في حي جميل من أحياء المدينة العريقة مدينة فرانكفورت بألمانيا، وتحت ظل مئذنة مسجد “أبو بكر الصديق” الخضراء المتواضعة، يشدو صوت المؤذن بكلمات الأذان الهادئة خلال أزمة “كورونا”، لتلقي بظلال السلم والسلام، وترسل رسالة الطمأنينة والهدوء إلى السكان.
هكذا بدا المشهد في وسط نهار فاتح رمضان الجاري من مدينة فرانكفورت، حيث يرفع الأذان فيها لأول مرة منذ نشأة الوجود الإسلامي حتى اليوم، وهو حدث هام جدا ذو أركان أثمرت في نهاية المطاف تلك النتيجة الرائعة.
الركن الأول فيه مسجد “أبوبكر الصديق”، ذلك المسجد العامر الذي يشكل تحفة معمارية رائعة، انتهى إليها عبر مراحل عديدة منذ تأسيسه عام 1966؛ إذ يقع المسجد في منطقة متميزة من مدينة فرانكفورت، ويؤمه عدد كبير من المصلين، رجالا ونساء، يبلغون في يوم الجمعة أكثر من ألف شخص.
وفي المسجد أنواع عديدة من النشاطات، يومية وأسبوعية وشهرية، منها إقامة الصلوات الخمس، والدروس اليومية، وتحفيظ القرآن، وتدريس اللغة العربية، والمحاضرات والندوات، والعمل الشبابي، والتواصل مع المجتمع الألماني…
ويعدّ المسجد من أكبر مساجد المدينة وأجملها (عالي الجدران، مرتفع السقف، جيد التهوية، كثير النوافذ والأبواب)، ولذلك يقصده الزائرون الألمان من حين إلى آخر، أفرادا، رسميين وعاديين، وجماعات من المدارس والكنائس والجامعات والهيئات الرسمية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني…، ليتعرفوا من خلاله، ومن مقابلة فريق العمل بالمسجد من إمام وإدارة، على بعض شؤون الإسلام والمسلمين، وفي غالب الأحيان يخرج الزائرون بانطباع إيجابي جميل.
الركن الثاني من أركان الحدث يتمثل في “مدينة فرانكفورت”، فالأذان رفع في مدينة قديمة عريقة جميلة من أروع مدن ألمانيا، فهي عاصمة ألمانيا وأوروبا الاقتصادية، ويعد مطارها من أكبر مطارات العالم، ويبلغ عدد قاطنيها 800 ألف نسمة، لكنها مليونية النهار؛ إذ تضم نهارا أكثر من مليوني شخص في الأعمال المختلفة يفدون إليها من جهات عديدة، كما أنها تضم أكثر من 150 جنسا عرقيا، يمثلون مختلف الطوائف الدينية والمذهبية، لذلك لا يجد المسلم صحيحُ الإسلام أدنى مشكلة في عيشه وتواصله مع أفراد وطوائف البشر أجمعين، بل على العكس يجد في عيشه بين إخوانه أبناء الوطن الواحد فرصة كبرى للتعاون والتراحم وتقديم الخير للكافة.
أما الركن الثالث من أركان الحدث الجميل، فهو ذلك التعاون والتفاهم اللذين أثمرا رفع الأذان في ذلك اليوم المشهود، وهذه إحدى بركات التعاون على البر والتقوى الذي أمر به القرآن الكريم؛ إذ إنه في إطار التنسيق والتشاور والتعاون المثمر بين المؤسسات الإسلامية في مدينة فرانكفورت، وبينها وبين مؤسسات المجتمع المدني ومع أهل الديانات الأخرى ومع المؤسسات الرسمية، وفي ظل تفاهم وتوافق وتقدير وتسامح، تم الاتفاق على رفع الأذان بمسجد “أبوبكر الصديق” ليكون شاهدا على أن سكان هذه المدينة كيان واحد يعيشون على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة، يبتغون مزيدا من الأمان والرخاء والسلام لهذا البلد وساكنيه.