنك تطلب من الطبقات الميسورة المساهمة في تمويل النظام الاجتماعي، والمساهمة في تمويل الصحة والتعليم”.

وأبرز أن تمويل نفقات الدولة الاجتماعية يكون ذاتيا وليس عن طريق الديون بشكل يكون كافيا ودائما.

ولفت إلى أن العديد من المفكرين وعلى رأسهم صمويل بيكيت أكدوا أن الدول التي نجحت في هذا المجال قامت بإصلاحات جبائية حقيقية، بشكل يسمح برفع الموارد الضريبية.

وأشار أقصبي أن مشروع الدولة الاجتماعية في المغرب منذ البداية أعطيت له جدولة زمنية ومن بينها مشروع تعميم التغطية الصحية الإجبارية التي قيل أن تطبيقها سيكون في 2022، واليوم بدأنا في سنة 2023 ولم نرى شيئا، ومن المفترض أن 38 مليون من المغاربة يملكون حاليا تغطية صحية.

إلى جانب تعميم التعويضات العائلية التي ستطبق في 2024 وأدخلت ضمن نقاش صندوق المقاصة، ويقال إنه بعد تحرير الصندوق ستمول نفقاته هذا المشروع. ثم توسيع الانخراط في نظام التقاعد في أفق 2025 لفائدة 5 مليون مغربي، والتعويض عن فقدان الشغل.

وأكد أقصبي أنه نظريا مشروع الدولة الاجتماعية عظيم وجميل وإذا نجح سيذكر في التاريخ، لكن من حقنا أن نطرح تساؤلات اتجاه ما يملكه من مقومات سبق وذكرناها.

وتساءل هل يمكن أن نعتبر حقيقة أن المغرب هو دولة حق وقانون حسب المقومات المتعارف عليها دوليا؟ وهل هناك قدرة على التفاوض بين السلطة والسلط المضادة وبين الفاعلين الاجتماعيين حول مضمون الإصلاحات الضرورية؟، وهل هناك في المغرب سياسة اقتصادية واضحة ويمكن تحليلها، لأنها في الأصل لقيطة، وتابعة لإملاءات المنظمات الدولية.

وذاد ” هل يمكن لأي شخص أن يفسر لي اليوم سياسة بنك المغرب وإعطاءها مبررات موضوعية، فصحيح أن البنك رفع من سعر الفائدة بمبرر الحد من التضخم، لكن ذلك تم في إطار موجة، بدأها البنك المركزي الأمريكي، وتبعته فيها البنوك الأوروبية والكل اتجه لرفع سعر الفائدة”.

وألح أقصبي على أن النظام الضريبي المعمول به في المغرب لا يمكن أن يمول مشروع الدولة الاجتماعية، فالحكومة تقول إن الكلفة الإجمالية للمشروع تصل إلى 51 مليار درهم سنويا، منها 28 مليار درهم اشتراكات، و 23 مليار درهم بين التأمين والمساعدات، والمشكل هو هل يمكن تحقيق تحقيق مبلغ 28 مليار درهم في الاشتراكات لأن عددا كبيرا من المواطنين المؤمنين في صندوق الضمان الاجتماعي، لم يؤدوا اشتراكاتهم، وهذا ما أدلى فيه مدير الصندوق في تصريحات رسمية.

وخلص نفس المتحدث إلى أنه في غياب هذه الشروط، وفي غياب إرادة سياسية حقيقية لا يمكن التنبؤ بنجاح مشروع الدولة الاجتماعية.